غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب تعد من الغزوات والمعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، حيث حشدت جموع الكفر جيوشها وتوحدت على ما كان بينها من خلافات، وأعدت العدة للإغارة على المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، للنيل منهم والانتقام والثأر ومحاولة القضاء على الدولة الإسلامية الوليدة في المدينة المنورة.
إلا أن الله كان لهم بالمرصاد فأفشل عزمهم وأذهب كيدهم وجعله في تضليل، فما هي غزوة الخندق، وما السبب في تسميتها بهذا الاسم، أو غزوة الأحزاب، وما هي الأسباب والدوافع التي وقفت ورائها، وما النتائج التي آلت إليها وصارت نصرًا أصبح مستحقا للمسلمين، هذا ما نستعرضه من خلال المقال التالي.
غزوة الخندق
فغزوة الخندق أو ما تعرف كذلك بـ "غزوة الأحزاب"، هي تلك الغزوة التي وقعت في شهر شوال، وذلك في العام الخامس من هجرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى المدينة المنورة، وهو ما يوافق شهر مارس / آذار من العام 627 بالتقويم الميلادي.
وقد وقعت غزوة الخندق وكان القائد الأعلى للمسلمين فيها هو النبي صلى الله عليه وسلم، ويندرج تحت قيادته أيضًا أبو بكرٍ الصديق، وعمر بن الخطاب، وكذلك علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله صلوات ربي وتسليماته عليه.
أما عن الطرف الآخر من المعركة فكان الأحزاب، وهم مجموعة من القبائل ذات الأصول العربية المترامية الأطراف، والتي توحدت في أهدافها على ما كان بينها من صراعاتٍ داخلية، بهدف الإغارة والقيام بغزوة مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وهي المدينة المنورة.
وسعت تلك المعركة إلى وضع حدٍ للدولة الإسلامية الوليدة، والقضاء على الفئة المسلمة التي سعت لإقامة خلافة على منهاج النبوة تحكم بالحق والعدل، وتعمل على إقامة شرع الله والترسيخ لقيم العدالة والأخلاق والفضيلة والمساواة بين بني البشر جميعًا، لا يميزهم على بعضهم البعض، سوى التقوى والعمل الصالح الخالص لوجه الله عز وجل.
أسباب غزوة الخندق
أما عن السبب الرئيسي والمباشر في قيام أئمة الكفر في عهد ما بعد حلول الإسلام بغزوة البغي والعدوان المعروفة باسم غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب، هو كون يهود قبيلة بني النضير، قد أخلفوا عهدهم الذي قطعوا على أنفسهم مع نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كما هموا بقتله.
فقام النبي صلوات ربي وتسليماته عليه بتوجيه زمرة من جيشه إلى قبيلة بني النضير في المدينة، فحاصرهم لعدة أيام حتى اضطروا إلى الوقوع والاستسلام وخرجوا من المدينة المنورة صاغرين، حينها لم تتوقف محاولات اليهود والمشركين عمومًا عن الانتقام من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلاص من تهديد دولة الإسلام الوليدة في المدينة المنورة.
فعمد يهود قبيلة بني النضير بعد طرد المسلمين لهم من المدينة المنورة، على القيام بعدة مؤامرات لتحريض المشركين وكافة القبائل العربية في منطقة شبه الجزيرة العربية على القيام بغزو مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الأمر الذي لاقى قبولًا واستحسانًا من العرب، الذين اتهموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتفريقهم وتمزيق شملهم وأخذ أبنائهم وفلذات أكبادهم بعيدًا عن دين الآباء والأجداد، دين الشرك والعبودية لغير الله عز وجل.
وحالف يهود قبيلة بني النضير في تلك الغزوة قبيلة "كنانة" أو من يطلق عليهم "الأحابيش"، وكذلك قبيلة "غطفان" وهم من فزارة وكذلك "بنو مرة" إضافة إلى "أشجع"، كما حالفهم في هذا قبيلة "بنو أسد" وقبيلة "سليم" وغيرهم من القبائل العربية، فتم تسميتهم بالأحزاب لتحزبهم وتجمعهم ضد رسول الله ودولة الإسلام في المدينة المنورة.
وقد انضم إليهم في هذا الحزب المحرض الأول له، وهو قبيلة بني النضير، وكذلك يهود قبيلة بني قريظة، والذي جمعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم العهود والمواثيق قبل أن ينقضوها في غزوة خيبر التي دفعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طردهم أيضًا خارج المدينة المنورة لطعنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وجيش الإسلام من ظهورهم.
تفاصيل غزوة الخندق وسير المعركة
كانت غزوة الخندق من الغزوات الصعبة التي شهدها التاريخ الإسلامي في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودولته الإسلامية الحديثة، فقد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم خيرة الصحابة الأبرار، وحشد حشوده لمواجهة الأحزاب، وكانت الخطة تقتضي أن يقوم المسلمون بحفر جملة من الخنادق في مداخل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في الشمال، بحيث تحول دون وصول المشركين والحلفاء والأحزاب إلى داخل المدنية المنورة.
وقد اقترح الصحابي الجليل سلمان الفارسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم حفر تلك الخنادق كوسيلة لوقف تقدم الأحزاب إلى المدينة المنورة، فلما جاء الأحزاب بحشودهم وعتادهم العسكري، وأقبلوا عند حدود المدينة المنورة فوجئوا بتلك الخنادق التي وقفت سدًا منيعًا أمام قواتهم، فعجزوا عن اقتحام المدينة المنورة، فاضطروا لفرض حصارٍ على المسلمين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
استمر ذلك الحصار لمدة ثلاث أسابيع، وقد تعرض المسلمون خلالها إلى المشقة والعناء والألم والجوع، أما عن سير المعركة التي لم تقع بشكل الكلاسيكي المعروف، فقد واصل الأحزاب حصارهم للمدينة المنورة حتى أرسل الله رياحًا شديدة البرودة دفعت الأحزاب دفعًا إلى الانسحاب والعودة إلى قبائلهم في الجزيرة العربية، معلنين فشل غزوتهم على المسلمين في المدينة المنورة، وانتصار المسلمين ضمنيًا في تلك المعركة.
كانت غزوة الخندق من الغزوات الصعبة التي واجهها المسلمون، من حصارٍ ومحاولة فاشلة من المشركين للقضاء على دولة الإسلام في المدينة المنورة، إلا أن الله كان أشد منهم بئسًا وأشد تنكيلًا، فأحبط سعيهم للقضاء على الدولة الإسلامية، وكسر شوكتهم في حلوق المشركين وأعداء الحق والخير والعدل والفضيلة والأخلاق.