كرة القدم… أكثر من مجرد لعبة

shutterstock

shutterstock

لا أفهم حقًا كيف يجرؤ البعض على القول إن القميص مجرّد زي رياضي، أو إن الشعار ليس أكثر من رسم على صدر اللاعب. بالنسبة لي، ولكثيرين غيري، القميص هو راية، والشعار هو قسم. هما رمزان لانتماء لا يتغير، وعقيدة تتجاوز حدود الملعب لتصل إلى وجدان الإنسان.


في زمن طغى فيه المال على كل شيء في كرة القدم، أصبحت بعض القمصان تُصمَّم لتُباع، لا لتُعاش.

تغيّر القميص ثلاث مرات في الموسم، وتُحشر عليه أسماء الشركات أكثر من أسماء اللاعبين. لكن الحقيقة الثابتة، هي أن الجماهير لا تشترِي القميص لتتبع الموضة، بل لتعلن ولاءها. لا تُقبّل الشعار لأنه أنيق، بل لأنه مقدّس.


لا حياد في القميص


أؤمن أن القميص ليس حياديًا. إنه يحمل موقفًا، تاريخًا، وذاكرة. حين ترى جماهير نابولي تُغني لمارادونا وتُعلّق صوره إلى اليوم، فذلك لأن القميص الأزرق ارتبط بلحظة خلاص، بلحظة كرامة لمدينة مهمّشة. حين ترى طفلًا في غزّة يرتدي قميص برشلونة أو ريال مدريد، فأنت لا ترى ترفًا، بل محاولة للإحساس بالانتماء لعالم لا يحضنه.


shutterstock


وفي كل مرّة أسمع فيها عن لاعب "خان القميص"، أو انتقل إلى الغريم الأبدي دون أن يرمش له جفن، أشعر أن جزءًا من الحكاية يموت. صحيح أن الانتقالات جزء من اللعبة، وأن الاحتراف له قوانينه، لكن هناك خيطًا رفيعًا بين الطموح والخيانة. جماهير أرسنال لم تسامح فان بيرسي، وجماهير برشلونة رغم حبها الكبير لميسي، انقسمت حين رحل إلى باريس. لأن القميص – بكل بساطة – ليس وظيفة، بل حياة.



قصة انتماء


لِمَ نحزن حين يخسر فريقنا؟ ولِمَ نفرح وكأننا فزنا نحن حين يسجّل هدفًا؟ الجواب بسيط: لأننا نرى في القميص امتدادًا لأنفسنا. لأن القميص لا يمثل اللاعبين فقط، بل يمثلنا. هو يحكي عن هويتنا، عن طفولتنا، عن أيام الأحد بعد الظهر حين كنا ننتظر صافرة البداية كأنها حدث مقدّس.


هل نبالغ في ذلك؟ ربما. لكن هذه هي كرة القدم. هذا هو جوهرها الحقيقي، الذي لا تشتريه الأموال، ولا تصمّمه الشركات. حين يسجّل لاعب هدفًا في الدقيقة 90 ويعدو نحو الجماهير ليقبّل الشعار، هو لا يستعرض. هو يعلن ولاءه. وربما، للحظة قصيرة، يشعر أن كل هذا الجنون له معنى.


أتذكّر هدف سعيد العويران في كأس العالم 1994، لم يكن مجرد لحظة فنية. كان اندفاع القميص الأخضر في وجه العالم. أتذكّر دموع توتي حين ودّع قميص روما، وشعرت وكأن مدينة كاملة تبكي معه. في تلك اللحظات، تدرك أن القميص ليس قماشًا، بل قصة.


shutterstock


ليست مجرد لعبة.. هي عبادة الشعار والقميص


لقد فُقد الكثير من قدسية كرة القدم، هذا صحيح. تكنولوجيا، تحكيم آلي، إعلانات بلا حدود، ولاعبون يتحوّلون إلى مؤثرين على إنستغرام أكثر مما هم على أرض الملعب. لكن كل ذلك يظل سطحًا. العمق ما زال موجودًا… في قلوب من لا زالوا يقدّسون القميص، ويؤمنون أن الشعار ليس مجرد علامة تجارية، بل إيمان.


أكتب هذه الكلمات وأنا أعلم أن كثيرين سيبتسمون ويقولون: "الأيام تغيّرت". نعم، تغيّرت. لكن هناك أشياء لا تتغير. مثل صورة لاعب يرفع قميص فريقه عاليًا بعد الفوز. مثل صوت الجماهير وهي تهتف باسم الفريق لا اللاعب. مثل أب يُلبس ابنه قميص النادي نفسه، ليبدأ سطرًا جديدًا في قصة لا تنتهي.


لهذا، لن أتوقف يومًا عن الإيمان بأن كرة القدم ليست مجرّد لعبة… بل عبادة. عبادة الشعار والقميص.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول