كتب د. رباح حلبي في صحيفة هآرتس، حول قانون القومية:
في كتاب لي عن الدروز في إسرائيل بعنوان «مواطنون متساوون في الواجبات» الذي نشرته في 2006م، كتبت: «منذ أن وعيت شعرت بعدم الراحة من العلاقة بين الدروز واليهود. في مرحلة مبكرة جدًا أدركت أن الصفقة التي تمت بين الطرفين غير سليمة، ولا أريد القول إنها ممكنة. أدركت أن القوة الصهيونية ـ اليهودية المهيمنة والقوية خدعتنا نحن الدروز الذين لا حول لنا ولا قوة. إن هذه الصفقة هي في صالح المشروع الصهيوني والدولة اليهودية.. هذه الصفقة من شأنها أن تتكشف في المستقبل كأنها صفقة غير جديرة حتى للدولة اليهودية. لأنها تقوم بإقصاء الدروز من داخلها، بالضبط مثل باقي العرب في إسرائيل».
«قادة اليشوف اليهودي زرعوا في الدروز الوهم بأنهم شركاء وأخوة في السلاح. عمليا، الدولة سلبت الأراضي من الدروز وهي تصعب عليهم البناء في الأراضي التي بقيت، وتغلق الباب أمامهم في كل ما يتعلق بالعمل في الشركات الحكومية، ولا تستثمر في البنى التحتية وفي أماكن العمل في القرى نفسها… وكما رأينا من البحث، الشباب الدروز يشعرون بأنهم مغدورون من هذا، وربما سيأتي يوم تترجم فيه خيبة أملهم وإحباطهم إلى انتفاضة درزية لا يستطيع أحد توقع نتائجها».
يبدو لي أن كل ما توقعته يتحقق الآن في العاصفة التي ثارت في أعقاب قانون القومية، ليس لأنني أقرأ الطالع، بل لأن الظرف كان يجب أن يؤدي إلى الطريق المسدود الحالي. هذا القانون لم يفاجئني مطلقًا لأنه يشكل صورة دقيقة للممارسة المتبعة في إسرائيل ضدنا نحن الدروز، وتجاه باقي العرب في الدولة. من هذه الناحية فإن وضع الأمور في إطار قانوني لا يضر بنا، لأنه لا يغير بذلك واقع حياتنا. بل على عكس ذلك، فالقانون جيد بالنسبة لنا وسيئ للدولة. هو جيد بالنسبة لنا لأنه يقنن الواقع المميز وحتى العنصري، ويضعه في قانون أساس. وبهذا فإننا لم نعد مضطرين إلى إثبات ادعاءاتنا بشأن التمييز الممأسس. وهو سيئ للدولة لأنه يشوه سمعتها في أوساط أمم العالم المتنور.
القانون جيد للدروز لأنه وضع حدًا للوهم بشأن شراكة المصير، «حلف الدم» و«حلف الحياة» وباقي الكليشيهات الفارغة. هو جيد لنا لأنه يعدّ صفعة مدوية لكل من كانوا غارقين في وهم الإسرائيلية والمواطنة المتساوية والكاملة، صفعة يمكنها أن تتسبب باعترافهم بالواقع كما هو. شهدنا مؤخرا غضبا وإحباطًا لم نعرف مثله في أوساط أبناء الطائفة، وهذا الغضب والإحباط كبيران، وبشكل خاص في أوساط من آمنوا بكل قوتهم بالإسرائيلية المتساوية والقادرة على الاستيعاب.
هكذا سمعت صرخة عالية من ضباط كبار ومن أعضاء أحزاب وموظفين مقربين من موائد إسرائيل المتخيلة. هؤلاء يشعرون بأنهم مخدوعون وأنهم تضرروا كثيرًا. ولكن حسب معرفتي البسيطة فإنه يجب عليهم توجيه غضبهم إلى أنفسهم؛ لأنهم رفضوا رؤية الواقع كما هو وفضلوا العيش بوعي كاذب رغم أن العنوان كان مكتوبًا على الحائط.
مدهشون على نحو ما أولئك الذين يرفضون رؤية الحقيقة حتى بعد أن تم سنها في تاريخ الكنيست وكتبت في صفحات التاريخ. عدد منهم يتوجهون لمحكمة العدل العليا، والبعض يصرخون ويبكون من فوق كل منصة، يصرخون ويتوسلون من أجل قبولهم في الإسرائيلية الموهومة التي لم تكن من البداية.
إذا كان هناك شك لدى أي شخص، فإن القانون لن يتم تغييره، والبكاء سيرد عليه على الأكثر بتربيتة ضعيفة على الكتف، لكن هذا لن يكون نهاية المطاف، فالأزمات الكبيرة بين أبناء الطائفة والدولة كما يبدو ما زالت أمامنا.
في نهاية المطاف، يدور الحديث هنا عن معضلة، لا يجب على الدروز البحث عن حل لها، بل إن هذا الواجب ملقى على الدولة: كيف تحدد هويتهم، وما هي علاقتها بالعرب داخلها؟ قادة الدولة راوغوا على مدى السنين وناوروا بين اليهودية والديمقراطية. القانون وضع حدًا لهذه المراوغة وقرر أن اليهودية تسبق الديمقراطية.
القانون مميز وحتى عنصري، لكنه على الأقل واضح وصادق، ولا يحاول تربيع الدائرة كما يحاول الليبرالييون القيام بذلك، الذين يدعون أن الدولة يمكنها أن تكون هذا وذاك.