يشهد الجنوب السوري توترًا متصاعدًا في ظل تغيّرات ميدانية وسياسية معقّدة، بعدما ألمح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى بقاء إسرائيل في المواقع التي سيطرت عليها خلال الأشهر الماضية بذريعة الحفاظ على أمنها.
هذا التطور أعاد فتح ملف الخريطة الجديدة للنفوذ على الأرض، وإلى أي مدى ما زالت الاتفاقيات القديمة، خصوصًا اتفاق فكّ الاشتباك لعام 1974، قادرة على تفسير الواقع القائم بعد سقوط النظام السوري في كانون الثاني 2024 وما تبعه من تغيّر شامل في التوازنات.
حول هذا الموضوع كانت لنا مداخلة ضمن برنامج "أول خبر" على إذاعة الشمس، مع د. يسري خيزران، المؤرخ والمحاضر الجامعي والباحث في معهد ترومان – الجامعة العبرية، والذي بدأ حديثه بالإشارة إلى أن الواقع في جنوب سورية اليوم لا يعكس إمكانات دولة قادرة على مواجهة إسرائيل أو فرض شروطها.
وأوضح أن الأولويات السورية باتت محصورة في “بناء الوطن لا مواجهة إسرائيل”، مستشهدًا بتصريح وزير الإعلام السوري خلال زيارته لقرية بيت جن التي شهدت اشتباكات بين القوات الإسرائيلية وعناصر قيل إنها تنتمي إلى جماعات إسلامية.
وأضاف أن الجيش السوري فقد معظم قدراته، وأن مجاله الجوي منتهك بعد تدمير ما تبقى من بنيته العسكرية، ما يجعل المعادلة أمام إسرائيل ثابتة بلا تغيير.
وفي مداخلته أوضح خيزران أن إسرائيل لا تنطلق في مقاربتها للجنوب السوري من حدود الرابع من حزيران، بل من الواقع الذي تكرّس بعد سقوط النظام مطلع عام 2024، مشيرًا إلى أن أي انسحاب إسرائيلي مرجّح أن يكون من المناطق التي احتلت حديثًا فقط، لا من الجولان.
كما لفت إلى تحوّل كبير في مواقف الأهالي في الجولان السوري الذين لم يعودوا، وفق تقديره، راغبين بالعودة إلى دولة تحكمها جماعات إسلامية جهادية “فتكت بهم”، على حد تعبيره.
وأوضح خيزران أن اتفاق فك الاشتباك عام 1974 لم يشترط على سورية نزع السلاح في الجنوب، وأن الجيش السوري كان يملك قواعد عسكرية ومنشآت قرب الحدود قبل الحرب الأهليّة. وذكّر بأن الجولان كان قد سقط عامي 2012 و2013 في أيدي جماعات جهادية، وأن إسرائيل كانت على تواصل معها ضمن ما سُمّي “استراتيجية الجار الطيب”، وهو ما أقرّت به لاحقًا.
وانتقل خيزران للحديث عن تقييم النظام السوري بعد عام واحد فقط من سقوطه، معتبرًا أن إعادة الحكم على بلد دُمّرت 75% من بناه التحتية مسألة معقدة، في ظلّ أزمة اللاجئين الأكبر في تاريخ المنطقة الحديث.
ورأى أن النظام لا يسير نحو حلول سياسية، بل نحو الإقصاء، رغم أنه يستفيد من إرهاق المجتمع السوري ومن الدعم الإقليمي والترابطات الدولية التي تمنحه شرعية أو قبولًا، بما في ذلك الرسائل الصادرة من الولايات المتحدة.
وتوسّع خيزران في شرح تأثير المحور القطري–التركي–السعودي على السياسة الأميركية في سورية ولبنان، لافتًا إلى أن الشخصيات التي تصوغ الموقف الأميركي ترتبط بمصالح اقتصادية مع هذه الدول.
وأشار إلى أن هذا التحوّل وضع إسرائيل نفسها في مأزق، بعد أن كانت لعقود “الحليف الأكثر استقرارًا” لواشنطن.
وفي سياق الحديث عن لبنان، قال خيزران إنّ السعودية تمتلك نفوذًا واضحًا في الساحة اللبنانية، إلا أن مسألة نزع سلاح حزب الله تظلّ شديدة التعقيد بسبب حجم الطائفة الشيعية وتأثيرها في الجيش والبرلمان، إضافة إلى أن أي خطوة من هذا النوع ستعيد فتح ملف التوازنات الطائفية والأدوار السياسية.
وأكّد أن مطلب تطبيق اتفاق الطائف “بكل بنوده” يعني عمليًا فتح الباب أمام انتخابات نسبية قد تنتج برلمانًا ذا أغلبية شيعية، ما يجعل نزع السلاح مسألة قابلة لإشعال صراع داخلي، ولهذا تميل القوى الدولية والإقليمية إلى سياسة الاحتواء والتدرّج بدل المواجهة المباشرة.