أصبحت مشكلة البدانة لدى الأطفال بمثابة كارثة صحية لما تمثله من خطر صحي كبير على حياه الأطفال ولاحقا الشباب؛ إذ إنها تحولت إلى مشكلة عالمية تؤرق الأطباء، ولذلك تتصدر الدراسات التي تتناول كل ما يتعلق بالبدانة طليعة الدراسات الطبية بشكل دوري.
وقد أشارت دراسة حديثة نشرت في أحدث إصدارات مجلة «سجل أمراض الأطفال» journal Archives of Disease in Childhood، إلى أن هناك العديد من الأمور التي تزيد من عوامل الخطورة لظاهرة البدانة لدى الأطفال ومنها على سبيل المثال الطفل الذي يتمتع بوزن زائد عند الولادة، والطفل الذي يكتسب الوزن بسرعة مطردة، والأم التي تعانى من البدانة، وكذلك الأم المدخنة.
عوامل الخطورة
وأشارت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة نوتنغهام University of Nottingham في ماليزيا إلى أن الطفل الذي يرضع رضاعة طبيعية يتمتع بحماية أكبر من خطر البدانة، وقد قام الباحثون من طلبة الدكتوراه بمراجعة الأدلة العلمية لعوامل الخطورة التي قد يتعرض لها الطفل في طفولته المبكرة والتي تؤدي إلى أن يصاب الطفل بالبدانة في الطفولة المتأخرة، والتي تفيد لاحقا في طرق منع وعلاج البدانة.
وجاءت هذه الدراسة بعد المتابعة الدقيقة والمنهجية للعديد من الدراسات السابقة (30 دراسة شملت 200 ألف طفل)، كانت قد نشرت في الفترة ما بين عامي 1990 و2011 في العديد من المجلات العلمية (تعتبر هذه الدراسة بمثابة تجميع لتلك الدراسات، التي تم إجراؤها على العديد من الأطفال وتناولت كل العوامل التي قد تزيد من تعرض الرضع لمخاطر البدانة في أول 12 شهرا من العمر).
وقد أثبتت الدراسة أن ربع الأطفال في المملكة المتحدة بين 4 و5 سنوات ونحو ثلث الأطفال بين 10 و11 سنة يعانون من زيادة في الوزن؛ وهى أرقام كبيرة جدا.
وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن في سن الخامسة في الأغلب سوف يعانون منها في البلوغ لاحقا.
وحتى الآن تعتمد معظم الجهود لمكافحة البدانة على تقارير الأطباء من الأطفال المترددين على العيادات، ولكن التوصيات تشير إلى أنه يجب بذل مزيد من الجهود لمعرفة الفئات الأكثر استعدادا للتعرض للبدانة في سن مبكرة.
أطفال بدينون
وأشارت تلك البيانات من الدراسات التي تمت مراجعتها، إلى أن هؤلاء الأطفال هم:
- الأطفال اللذين يولدون لأمهات كن يعانين من الوزن الزائد قبل فترة الحمل. وكان الأطفال عرضه أكثر من غيرهم لاكتساب الوزن الزائد نحو 1.37 مرة في عمر 3 سنوات وكانت فرصهم نحو 4.25 مرة لاكتساب الوزن الزائد عند عمر 7 سنوات. وفى الفئة العمرية من التاسعة وحتى الرابعة عشرة تكون فرص اكتساب وزن زائد نحو 2.36 أكثر من أقرانهم.
- كانت هناك نحو 6 دراسات من أصل 7 وجدت علاقة وثيقة بين وزن الرضيع في وقت ولادته والبدانة لاحقا في الطفولة.
- وجدت 6 دراسات أخرى علاقة وثيقة بين سرعة اكتساب الطفل الوزن الزائد في السنة الأولى من عمره، والبدانة لاحقا في الطفولة، وكانت هناك دراسة أشارت إلى أن الأطفال الذين في قمة الـ20% من الزيادة الشهرية لأوزانهم، يكونون عرضة أكثر من أقرانهم بنحو 3.9 مرة لزيادة الوزن في عمر الرابعة والنصف.
- الأطفال الذين كانت أمهاتهم يمارسن التدخين أثناء الحمل، كان لديهم استعداد أكثر من غيرهم بنحو 47% لزيادة الوزن.
- كان الرضع الذين تمت رضاعتهم بشكل طبيعي (حتى ولو لفترة قصيرة) أقل عرضة لزيادة الوزن في مرحلة الطفولة بمقدار 15% من أقرانهم من الأطفال الذين لم يرضعوا طبيعيا مطلقا.
- تبين أن الرضع الذين تمت بداية فطامهم وتقديم أطعمة صلبة لهم بجانب اللبن مبكرا قبل عمر 4 أشهر كانوا عرضة أكثر لزيادة الوزن في عمر الثالثة بنحو 6.3 أكثر من الرضع الذين كانت بداية فطامهم في الشهر الخامس من العمر.
- لم يتم التوصل إلى أدلة علمية دامغة لعلاقة البدانة بعمر الأم وقت الحمل أو مستوى تعليمها أو انتمائها لعرق معين أو اكتسابها الوزن في مرحلة الحمل أو نوعية الولادة سواء قيصرية أم طبيعية.
- يمكن الاستفادة بهذه الدراسات لتكون بمثابة المرجعية للأطباء لمعرفة الرضع الأكثر استعدادا للتعرض لمخاطر البدانة ومحاولة تلافيها وبذل مزيد من الجهود لمعرفة ما إذا كان هناك العديد من عوامل الخطورة أو غيرها للإصابة بالبدانة.
دراسات سابقة
وكانت دراسة أخرى نشرت في شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي قد خلصت إلى أن الأم التي تعاني من الوزن الزائد overweight أو البدانة obese في الأغلب سوف يعانى أطفالها من زيادة الوزن تبعا لعمر الرضيع بغض النظر عن إصابة الأم بمرض السكري أثناء الحمل من عدمها.
وكانت الدراسة قد توصلت إلى أن الأم التي تعانى من الوزن الزائد لديها فرصة بنحو 65% أكثر من الأم العادية لاحتمالية ولادة رضيع كبير الحجم.
وكانت هذه النتائج قد تم التوصل إليها عبر متابعة نحو 10.000 سيدة حامل سواء أُصِبن بمرض السكري أثناء الحمل أو لم يُصَبن، وبطبيعة الحال، فإن الطفل الذي يبلغ أكبر من حجمه عند الولادة يتعرض لأخطار تتعلق بالولادة نفسها وإمكانية تعثرها، كما أنه يحمل مخاطر أن يصاب الرضيع لاحقا بالبدانة.
وفي السياق نفسه، أكدت دراسة نشرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي أن هناك عوامل خطورة لاحتمالية إصابة الطفل بالبدانة، وصنفتها إلى أربعة عوامل: الأم المدخنة أثناء الحمل، والزيادة الأكثر من المتوقعة في الوزن أثناء الحمل، وفترة الرضاعة الطبيعية الأقل من 6 أشهر، وفترة نوم الرضيع أقل من 12 ساعة.
وكانت الدراسة قد تتبعت 984 من الأمهات وأطفالهن منذ بداية الولادة وحتى عمر السابعة، وبلغت نسبة الإصابة بالبدانة عند عمر السابعة نحو 10% من جموع الأطفال سواء كان لديهم عامل خطورة واحد أو أكثر أو الأربعة عوامل مجتمعة.
وهؤلاء الأطفال كان لديهم استعداد لزيادة الوزن في عمر السابعة بنحو 28% أكثر من أقرانهم العاديين (الذين لا يوجد لديهم أي عامل خطورة)، ولا تزيد النسبة لديهم أكثر من 4%.
وخلصت الدراسة إلى أن كل هذه العوامل الأربعة يمكن التحكم فيها، ومن ثم حماية الأطفال من خطر البدانة، فإذا تم التحكم فيها والتغلب عليها فإن ذلك كفيل بأن يقلل من فرص إصابة الأطفال بالبدانة بنحو 55%.
ومما سبق يتضح أنه باتباع أساليب بسيطة مثل التوقف عن التدخين أثناء الحمل، وإطالة فترة الرضاعة الطبيعية، وكذلك التحكم في وزن الأم، يمكن تقليل احتمالية حدوث البدانة لدى الأطفال بنسبة كبيرة.