نشأت فكرة العيش في مجموعاتٍ قائمةٍ على التفاهم والتبادل في المعاملات في عملية التطور المصاحبة للزمن وفي مراحل معينة من التاريخ البشري. ومن هذه المجموعات الصغيرة تشكلت المجتمعات التي تطورت بدورها لتتشكل ما يعرف بالحضارات.
سنتحدث عن بعضٍ من أقدم الحضارات التي تواجدت في العالم، سنذكرها من أحدثها إلى أقدمها.
1- حضارة الإنكا-The Incas Civilization”
كانت الإنكا أكبر إمبراطوريةٍ قامت في أمريكا الشمالية في العصر ما قبل الكولومبي (قبل الزحف الأوروبي للأمريكتين).
ازدهرت هذه الحضارة بشكلٍ واسع منذ بداياتها؛ حيث شملت مناطق واسعةً منها: الإكوادور والبيرو وتشيلي حاليًا، وقد كان مركزها الإداري والعسكري والسياسي في “كوسكو-Cusco” التي تقع في البيرو.
سُمي ملك الإنكا بـ”سابا إنكا” والذي يعني ابن الشمس وذلك نسبةً إلى آلهتهم التي اتبعوها؛ والتي عرفت بـ “إنتي-Inti” أي إله الشمس.
“باتشوكي-Pachacuti” وهو أول إمبراطور في حضارة “الإنكا” والذي قام بتحويلها من قريةٍ متواضعةٍ إلى مدينةٍ عظيمةٍ على شكل فهد.
2- “حضارة الأزتك-The Aztecs Civilization”
على غرار حضارة “الإنكا” نشأت حضارة “الأزتك” في نفس الفترة التاريخية، فكانتا الدولتين الأقوى في أمريكا الجنوبية وكانتا متحاربتين بطبيعة الحال.
في الفترة ما بين العام 1200م وحتى أوائل عام 1300م وُجدت ثلاث مدن متنافسة؛ “تينوختيتلان-Tenochtitlan” و”تيكسكوكو-Texcoco” و”تلاكوبان-Tlacopan” والتي تشكل المكسيك اليوم. في سنة 1325م تقريبًا، خلقت هذه المدن المتنافسة تحالفًا فيما بينها مما أدى إلى ظهور دولة جديدة تحت حكم وادي المكسيك.
في ذلك الوقت فضل الناس اسم “المكسيك” على اسم “الأزتك”. والجدير بالذكر أن دولة “الأزتك” ازدهرت في غضون قرنٍ بعد سقوط حضارةٍ مؤثرةٍ أخرى في المكسيك وأمريكا الوسطى ألا وهي حضارة شعب المايا.
كانت دولة “تينوختيتلان-Tenochtitlan” هي القوة العسكرية التي عملت على غزو وضم مناطق جديدة للدولة. لم يعمل إمبراطور “الأزتك” على حكم كل المدن التي يتم غزوها بشكل مباشر بل جعل لكل منطقةٍ حكمها الخاص وذلك في مقابل أن يدفعوا مبالغ للتحالف الثلاثي “Triple Alliance” آنذاك.
3- “ الحضارة الرومانيةThe Roman Civilization”
ظهرت الحضارة اليونانية في القرن السادس عشر قبل الميلاد على الرغم من أن قصة تأسيسها لا تتعدى كونها أسطورة. حكمت الدولة اليونانية في أوج قوتها رقعةً واسعةً جدًا من الأرض في ذلك الوقت حيث امتدت على طول البحر المتوسط. كانت روما في بدايتها تُحكم من قِبل الملوك، وبعد تعاقب سبعة ملوكٍ عليها أسقط الرومانيون الحكم الملكي وحكموا أنفسهم بأنفسهم. حيث تولت السلطة ما يعرف بمجلس الشيوخ الذي أقر القوانين فيها، وهنا كانت بداية الجمهورية الرومانية، وكما هو معروف فإن روما شهدت صعود وسقوط بعضٍ من أعظم الأباطرةٍ على مرِّ التاريخ منهم “يوليوس القيصر-Julius Caesar” و”تراجان-Trajan” و”أغسطس-Augustus”. وفي النهاية أصبحت الإمبراطورية الرومانية واسعةً جدًا لدرجةٍ أصبح من غير الممكن جمعها تحت قيادةٍ واحدةٍ وفي نهاية المطاف تم غزوها من قبل الملايين من البربر من شمال وشرق أوروبا.
4- “الحضارة الفارسية-The Persian civilization”
كانت الدولة الفارسية في أحد الأيام من أعظم الدول على وجه الأرض، فعلى مدار مئتي عامٍ فقط غزا الفرس أراضٍ تزيد عن مليوني متر مربع من الأجزاء الجنوبية من مصر إلى أجزاء من اليونان، ثم شرقًا إلى أجزاء من الهند.
وقد عُرفت الإمبراطورية الفارسية بقوتها العسكرية وحِكمة قادتها. وقبل أن تفكر حتى كيف أنها بنت إمبراطوريةً واسعةً كهذه بمدةٍ لا تزيد عن مائتي عام فقط إليك هذا؛ ففي سنة 550 قبل الميلاد كانت العادة أن يتم تقسيم “الفرس-Persian” أو “برسيس-Persis” كما كان يطلق عليهم آنذاك بين عدد من القادة، بعدها جاء الملك “كورش الثاني-Cyrus II” والذي وحد كامل المملكة الفارسية وغزا بابل القديمة. وبدأ زحفًا واسعًا وسريعًا جدًا حيث بحلول عام 533 قبل الميلاد فقط كان قد غزا الهند. وحتى بعد موت “كورش” تابعت سلالته توسعها بلا رحمة. حكمت بلاد فارس القديمة في جميع أنحاء آسيا الوسطى ومناطق واسعةً من أوروبا ومصر، لكن كل ذلك تغير عندما قدم “الاسكندر المقدوني” أو “الاسكندر الأكبر-Alexander the great” وأخضع الدولة الفارسية وقد انتهت الحضارة الفارسية فعليًا في عام 530 قبل الميلاد.
5- ”الحضارة اليونانية القديمة-Ancient Greek Civilization”
ربما ليست من أقدم الحضارات لكنها وبلا شك من أكثر الحضارات تأثيرًا في التاريخ البشري، على الرغم من أن اليونان جاءت من الحضارة الكليدية والمينونسية (وهما حضارتان نشأتا في العصر البرونزي) (2700 ق.م – 1500 ق.م) إلا أنه قد وُجدت أدلةٌ مدفونةٌ في كهف في اليونان يعود تاريخها إلى 7250 ق.م على وجودها في ذلك الوقت، التاريخ اليوناني يمتد لفترة طويلة جدًا مما اضطر المؤرخين لتقسيمه إلى عدة فترات، أهمها العصر القديم والعصر الكلاسيكي والعصر الهيليني .
في تلك الفترات لمع عدد من اليونانيين القدماء الذين أحدثوا في هذا العالم تغيراتٍ جذريةٍ لا يزال الكثيرُ منها موجود حتى الآن، حيث اخترع اليونان الألعاب الأولمبية القديمة، وهم أول من أخرج مفهوم الديمقراطية إلى الضوء، كذلك ما يعرف بمجلس الشيوخ، كما قاموا بإنشاء قواعد الهندسة الحديثة وعلم الأحياء والفيزياء وغيرها. فيثاغورس وارخميدس وأفلاطون وسقراط وإقليدس وأرسطو والاسكندر الأكبر…هي أسماءٌ لعظماءَ امتلأت كُتُب التاريخ بإنجازاتهم وتأثيرهم الكبير في الحضارات اللاحقة.
6- “ حضارة الصين القديمة- Chinese Civilization”
والتي كانت تعرف كذلك باسم “هان الصينية-Han” وهي في المرتبة الخامسة، ومما لا شك فيه أنها واحدة من أكثر الحضارات تنوعًا على الإطلاق. وإذا أردنا أن نتكلم عن جميع السلالات التي حكمت الصين فإن هذه الفقرة لن تكون كافيةً لأننا سنحتاج إلى مقالٍ منفصلٍ للحديث عنها.
يُزعم أن حضارة النهر الأصفر هي الموطن الأصلي للحضارة الصينية، في عام 2700 قبل الميلاد بدأ الإمبراطور الأصفر الأسطوري حكمه، وفي نقطة معينة بعدها بدأت السلالات بالحكم واستمرت على هذا الحال فترةً من الزمن.
في عام 2070 قبل الميلاد أصبحت الأسرة الحاكمة التي تدعى “أسرة شيا-the Xia dynasty” أول أسرة ملكية تحكم الصين كاملةً، وذلك حسب السجلات التاريخية القديمة. تعاقبت بعدها السلالات التي حكمت الصين في فترات زمنية مختلفة حتى نهاية “سلالة كينغ-Qing dynasty”. في عام 1912م وبسبب ثورة شينهاي؛ انتهت أكثر من أربعة آلاف سنة من الحضارة الصينية القديمة التي دائمًا ما كانت تُبهر المؤرخين والعامة على حد سواء بعراقتها، لن يكون من العدل أن لا نذكر بعضًا من أهم الاختراعات التي قدمتها لنا هذه الحضارة مثل البارود والورق والطباعة والبوصلة، والكحول، والمدافع وغيرها الكثير.
7- “حضارة المايا-Mayan Civilization”
ازدهرت حضارة “المايا” القديمة في أمريكا الوسطى منذ حوالي ألفين وستمئة سنة قبل الميلاد وقد أثارت الجدل مؤخرًا بسبب التقويم الذي اخترعوه.
تأسست هذه الحضارة وازدهرت بسرعة شديدة ووصل عدد سكانها إلى تسعة عشر مليون نسمة في ذروتها وذلك في سنة 700 قبل الميلاد وكانوا قد اخترعوا طريقةً للكتابة ساعدتهم على تدوين التقويمات الشمسية الخاصة بهم نحتًا على الأحجار.
ووفقًا لهذه التقويمات فقد خُلق الكون في 11 أغسطس من عام 3114 قبل الميلاد وهي النقطة التي يبدأ عندها التقويم الخاص بهم، وكانت النهاية المفترضة كما توقعوا 21 ديسمبر 2012م.
“المايا” القديمة تعد من أكثر الحضارات ثقافةً، حتى أنها تعد أكثر ثقافةً من العديد من الحضارات المعاصرة. بنت حضارة “المايا” وحضارة “الأزتك” العديد من الأهرامات، منها ما هو أكبر بكثير من الأهرامات الموجودة في مصر.
لكن هذه الحضارة قد انهارت انهيارًا مفاجئًا في فترة معينة خلال القرن الثامن أو التاسع وهذا يعد من أكبر الأسرار التي تثير علماء التاريخ على الرغم من أن شعب “المايا” لم يختفِ تمام فلا يزال هناك العديد من أحفاد هذه الحضارة يعيشون في جميع أنحاء أمريكا الوسطى.
8- “ الحضارة المصرية القديمة-Ancient Egyptian civilization”
الحضارة الغنية عن التعريف، واحدةٌ من أقدم الحضارات وأكثرها تطورًا على الإطلاق وأغناها بلا شك، المصريون القدماء عُرفوا بثقافتهم الجمة، وبالتأكيد فالأهرامات وأبو الهول يقفون شامخين على ضفاف نهر النيل خير دليل على ذلك، الحضارة تكتلت سنة 3150 قبل الميلاد (وفقا للجدول الزمني المصري التقليدي) حيث توحدت مصر بشقيها العلوي والسفلي تحت حكم الفرعون الأول وهذا بالطبع هذا لم يكن ممكنًا ما لم يكن هناك مستوطنين في وقت مبكر في وادي النيل منذ أوائل سنة 3500 قبل الميلاد تقريبًا. التاريخ المصري القديم مقسم إلى سلسلة من الممالك المستقرة تتوسطها بعض الفترات غير المستقرة نسبيًا سميت بالفترات الانتقالية، المملكة القديمة في أوائل العصر البرونزي، والمملكة المتوسطة في العصر البرونزي الأوسط، والمملكة الحديثة في العصر البرونزي الأخير.
قدمت لنا حضارة مصر القديمة الأهرامات التي ما تزال واقفةً إلى اليوم. والمومياوات التي تحافظ على الفراعنة حتى الآن. وأول تأريخ شمسي، والهيروغليفية، وغيرها الكثير. وصلت مصر القديمة إلى ذروتها في عصر الدولة الحديثة حيث حكم فراعنة أمثال رمسيس الأكبر فقام بضم النوبيون تحت الحكم الفرعوني .
9- “ حضارة وادي السند-Indus Valley Civilization”
واحدة من أقدم الحضارات على هذه القائمة. ازدهرت هذه الحضارة في المناطق الممتدة من شمال شرق أفغانستان إلى باكستان وشمال غرب الهند. جنبًا إلى جنب مع حضارة مصر القديمة وحضارة ما بين النهرين، وهي واحدة من أقدم وأوسع الحضارات التي وجدت في العصر القديم، غطت مساحةً قدرها 1.25 مليون كيلو متر مكعب، استقرت شعوب بأكملها في جميع أنحاء أحواض نهر السند الذي يعد أحد الأنهار الأساسية في آسيا وأحد الأنهار المهمة آنذاك سمي “Ghaggar-Hakra” والذي استعمل للعبور بين شمال شرق الهند وشرق باكستان. ومن الحضارات المعروفة التي نشأت هناك حضارة “موهينجو دارو-Mohenjo-Daro civilization” وحضارة “هارابا-Harappan civilization” والتي سميت حسب مواقع الحفر حيث وجدت آثار هاتان الحضارتان.
يقال أن مرحلة الذروة لهذه الحضارة قد استمرت من عام 2600 قبل الميلاد إلى 1900 قبل الميلاد. تطورها الثقافي والحضاري كذلك التكنولوجي جعلها مركز الحضارة الأولى في المنطقة حيث أحرز شعب هذه الحضارة تقدمًا واسعًا حيث حسبوا الوقت والطول والكتلة بدقةٍ عاليةٍ جدًا، وبناءًا على القطع الأثرية التي وُجدت أثناء الحفريات فقد بدا واضحًا أن الثقافة غنية لحد ما بالفنون والحرف اليدوية.
10- “ حضارة ما بين النهرين- Mesopotamian Civilization”
غالبًا هذه هي أقدم حضارةٍ وجدت على سطح الأرض على الإطلاق. حيث يعود تاريخ هذه الحضارة إلى زمن سحيق في التاريخ البشري وإلى هذه الساعة التي أكتب فيها هذا المقال لم يتم اكتشاف أي حضارة أقدم منها.
الجدول الزمني لحضارة ما بين النهرين يحفظ عادة أنه حوالي بين 3300 قبل الميلاد إلى 750 قبل الميلاد وقيل أن بلاد ما بين النهرين هي مهد الحضارات المتقدمة حيث بدأت وتبلورت هناك. في سنة 8000 قبل الميلاد اكتشف الإنسان الزراعة وبعدها بدأ بتدجين الحيوانات للحصول على الطعام والمساعدة في الزراعة، ويذكر أـن الفن كان قد اخُترع قبل هذا كله ولكنه لا يعد من الحضارة الإنسانية بل من الثقافة الإنسانية، على كل حال اجتمعت جميع هذه العناصر معًا في تألق في أروع ما يكون من مزيج لتشكل لنا أول حضارة عرفها الإنسان وأكثرها تطورًا والتي ازدهرت في مناطق التي تعرف اليوم في العراق ببابل وسومر وغيرها.