أهم ما برز في نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا شبكات الواتس اب هو خطاب حول الحقوق والمساس بها، في موضوع اللغة العربية، والارض، والسكن
يستهدف قانون القومية كل الفلسطينيين وحركتهم الوطنية، ورغم أن ذلك غير مكتوب في نص القانون، الا اذا اعتبرنا أن مقولة أرض اسرائيل هي وطن تاريخي لليهود، هو تعبيرًا عن ذلك
تحت عنوان: قانون "اسرائيل – الدولة القومية للشعب الاسرائيلي"، .. لحظة تاريخية.. فلنلتقطها ! كنب بروفيسور اسعد غانم مقالة نشرها عبر الاعلام:
لماذا لا نعدل بعض بديهياتنا؟
تكاثرت ردود الفعل بشأن اقرار "قانون القومية"، وبصراحة غالبية ما ورد في الاعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي لا تفيدنا بشيء، فهي تكرار لنقاشات تكاثفت بعد توقيع اتفاقية اوسلو ووردت في عشرات الكتب والمقالات والاوراق والمواقع الإلكترونية، وتشير اجمالا الى الجوانب "القمعية" في "الدولة اليهودية"، "ودكتاتورية الغالبية" وسياسات الاقصاء، وتنكر اسرائيل لحقوق الفلسطينيين في الداخل خصوصًا، والى حقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وحق تقرير المصير عمومًا. وأهم ما برز في نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا شبكات "الواتس اب" هو خطاب حول "الحقوق والمساس بها"، في موضوع اللغة العربية، والارض، والسكن، الخ. كما ورد في الاعلام أن نقاشًا اجراه "مركز عدالة" بحضور أعضاء كنيست عرب، حول جدوى التوجه للمحكمة وادعاء تناقض القانون مع "قوانين اساس" اخرى، ومساسه بمبدأ المساواة أو "حتى الحقوق الممنوحة للمجموعات الاصلية في القانون الدولي"، وصولا الى نقاشات اثارها نشطاء "دروز" "وبدو" حول دورهم في "الدفاع عن دولة اسرائيل" و"حلف الدم" وتناقض القانون مع "حقهم في المساواة"، التي تؤكد على ضوء "مساهمتهم في دولة اسرائيل". وهنا لا يمكن أن نتجاهل خطابهم هذا، وهذا لا يعني بالضرورة القبول به، اذا ادعينا اجمالا "بأنهم منا" وأن هيئاتنا القيادية تمثلهم "شاءوا أم أبوا" وأن قياداتهم الممثلة في الأحزاب الصهيونية هي "انتهازية" ولا تمثل ما اعتدنا على تسميته "بانتمائهم العربي الاصيل".
هذا نقاش مهم، لكنه اقتصر على اجندات موجودة، برزت في معالجتها أحزاب ورؤساء وسلطات محلية ومؤسسات مجتمع مدني وجمعيات اقيمت بهمة نشطاء ، وتوافقت مع اهتمام الممولين . واجمالا المقصود بالممولين هو الاوربيون والامريكيون وخصوصا الصناديق اليهودية الليبرالية، الذين قبلوا جوهريا بمقولة ان الصراع القومي تم حله او انه في طريقه للحل وان ما تبقى هو تعميق الديمقراطية في اسرائيل وفلسطين، من خلال تعزيز خطاب المساواة والحقوق. ويحدث هذا خصوصا في المجتمعين الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر، لكنه خطاب تعمق في حالة الشرقيين والمتدينين والمثليين وغيرهم. طبعا لا يضرّ أن نذكر بحقائق أساسية لها علاقة بأصول الصراع بين الفلسطينيين والعرب من جهة "والحركة الصهيونية والامبريالية" من الجهة الاخرى، لكن السؤال يبقى هنا: ما الجديد؟ ولماذا تحسب لحظة اقرار هذا القانون "لحظة تاريخية وتأسيسية"؟ والجواب هنا مركب، وبحاجة الى ان نفكر قليلا قبل ان نتسرع الى اصدار الجواب. وانا أعي بان السياسة تستطيع ان تعطي اي جواب وان تدافع عنه، وقد يتسرع البعض الى اجراء مظاهرة هنا أوهناك، أو لقاء صحفي، أو بيان، وهو ما تعودنا عليه اجمالا في كل المناسبات التي "وفرتها" حكومات اسرائيل لنا. وقد تكون هذه الخطوات مهمة ولازمة واجوبة سريعة في وقتها، لكننا بالتأكيد نستطيع ان نعتبر لحظة اقرار القانون بكونها "تاريخية" ونأخذ على نفسنا مهمة التفكير وبناء ردة الفعل المناسبة لذلك، من غير ان نهمل الاني والفوري كليا.... وهنا اسمحوا لي ان اقدم بعض الافكار باقتضاب.
– وهي فاتحة لدراسة مطولة- تضع القانون في السياق النظري والايديولوجي والسياسي والشخصي ان اردتم:
اولًا، الا تستحق هذه اللحظة التاريخية وما سبقها من لحظات كثيرة، ان نعيد التفكير في قبول فكرة التقسيم وقرار 181 (التي تم رفضه اسرائيليا على ارض الواقع ويأتي القانون لينقضّ عليها نهائيا)، وما جرى من تسويغ ذلك من قبل بعضنا قبل النكبة وخلالها وبعدها، وصولا الى قبول الحركة الوطنية الفلسطينية عام 1988 بهذا القرار واعتباره "مرجعية الحل"؟ وعشرات المواقف والتصريحات الاخرى، وصولا الى تصريح رئيس منظمة التحرير والسلطة (عام 2008) بان "اسرائيل تستطيع ان تعرّف نفسها كيفما تريد بما في ذلك كونها يهودية" في اطار تهرّبه من القبول بمطالبة اسرائيل له بذلك في اطار "محادثات السلام" التي لم تجر اصلا بصورة جدية ولا مرة، وخصوصا خلال العقدين الاخيرين.
مثلا، هل فعلا لا تستطيع قيادة الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي مراجعة موقف جزء مهم من الشيوعيين عام 1947 وقبولهم بتعليمات الكرملين آنذاك، في اطار احلام ستالين والكرملين بان الدولة اليهودية سوف تكون جزءا من "الكتلة الشرقية"؟ وهل فعلا مثل هذا الاقرار يمكن ان يضرّ القيادات الحالية أم أن يرفعها الى مصافي القيادات التاريخية؟ ام ان القيادات الحالية "مجبورة" ان تستمر في تحمل "ارث تاريخي" قد يفيد الموقف الاسرائيلي في تبرير "الدولة اليهودية"؟ وهو بالتأكيد ما لا يريده هؤلاء حسب مواقفهم وممارساتهم، واهمها مبادرة رئيس الجبهة السيد محمد بركة (عام 2004) الى توجيه رسالة من قبل لجنة المتابعة تحض الرئيس محمد عباس على عدم الانصياع لمطالب وزيرة الخارجية الاسرائيلية آنذاك "سيبي ليفني" بقبول "اسرائيل كدولة يهودية" بمثل هذا الاقرار. فبغض النظر عن الموقف الحالي من امكانيات حل الصراع مستقبلا، فان قبول قيادات تاريخية لمبدأ التقسيم وحل الدولتين على اساس عرقي كان كارثة، ولا زال ولن يضرنا ابدا تصحيح الموقف، ولو رمزيًا، بل بالعكس قد يفيدنا عمليا في المستقبل، لا سيما أن قرار التقسيم انتهى مفعوله عمليًا.
ثانيًا، نقاش معنى "حق تقرير المصير": اذ يتبنى القانون موقفا شوفينيا وفاشيا وقوميا متطرفا لمعنى حق تقرير المصير، واذا كان هذا الموقف مقبولا عمليا (وليس نظريا) عام 1948، فانه لم يعد مقبولا عام 2018، لا سياسيًا ولا حسب العرف الدولي. وهنا تكون مهمة المثقفين والاكاديميين والساسة الذين يعتبرون تغيير "فهم المفاهيم" من مهمتهم وليس فقط "اجترار" ما هو موجود. فالعالم ملئ بالمجموعات الاثنوقومية، التي تصل الى الالاف، لكن دول العالم المتمثلة في الجمعية العامة هي 194 دولة. أي ان الدول لا يمكن ان تكون تعبيرا عن "حق تقرير المصير" لمجموعة واحدة من سكانها، وحتى الدول القومية الليبرالية التقليدية اصبحت تعي ذلك وتغيرت، ولا زالت تمر في عمليات تغيير جذرية في هذا الصدد. باختصار الدولة لا تستطيع أن تكون وعاء لحق جماعي لمجموعة واحدة، وتوضيح ذلك هو من اولوياتنا، التي تتطلب صياغة وثيقة وطنية جديدة تتضمن ذلك، من غير الذهاب الى غياهب شوفينية وفاشية وقومية تكون "نسخًا عربيًا" للموقف الاسرائيلي، بل تصر على التصور الديمقراطي والنسبي والمرن لحق تقرير المصير.
ثالثًا، يستهدف قانون القومية كل الفلسطينيين وحركتهم الوطنية، ورغم أن ذلك غير مكتوب في نص القانون، الا اذا اعتبرنا أن مقولة "أرض اسرائيل هي وطن تاريخي لليهود... وأن اسرائيل تعبر عن حق تقرير المصير لليهود فقط"، هو تعبيرًا عن ذلك. لكننا حتى لو تساهلنا مع النص واعتبرناه لا يشمل تنكرًا لحق الفلسطينيين في "حق تقرير المصير" في دولة تقام الى جانب اسرائيل، الا أننا نعرف تمامًا من عشرات التصريحات والمواقف ل نتنياهو ومركبات حكومته، بأنه فعلا ضد اقامة دولة فلسطينية وأن أوسلو تعني بالنسبة لهم "حكم ذاتي فلسطيني" في الضفة وغزة، وبذلك فان القانون يجب ان يمثل نهاية فصل "اقامة دولة الى جانب اسرائيل" بالنسبة للنخب الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير، واعادة الاعتبار الى الرؤية الكولنيالية للصراع، والتصرف بناء على ذلك.
رابعًا، واضح بان نص القانون بني لكي يمنع أو يحرم "الفلسطينيين في اسرائيل" من اية حقوق جماعية، وحق تقرير المصير كما ورد في التصور المستقبلي ، وان فكرة القانون الحالي هو الرد الاسرائيلي الرسمي على التصور المستقبلي الذي تبنى تصورا ديمقراطيا ومرنا لحق تقرير المصير في دولة مشتركة. واتى الرد، كما هو متوقع، فاشيا، عنيفًا ومتنكرًا للأخر الفلسطيني، حتى من المواطنين الاسرائيليين. وهنا أتمنى أن تقوم لجنة المتابعة بإعادة نشر التصور المستقبلي او على الاقل الاشارة اليه في بياناتها ونشاطاتها، لأنه ببساطة الرد الجماعي الوطني والديمقراطي لمعاني تقرير المصير والحقوق الديمقراطية الاساسية للمواطنين في الدول التي تتشكل من أكثر من مجموعة قومية واحدة "الدول المتنوعة"، وخصوصًا عندما تكون الأقلية هي مجموعة الاصليين الذين عانوا من التهجير والمصادرة والتنكيل على مدى سنوات مضت.
خامسًا، اذا كان القانون يقصد "اهانة العربية" واهلها، والانقضاض على الحق في المساواة الفردية والجماعية، لنا ولهويتنا ولجماعتنا، فان افضل الردود هو نشر تصور متكامل لمشروع يهدف الى تعميق الهوية وتصور الجماعة لنفسها، وهذا صحيح لعموم الفلسطينيين، ويسعى لذلك في أطر مختلفة أشارك أنا شخصيًا في بعضها. لكننا اذا حصرنا النقاش الحالي في الفلسطينيين في اسرائيل فقط، فإننا بحاجة الى "رد وطني" حقيقي يتمثل في الاستعداد للتفكير في تنجيع عملنا الجماعي وجعله اكثر شمولية وديمقراطية. فمثلا، ان توسع المجلس العام للجنة المتابعة من 53 عضو، الى 530 عضوًا (مثلا)، وانتخاب المتابعة أو رئيسها على الأقل ب انتخابات مباشرة أو على الأقل من مجلس موسّع حقيقي يشرك قطاعات شعبنا بوزن عددي ونوعي ويجعل المتابعة موجودة في "كل زاوية". وبالإضافة فان اقامة "صندوق وطني" وبناء مشروع عمل وطني لقضايا التعليم والعنف، والفقر، والتمييز... الخ، كلها يجب أن تكون على جدول أعمالنا فورًا... والأفكار وامكانيات التنفيذ قائمة، اذا ارادت قياداتنا أن تتصرف كقيادة شعب، وليس مجموعة قومية ضعيفة تعيش على هامش الدولة اليهودية وقوانينها.