"تسكتوش" الصمت على العنف- بوجع
كيف تبدلت المفاهيم؟ كيف تحوّل الحب والمشاركة والأمان الذي طالما ارتبط بالعائلة والاسرة الى رعب وخوف عند العديد من العائلات، ولا سيما النساء والأطفال؟ كيف بتنا لا نبالي بصور القتلى التي نراها يومياً في نشرات الأخبار؟ كيف أصبحنا نعّد أرقام الضحايا متناسين بأن وراء كل رقم هنالك عائلة وحياة؟ أسئلة كثيرة والاجابات عليها بعيدة جداً.
أطلقت جمعية مبادرات ابراهيم مؤخراً حملتها الثانية حول موضوع العنف ضد النساء، وتأتي هذه الحملة بعنوان "تسكتوش، الصمت على الجريمة بوجع"، وذلك في محاولة لتسليط الضوء على المسؤولية الجماعية لمكافحة ظاهرة العنف ضد النساء. تتوجه الحملة للمجتمع العربي لأخذ دوره في مكافحة العنف ضد النساء بعدم السكوت عن الجرائم بحق النساء. ذلك المجتمع المرتبط ارتباطاً كلياً العائلة والحمولة، الى أن تأتي رصاصة وتبعد كل ما عرفناه.
اذا فكرنا قليلاً بحالات القتل، والتي تُعد من أقصى درجات العنف والجريمة، نجد أنها تبدأ بالعنف الكلامي وتحميل الضحية فوق طاقتها من خلال كلمات ممكن أن نتفوه بها مثل "اسكتي وتحملي عشان اولادك" أو "اسكتي انت لست الوحيده التي تمر بذلك" أو "انت التي اخترتيه كوني مسؤولة عن اختيارك" والعديد العديد من التفوهات الأخرى المحبطة، والتي من شأنها ترك الضحية تعاني وحدها بدون أن يكون لنا دور كمجتمع في منع الجريمة القادمة.
نعم، مجتمعنا قادر على منع الجريمة القادمة. ونعم، يستطيع مجتمعنا بناء جيل قادر على رفع صوته ضد العنف ضد النساء. وهذا ممكن أن يحدث اذا ما تذكرنا دوماً أن لكل ضحية كان هناك حياة وأحلام وأطفال وأن ضحايا قتل النساء هن لسن مجرد أسم ورقم يضاف الى قائمة ضحايا العنف.
لا يمكن السكوت أكثر وعلينا تقع المسؤولية لتعزيز الصوت المناهض والداعم للنساء المعنفات، ظاهرة العنف بشكل عام في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة آخذ بالازدياد. في حالات العنف العام نرى المجتمع يعارض ولا يتقبل ويمتعض على احداث العنف، لكن في المقابل فإذا كان العنف متعلقا بالعنف داخل العائلة، نجد أن رد الفعل يتميز بالصمت وحتى التستر عليه بحجة عدم التدخل في شؤون العائلة وأن هذا أمر غير أخلاقي.
وهنا يطرح التساؤل، هل قيمة العائلة واحترام خصوصيتها أسمى من قيمة حياة الإنسان؟
الصمت على العنف الاسري تجاه الأطفال والنساء، هو ما يحركنا لطرح القضية على أجند عمل الاعلام من خلال الحملات والنشاطات التي نقوم بها لمطالبة المسؤولين والمجتمع بأخذ دورهم تجاه معالجة أخطر أنواع العنف. بالإضافة لتداعيات العنف وتأثيره على تبني لغة العنف واستعمالها خارج حدود الأسرة، فقد أثبتت دراسات عدة أن الطفل المشاهد للعنف تجاه أمه والشاب الناشئ في بيئة عنيفة يتبنى لغة العنف أكثر من الطفل الذي يتعرض بنفسه للعنف. ومع ازدياد ظاهرة العنف فان تداعياتها تهدد بالتالي كيان مجتمعنا بأسره.
أتى الوقت لنمنع الجريمة المقبلة ومن هنا نتوجه لا تصمتوا على العنف فالصمت على العنف موجع.
الكاتبات: روت لفين حين وعلا نجمي-يوسف – مديرات شريكات لمشروع "مجتمع آمن" في مبادرات إبراهيم.