ناقشت اذاعة الشمس مع الصحافي المصري احمد عليبة، قضية التقرير الحصري الذي كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، السبت 6 يناير/كانون الثاني 2018، عن تسريبات تتحدث عن قبول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برام الله عاصمة لفلسطين بدل القدس.
كما كشفت التسجيلات التي نشرتها الصحيفة الأميركية عن صدور تعليمات من ضابط مخابرات مصري، لعدد من الإعلاميين لإقناع المصريين بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اتَّخذه قبل أسابيع بشأن نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
وبحسب التعليمات التي أصدرها ضابط المخابرات أشرف الخولي لبعض الإعلاميين بشأن معالجة ملف القدس من خلال التركيز على أن مصر يجب أن تظهر كما الدول العربية الأخرى بدور الدولة التي تدين قرار الرئيس الأميركي بنقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، وإعلانه الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، في حين أن ما هو مهم بالنسبة لها "إنهاء معاناة الفلسطينيين عبر حل سياسي".
وأوردت الصحيفة الأميركية، أن ضابط المخابرات المصري تكلم مكالمات هاتفية بنبرة هادئة إلى مقدمي برامج حوارية مؤثرة في مصر، وصرَّح الضابط الخولي لهم بأن "مصر، شأنها في ملف القدس شأن جميع إخواننا العرب، ستنكر هذا القرار علناً".
ولكنه قال إن الصراع مع إسرائيل لم يكن في مصلحة مصر الوطنية. وقال للإعلاميين، إنه بدلاً من إدانة القرار، يتعين عليهم إقناع المشاهدين بقبول القرار.
وطالب الخولي بهذا الأمر أربعة إعلاميين، بحسب أربعة تسجيلات صوتية لمكالماته الهاتفية، التي حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز".
وقالت الصحيفة إن إعلامياً واحداً، هو عزمي مجاهد، أكد صحة التسجيل الذي حصلت عليه الصحيفة.
وبحسب الصحيفة، فقد تحدث الضابط الخولي أيضاً بالتوجيهات ذاتها مع الإعلاميين مفيد فوزي، وسعيد حساسين العضو بمجلس البرلمان أيضاً.
التسجيلات!
وبحسب تسريبات الصحيفة الأميركية قال الخولي لمقدمي البرامج، إنَّ مصر ستدين القرار في العلن "كبقية أشقائنا العرب".
لكنَّه أضاف أنَّه ليس من مصلحة مصر الصراع مع إسرائيل. وقال لمقدمي البرامج إنَّه بدلاً من إدانة القرار عليهم إقناع مشاهديهم بقبوله. واقترح بأنَّه على الفلسطينيين أن يقنعوا ويكتفوا بمدينة رام الله الكئيبة في الضفة الغربية، التي توجد بها السلطة الفلسطينية.
وفي تسجيلاتٍ 4 لتلك الاتصالات الهاتفية، حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يمكن سماع الخولي وهو يسأل مراراً وتكراراً: "فيم تختلف القدس عن رام الله؟ حقاً؟".
وردّ عليه عزمي مجاهد، وهو أحد مقدمي تلك البرامج، وأكد صحة تلك التسجيلات: "بالضبط".
لعشرات السنين، انتقدت الدول العربية القوية مثل مصر والسعودية علناً معاملة إسرائيل للفلسطينيين، بينما كانت تقبل سراً بالاحتلال الإسرائيلي المستمر لأراضيهم.
وبحسب الصحيفة الأميركية سارعت الحكومات العربية لإدانة القرار علناً، لإدراكها حجم التعاطف الشعبي الذي تحظى به القضية الفلسطينية بين شعوب دولها.
إذ أفادت وسائل الإعلام الحكومية المصرية بأنَّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أبلغ اعتراضه شخصياً لترامب. ورفض قادةٌ دينيون مقربون من الحكومة المصرية اللقاء بنائب الرئيس الأميركي مايك بينس، وقدمت مصر مشروع قانون لمجلس الأمن بالأمم المتحدة لإلغاء قرار ترامب (استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو ضد مشروع القانون. لكنَّ مجلس الأمن اعتمد قراراً مماثلاً بعدها بأيام رغم الاعتراضات الأميركية).
واستنكر كذلك الملك سلمان حاكم السعودية -الدولة العربية الأكبر نفوذاً كما يُزعَم- قرار ترامب علناً.
ولكن في الوقت نفسه، أعربت المملكة سراً عن إذعانها، أو حتى موافقتها الضمنية على مطالبة إسرائيل بضم القدس. فقبل قرار ترامب بأيام، حثَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الرئيسَ الفلسطيني محمود عباس على قبول رؤية مجتزأة للغاية لإقامة دولة فلسطينية، دون عاصمة في القدس الشرقية، وذلك وفقاً لمسؤولين عرب وفلسطينيين وأوروبيين سمعوا رواية عباس للأحداث، كما تقول نيويورك تايمز.
ونفت السعودية علناً صحة تلك التقارير.
وبالعودة إلى المذيعين المصريين انصاع مقدمو البرامج الذين اتصل بهم الخولي لنصيحته، ومُنِعَت معظم الأصوات الإعلامية الأخرى في وسائل الإعلام الإخبارية الحكومية، والمؤيدة للحكومات، في جميع أنحاء العالم العربي، من الحديث عن وضع القدس، حتى غير المُتعاطفة منها.
ولم يردّ متحدثان باسم الحكومة المصرية على الطلبات بالتعليق على المسألة. ولم يُمكن الوصول إلى النقيب الخولي.
وتؤدي البرامج الحوارية التلفزيونية دوراً كبيراً في تشكيل النقاشات العامة في مصر، وعادةً ما توفر أجهزة الاستخبارات المصرية موجزاً لمقدمي البرامج حول الرسائل التي يجب إيصالها إلى الجمهور. ويفضل مقدمو البرامج عادةً تقديم تلك المحادثات كحواراتٍ بين صحفيين ومصادر معلومات.
وبالإضافة إلى المكالمة مع عزمي مجاهد، هناك تسجيلاتٌ صوتية أخرى لمحادثاتٍ تليفونية مماثلة، بشكلٍ لافت للنظر، مع عميل الاستخبارات نفسه النقيب الخولي، وصلت إلى صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، عن طريق وسيط مؤيد للقضية الفلسطينية ومعارض للسيسي. ولم تتمكن الصحيفة من تحديد مصدر تلك التسجيلات.
وقال مجاهد في مقابلةً مع الصحيفة، إنَّه اتفق مع الخولي بناءً على تقييمه الشخصي للحاجة إلى تفادي اندلاع موجةٍ جديدة من العنف، وليس بناءً على أوامر جهاز المخابرات.
وأضاف مجاهد: "أنا وأشرف أصدقاء، ونتحدث طوال الوقت. من السيئ حدوث انتفاضة أخرى، وليست لدي مشكلة في قول كل تلك الأمور التي سمعتموها بالمكالمة علناً".
أمَّا فيما يتعلق بمن يرفضون ذلك الموقف، فقال مجاهد إنَّه "ينبغي أن تكون لدينا حافلات تُقِلّ كل أولئك الذين يقولون إنَّهم يريدون القتال من أجل القدس، وتأخذهم فعلاً للقدس. اذهبوا وقاتلوا إن كنتم أقوياء لهذه الدرجة. لقد سئم الناس الشعارات وكل هذا، لا يهمني إلا مصلحة بلدي"، بحسب الصحيفة الأميركية.
كانت اثنتان من تلك الاتصالات الهاتفية مع اثنين من مقدمي البرامج الحوارية المشهورين في مصر، أحدهما هو مفيد فوزي، الذي أنكر مشاركته في أي محادثةٍ مشابهة، وأنهى المكالمة على الفور.
أمَّا الآخر، وهو سعيد حساسين، عضو البرلمان المصري، فتوقف عن الرد على الرسائل الهاتفية، وتراجع عن خططه بإجراء مقابلةٍ صحفية، بعد أنَّ تواصل صحفيٌّ مع مجاهد وفوزي بشأن تلك المكالمات.
وكانت المكالمة الرابعة مع الممثلة والمغنية المصرية يسرا، ولم يُمكن التواصل معها للتعليق على الأمر.
تُطابق الأصوات بالتسجيلات تقريباً أصوات الشخصيات الثلاث في التسجيلات العامة المتاحة، وتتفق نقاط الحديث التي أثارها الخولي في المكالمات الثلاث مع نقاط حديثه مع مجاهد.
الخولي وحساسين
بدأ الخولي محادثته مع حساسين قائلاً: "أتصل بك فقط لأخبرك ما هو موقفنا الرسمي، تحسباً لظهورك على التلفاز، أو تحدثك في مقابلةٍ صحفية، أُخبرك فقط موقف أجهزة الأمن القومي المصرية، وما ستجنيه مصر من إعلان القدس عاصمةً لإسرائيل، تمام؟".
وردَّ حساسين قائلاً وفقاً للتسجيل: "أعطني الأمر سيدي. تحت أمرك".
فتابع الخولي: "نحن، مثل أشقائنا العرب، سندين المسألة، لكن بعد ذلك سيصبح هذا الأمر واقعاً، لا يستطيع الفلسطينيون المقاومة، ونحن لا نريد الدخول في حرب. لدينا ما يكفي من الأزمات والعمل بالفعل"، بحسب الصحيفة الأميركية.
وشرح الخولي: "ما نراه خطيراً هو مسألة الانتفاضة، لن تخدم الانتفاضة مصالح الأمن القومي المصرية، لأنَّها ستُعيد تنشيط الإسلاميين وحماس، وستولد حماس مرةً أخرى".
وأنهى الخولي حديثه قائلاً: "ففي النهاية، لن تختلف القدس كثيراً عن رام الله، ما يهم هو إنهاء معاناة الفلسطينيين، التنازلات ضرورية، وإن توصلنا إلى تنازلٍ تكون فيه رام الله عاصمة فلسطين، لنُنهي به الحرب، وبالتالي لا يموت أي شخصٍ آخر، سنسعى إليه".
ووعد الأشخاص الثلاثة الذين كان يحاورهم الخولي بتبليغ تلك الرسائل، وردد بعضهم حججه أثناء البث التلفزيوني لبرامجهم. إذ قال مجاهد لمشاهديه عن قضية القدس: "كفى. المسألة أصبحت قديمة".
وبحسب الصحيفة الأميركية، لكن في محادثته مع مجاهد، أضاف الخولي رسالةً أخرى، إذ هاجم قطر منافسة مصر الإقليمية، وحاكمها الأمير تميم بن حمد آل ثاني، متهماً إياهما بالتعاون مع إسرائيل.
وقال له الخولي: "ستقول أيضاً إنَّ تميم وقطر لديهما علاقات سرية مع إسرائيل".
وردَّ مجاهد: "علاقات واضحة. من دواعي سروري فعل ذلك، سأتحدث عن ذلك في الحلقة القادمة بإذن الله".
وكان الموقف المصري من قضية القدس في ظاهره قويّاً، بعدما حاولت القاهرة إصدار قرار في مجلس الأمن يرفض قرار ترامب، كما شارك وزير الخارجية سامح شكري في القمة الإسلامية التي عقدت في إسطنبول بتركيا، رداً على قرار الرئيس الأميركي.