بقلم الإعلامي: أحمد العدنان محاميد
في الساعة السابعة والنصف من يوم 9 أبريل 2019 صباحا كنت أقف أمام صندوق الإقتراع في حيفا لإدلي بصوتي. وفي الساعة الثامنة والنصف وصلت إلى المطار. بعد أن قمت بتأجيل سفريتي من ليلة أمس، فقط كي لا أحاسب نفسي في حال أن صوتي المفقود كان سيحول دون سقوط اليمين في اسرائيل الآيلة حتما إلى العنصرية. ولإيماني أن من لا يحمل البندقية ليحارب لا بل ويقوم بدفع الضرائب في دولة ما فإنه لا تبرير فكري أو فلسفي لديه لمقاطعة الإنتخابات. وجهة نظري تقول أن مقاطعة الانتخابات اذا اعتبرناها مرحلة من مراحل تبدأ بتدريج منطقي ما، فمن المفترض أن تكون الثانية بعد خطوة مقاطعة دفع الضرائب. ولأننا، كأصحاب وطن، تحولوا إلى أقلية في وطنهم، قد اتخدنا قرارا غير مكتوب بعدم مقاطعة دولة إسرائيل بكوننا فعليا ندفع الضرائب لخزينتها. ولأنه برأيي أننا نبيض وجه "ديمقراطيتها" بدفعنا الضرائب أكثر مما نفعل حين نشارك في الإنتخابات، فإن خيار المقاطعة أصبح مرفوضا وبحاجة إلى توضيح فلسفي وسياسي أعمق للمتشبثين فيه، وبالمناسبة أكن لهم كل الإحترام على كونهم أصحاب أراء ومبادئ.
أما الآن وقد جاءت ساعة الحسم، وانكشف حجم الخلل الذي أحدثته المهزلة التي تمت فيها ادارة عملية تشكيل القوائم العربية وأثرها المباشر على كثافة المشاركة في العملية الإنتخابية فلا بد أن تقال كلمة حسم واضحة في الأمر. لكل رؤوساء الأحزاب واداراتها: الشعب غاضب جدا ومنتكس جدا ومنخذل جدا منكم ومن الإدارة الفاشلة للحلبة السياسية وللإسلوب المتراخي والأناني، غير الحضاري، غير الديمقراطي، غير المسؤول ، المتكبر والمتعالي وفوق كل ذلك أن عهد السياسية القديم التي توارثتها الأحزاب العربية قد ولّت إلى غير رجعة. نتائج الإنتخابات تشير إلى أنكم فقدتم بوصلة القيادة والرؤية القيادية وأصبحتم عبيدا لاستطلاعات الرأي وإرضاء الناس وتقديم خدمات "مخاتيرية" يمكن لأي شخص آخر خارج الكنيست أن يقوم بها، في كثير من الأحيان بشكل أفضل.
من لا يعرف كيف يحرك الجماهير فليتنحى عن صهوة الفرس
سيقول قائل! يا له من شعب جاهل! شعب يشارك بنسبة 90% في الانتخابات المحلية التي تعتبر أهميتها محدودة ويشارك بنسبة تصل بصعوبة إلى 50% في انتخابات برلمانية مصيرية. وأقول من يقول هذا فهو الجاهل الذي لا يعرف الشعب. ولا يعرف ماذا يحرك هذا الشعب ولا يعي كيفية تشغيل محركات التصويت في الانتخابات المحلية لصالح الانتخابات البرلمانية. ستلقون المسؤولية على الوعي المشوه للجماهير. وهذا تفسير بحجم الخطيئة لأن من لا يعرف كيف يحرك الجماهير فليتنحى عن صهوة الفرس وليفتح الساحة للجماهير أن تقرر بدون "طبخات" وبدون "مخاتير" ... أقول وبكل أسف أنه اذا كان شخص عضو الكنيست الذي تسببت عجرفته أكثر من أي شخص آخر في الوصول إلى هذا الحال يحمل من الجرأة والكرامة قدرا، فهذه هي ساعته للرحيل. على الأقل ليعطي هذا الشعب ولأول مرة فسحة من الأمل بأنه واع لمسؤوليته عما حدث.
هنالك الكثير لنتعلمه من هذا العقاب الشديد واوالصفعة المدوّية التي صفعتها هذه الجماهير لمن هم من المفترض ممثليهم. وهناك دروس كثيرة يجب أن يفهمها المتعاطون في السياسة من الإنتخابات المحلية. وهنالك دروس كثيرة على كل من تسوّل له نفسه الخوض في اللعبة السياسية أن يتعلمها. وأهمها: أن تكونوا قادة للجماهير لا تعني أن ترددوا كالببغاوات ما يريدون أن يسمعوه وليس أن تبحثوا عن أوسع قاسم مشترك إعلاميا فالقائد الحقيقي هو الذي يعرف كيف يفتح الأفق للجماهير وهو صاحب الإحساس المؤسس على الفلسفة والحنكة في رؤية شكل المستقبل وقيادة الجماهير نحوه. وهو الذي يعرف كيف يصغي للناس ولهمومهم دون أن ينجرف خلف الشعبوية الساقطة. لقد أفرزت نتائج الأنتخابات حقائق دامغة عن قوة كل واحدة من القوى السياسية الفاعلة في المجتمع الفلسطيني في اسرائيل. ودمغت بوضوع الكذبة التي لوّح بها عضو الكنيست الذي تسبب أكثر من أي شخص آخر وبسبب تعنته وكبرياءه وجنون العظمة الذي اصابه في تشتت الوحدة والقائمة المشتركة. وللقارئ الحق في تحديد هوية هذا العضو فهو أشهر من نار على علم.
هنالك حاجة ماسة لخلق رؤية جديدة لمواجهة الواقع السياسي الذي نعيشه كفلسطينين في دولة اسرائيل
بالإضافة لذلك هنالك حاجة ماسة لخلق رؤية جديدة لمواجهة الواقع السياسي الذي نعيشه كفلسطينين في دولة اسرائيل وخلع عباءة الشعارات القديمة التي أطلقها الساسة السابقون وبقي يرددها اللاحقون لأنهم بلا أفق، ولأنهم جاؤوا ليكملوا مسيرة "الكراسي"، بكل الأسف. علينا أن نقف بموازاة الإستراتيجية الإسرائيلية المتمازجة مع المصالح الأمريكية والتي تكرس أفضل الأدمغة في صياغتها، وعلينا أن ننمي فلسفتنا السياسية نوعيا لتتفاعل مع الواقع السياسي الحقيقي الذي نعيشة في العام 2019 وليس في زمن الحكم العسكري. علينا أن نستوعب حجم التأثير الكبير الحاصل على الجيل الشاب ورؤيته وطموحاته ورغباته في الاندماج المدني وموازاة الجيل الشاب في مناطق أخرى في العالم، علينا أن نستوعب التدفق الهائل لمفاهيم عالمية إلى مجتمعنا وإلى شبابنا في زمن التكنولوجيا، وعلينا قبل كل شيء أن نتعامل مع السياسية عموما بمهنية أكبر بكثير من مجرد تحليلات صحافية وأن نعمل على ترقية تجربتنا الديمقراطية.
اليوم سقط جدا برلين – لفلسطينيي 48. اليوم علينا أن نتعلم أن نصغي وأن نصغي لنتعلم. اليوم على كل قادة الإحزاب بلا استثناء أن يعلنوا وبكل جرأة عن اعادة النظر كليا في كل المفاهيم. على بعضهم أن يسلم المفاتيح لغيرهم. ولو من أجل رسالة حب لهذا الشعب مفادها: لم نصغ لكم حتى الآن ولكننا ها نحن نعلنها منذ اليوم سوف نصغي ولكم وسوف نكون جزءا منكم حتى تعودوا لتكونوا جزءا منا بل أن تكونوا قادة المستقبل في المكان الذي فشلنا فيه لنرسم أفقا لمستقبل آمن في وطننا الوحيد.