لطالما كانت كرة القدم حلمًا مشتركًا بين الشعوب، وكانت مكانة اللاعب العربي داخل هذا الحلم محدودة ومحاطة بالشكوك. فقد ظل لسنوات طويلة يُنظر إليه في أوروبا كلاعب ثانوي، موهوب أحيانًا، لكنه غير ناضج بدرجة كافية، وغير قادر على التأقلم مع ضغط المنافسات الكبرى أو التحديات الاحترافية.
وأخيرًا.. محمد صلاح!
كان من النادر أن تجد لاعبًا عربيًا يتصدر المشهد في نادٍ أوروبي كبير، أو يُمنح مفاتيح القيادة الفنية داخل منظومة كروية عالمية. إلا أن هذا التصوّر شهد تحولًا جذريًا مع بروز اسم محمد صلاح، النجم المصري الذي أتى من قرية صغيرة في دلتا النيل ليُغيّر نظرة العالم بأسره تجاه اللاعب العربي.
محمد صلاح لم يكن مجرد مهاجم يسجل الأهداف، بل كان حاملًا لفكر جديد في الاحتراف. فنجاحه لم يستند فقط إلى موهبته، بل إلى انضباطه الشديد، ووعيه الرياضي، وقدرته على تطوير نفسه موسمًا بعد موسم. حين انتقل إلى ليفربول، لم يكن اسمًا عالميًا بعد، لكنه في وقتٍ قياسي صار واحدًا من أبرز نجوم الكرة في العالم، ليس فقط من حيث الأداء، بل من حيث التأثير. نجوميته لم تكن عابرة، بل كانت تحوّلًا حقيقيًا في مسار اللاعب العربي، الذي بات يُنظر إليه اليوم كشريك حقيقي في أكبر المشاريع الكروية، لا كمجرد مكمل أو لاعب جماهيري.
shutterstock
صلاح يفتح الطريق أمام آخرين!
أسهم محمد صلاح في رفع سقف الثقة باللاعب العربي، سواء داخل أوروبا أو حتى في الوطن العربي نفسه. فبعد أن كانت الأندية الكبرى تتردد في منح اللاعبين العرب فرصة حقيقية، باتت اليوم تتنافس على ضمّهم. ورأينا بوضوح كيف تصاعد حضور نجوم عرب آخرين في أوروبا بعد صلاح، مثل رياض محرز، أشرف حكيمي، حكيم زياش، سفيان أمرابط وغيرهم، وكلّهم استفادوا من التحوّل الذي فرضه صلاح من حيث ثقة السوق الأوروبية في الطاقات العربية. لقد غيّر هذا اللاعب المعادلة الذهنية: اللاعب العربي لم يعد رهانا غير مضمون، بل أصبح نموذجًا للانضباط والاحتراف والمهنية.
عرب أكثر، إسلاموفوبيا أقل…
ولعل من أبرز ما يميز صلاح، إلى جانب موهبته الكروية، قدرته على الاندماج في بيئة مختلفة دينيًا وثقافيًا دون أن يتنازل عن هويته. فقد حافظ على التزامه الديني داخل مجتمع غربي، وأدى صلواته وسجداته في الملاعب، ورفض المشاركة في الإعلانات التي تتعارض مع معتقداته مثل إعلانات الكحول. هذا الحضور المتزن جعله موضع احترام واسع من قبل الجماهير والإعلام، بل وأدى إلى تغيير نظرة الكثيرين للإسلام من خلاله.
shutterstock
إحدى الدراسات التي أُجريت في جامعة ستانفورد أظهرت انخفاضًا في مشاعر الإسلاموفوبيا في مدينة ليفربول بعد انضمام صلاح إلى النادي، وهو ما يبرز كيف يمكن لنموذج فردي متزن أن يغيّر تصورات مجتمعية كاملة.
صلاح إذًا لم يغيّر فقط مكانة اللاعب العربي على أرضية الملعب، بل غيّر صورته في الوعي الغربي، وربما في الوعي العربي أيضًا. جعل الشاب العربي يؤمن أن الوصول إلى العالمية ليس حلمًا بعيدًا، بل واقعًا ممكنًا يتحقق بالاجتهاد، والانضباط، والثقة بالنفس، دون الحاجة إلى التخلي عن المبادئ أو التماهي مع الآخر. لقد أثبت أن اللاعب العربي قادر على أن يكون قائدًا ومصدرًا للإلهام، لا تابعًا أو مجرّد عنصر فني.
هل هي حقبة زمنية جديدة؟
ما فعله محمد صلاح لا يجب أن يُنظر إليه كظاهرة فردية، بل كبداية لحقبة جديدة في فهمنا لموقعنا في العالم الرياضي. لقد قدّم لنا درسًا عميقًا في أن الفكر الاحترافي، حين يقترن بالإيمان بالذات والالتزام، يمكنه أن يصنع المستحيل، ويغيّر النظرة العالمية المتوارثة تجاه اللاعب العربي من الهامش إلى الصدارة. نحن اليوم لا نحتفل بنجم فردي فقط، بل نحتفل بتحوّل كامل في الوعي والتمثيل العربي على الساحة العالمية، تحوّل بدأ من “نجريج”، لكنه وصل إلى كل الملاعب الكبرى في أوروبا.
ونقول في الختام: الفرعون محمد صلاح سجّل هدفًا في الوعي العالمي لا في الشباك فقط!