سميرة رجب امرأة محاربة عن الأمن القومي للخليج العربي تعتبر رمزا من رموز التنوير في منطقة الخليج حيث تقف صدا منيعا أمام الأفكار المعادية للذكاء الإنساني.
سميرة رجب، وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة البحرينية، تلعب، على مدى مسيرتها الصحفية والسياسية، دورا حاسما في التصدّي بجسارة للتدخل الإيراني الشيعي في السياسة البحرينية.
تعكس مشاركة المرأة في الحياة السياسية إلى حد كبير طبيعة النظام السياسي والاجتـمـاعي لأي دولة، وتعتبر من أهم عناصر العملية الديمقراطية، كما أنها تـعكس مـبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع، حيث أن التمييز ضد المرأة يعتبر أحد المؤشرات الرئيسية التي تعكس تخلّف الأنظمة السياسية في أي مجتمع.
لقد شكلت مسألة مشاركة المرأة السياسية في البحرين منعطفا هاما في مسيرة تطور المجتمع وانفتاحه، وكان ذلك تعبيرا عن اعـتراف وتقـدير المجتمع البحـريني الرسمي والشعبي للدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه المرأة البحرينية في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وفي الوقت ذاته هو تعبير عن العقلية المستنيرة والأفق الواسع لقيادة البحرين بضرورة مشاركتها في نهضة المجتمع وتبوّؤِ مكانتها لأن عجلة التطور لا تستثني المرأة.
إن المرأة في البحرين بالتحديد كانت سباقة على أخواتها في دول عالمنا العربي في الحصول على حقها في التعليم والتنظيم، حيث أنشأت أول مدرسة للبنات في عام 1928.
جمعيات الإسلام السياسي الشيعية
بقيادة جمعية الوفاق، كلها تؤمن بولاية الفقيه،
ولها تصريحات مباشرة بأن ولاءها يرجع إلى المرشد الأعلى.
ومع تطور التعليم وانتشاره برز دور المرأة بشكل واضح في الحركة الوطنية منذ خمسينيات القرن الماضي وتطور حيث وصل في العام 1955 إلى تكوين أول جمعية نسائية في الخليج العربي، وهي جمعية نهضة فتاة البحرين تلتها جمعية رعاية الأمومة والطفولة في العام 1960، وتوالت الإنجازات بعد ذلك بإنشاء جمعية أوال النسائية والرفاع الثقافية الخيرية، 1970، ثم جمعية النساء الدولية 1974.
وتمدد هذا الدور حتى عصرنا الحالي بفضل رائدات العمل النسوي، متمثلا في مساهمات أعداد كبيرة من الطالبات الدارسات بالخارج في العمل السياسي منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي ومتماهيا مع ظهور قوى سياسية تبنت الفكر الماركسي والقومي وقضايا التحرير، تاريخياً لم يكن الحراك السياسي في البحرين يقوم على أساس طائفي، حيث كانت القوى العلمانية والقومية تقوم بالدور السياسي المعارض طوال العقود الماضية، وتضمّ بين نخبها وقياداتها كل الطوائف، ووجهت نضالاتها ضدّ الاستعمار البريطاني وإنهاء الوجود الاستعماري في بلدان الخليج العربي كافة، ثم قادت الحراك السياسي والمطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية بعد الاستقلال.
المرأة البحرينية
دور المرأة كان فعالا وتمثل ذلك في أسماء كثيرة برزت في مسيرة العمل النسوي والسياسي ومنها سميرة رجب التي درست الاقتصاد في بيروت وتخرجت عام 1976 وارتادت العمل العام متمردة على دور الأسرة الديني التقليدي، والمجتمع، وعبرت عن نفسها في التحاقها بالعمل الصحفي عام 2000 ككاتبة في عمود راتب بصحيفة الخليج، حيث تناولت فيه العديد من القضايا المسكوت عنها، ونبشت في أضابير السياسة، المحلية والخليجية والعربية والعالمية، وتصدت بجسارة للدور الإيراني في قضايا المنطقة.
وللمرأة سحرها الخاص الذي لا يقاوم، وكان لسميرة رجب سحرها الخاص الذي لم تقاومه القيادة السياسية في البحرين وكان ذلك تعبيرا عن اعـتراف وتقـدير المجتمع البحـريني الرسمي والشعبي للدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية، وتمّ تعيينها عام 2006 عضوا في مجلس الشورى مما يعبر عن العقلية المستنيرة والأفق الواسع لقيادة البحرين واعترافا بدور المرأة الطليعي في المجتمع البحريني، جاء ذلك بعد تقلد عدد من النساء للعديد من المناصب في الوزارات والمؤسسات السياسية والخدمية، مثل ندى حفاظ لوزارة الصحة والشيخة مي بنت محمد آل خليفة وغيرهن من النساء.
الدور الحاسم والمميز في مسيرة رجب الصحفية والسياسية
في تصديها بجسارة للعامل الإيراني في السياسة البحرينية.
وربما كان الدور الحاسم والمميز في مسيرة رجب الصحفية والسياسية في تصديها بجسارة للعامل الإيراني في السياسة البحرينية، ونبهت له في مقال صحفي بعنوان "وطن يغرد خارج السرب" في صحيفة الخليج بتاريخ 32 يونيو 2009 مما تسبب في إيقاف الصحيفة ليوم واحد، وكانت عبارة (وزعوا أموالهم "الطاهرة" على مواليهم في بلداننا لكسب المؤيدين وزعزعة الأمن) بمثابة ناقوس الخطر الذي تنبأ بأحداث 14 فبراير 2012.
وتكمن قوة وشرعية ونجاح حركات الاحتجاج في دول الربيع العربي في طابعها السلمي، ونأيها عن الارتهان لمشروع فئوي أو طائفي أو الارتهان لمشروع أجنبي، وفي انطلاقها من مطالب محددة سياسية واقتصادية واجتماعية تمثل حاجيات الشعب المفقودة، من تغييب الحريات وتعامل السلطات مع مطالب المحتجين المشروعة بالقوة والردع والقمع؛ وحالة البحرين هنا تختلف عن هذا التوصيف، مما كشف زيف ما يسمى بالمعارضة عندما ركبت قطار الربيع العربي بالخطإ وانتهت بمحطة طهران.
الدور الإيراني
كثيرون تحدثوا قبل موجة الربيع العربي عن تحامل رجب على القيادة الإيرانية، ولم يدركوا حقيقة دور الملالي في توجيه وكلائهم في المنطقة، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين عقب احتلال العراق من قبل القوات الأميركية مما فتح الباب واسعا لتسلل النفوذ الإيراني عبر وكلائه من القوى السياسية المرتبطة به إيديولوجيا ودينيا، وكثر الحديث هنا وهنالك عن تبعية البحرين للوطن الأم إيران، بالتصريح المباشر من بعض رموز القيادة في طهران باعتبار أن الجزيرة رخوة يسهل ابتلاعها وهضمها، مستدعية في ذهنها المشهد العراقي واللبناني. أو بالتلميح كما عبر عنه حديث المرشد خامنئي نفسه في الحادي والعشرين من مارس 2011 والذي قال فيه: "إن انتصار شعب البحرين بات أمراً حتمياً" رابطا أحداث البحرين بالتطورات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، في حين تحدث وزير الخارجية علي أكبر صالحي عما سماه "إبادة الشيعة في البحرين" ملوحا بنقل الملف البحريني إلى مجلس الأمن. مما يعني أن في إيران توجها للتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانه.
تصدت سميرة رجب لهذا الدور بعد تصاعد حركات الإسلام السياسي للمشهد في العديد من بلدان الوطن العربي ومنها البحرين، مستغلة حالة الفراغ الذي خلفه انحسار الدور القومي في المنطقة، وتصاعد المدّ الطائفي الديني في المشهد العربي، كما في العراق ولبنان (حزب الدعوة وحزب الله)، وبدأت جمعية (الوفاق) تنقل صراعها السياسي من ساحة البرلمان إلى الشارع البحريني الشيعي، رافعة شعارات تصدير الثورة إلى داخل السور الوطني مستغلة مطالب فئوية مقبولة لمصالح سياسية غير مشروعة.
اللافت للنظر أن تعيين سميرة رجب وزير دولة للإعلام لم يثنها عن دورها في كشف المخطط عن بلدها وظلت بنفس الشجاعة تقاتل ضد المشروع الإيراني بنفس عنفوان الماضي، وكانت أولوياتها التصدي لحالة الضبابية التي يحملها التيار الإقصائي الذي يقود المشروع الإيراني وتفكيك خطابه السياسي والديني إلى مفرادت يستطيع بها رجل الشارع العادي قراءة محتوياته وفهم مغزاه الحقيقي.
لذلك أول ما تصدت له كان هو حقيقة مظلومية الشيعة وتهميشهم وتوصلت إلى حقيقة أنها فكرة سياسية تهدف إلى تحقيق مكاسب اجتماعية وسياسية وأنها ليست حقيقة تاريخية أو عقائدية. وتوصلت إلى أن (ولاية الفقيه) حقيقة تقوم على إعطاء الإنسان سلطات مطلقة ليكون إلها على الارض، ولأنها فكرة سياسية علقت بالدين.
وبذات التوصيف تناولت قضية الطائفية ودورها في ظهور العلل السياسية والاجتماعية، منبهة إلى خطورة ذلك على الأجيال القادمة، داعية إلى مشروع ثقافي وطني جديد في مواجهة المشاريع العقائدية الطائفية الذي سيطر على ثقافة الشارع بعدما أُفرغت هذه الثقافة من كل القيم الوطنية وسخرت كل الجهود الوطنية الرسمية والأهلية لوضع برنامج وطني حقيقي يرفع من وعي المجتمع ويصحح منظومتنا القيمية التي تمّ تشويهها وسلب مفاهيمها العربية الصادقة، لمواجهة هذا المدّ الطائفي المريض.
وتقول إن منطقة الخليج تعيش منذ احتلال العراق، أزمة طائفية كبرى تدعمها إيران. هنالك تمرّد في طواقم طائفية شيعية ضمن تيارات وأحزاب إسلامية شيعية نشأت في المنطقة بعد الاحتلال.. فمن يريد أن يقول إن هذه التيارات الإسلامية الشيعية غير مدعومة من إيران فهو يكذب على نفسه قبل أن يكذب علينا.. نحن نعيش في البحرين ونعيش في هذه المنطقة.
كيف نشأت هذه الأحزاب؟ وكيف هي اليوم امتداد للحركات التي بدأت في الخمسينات، ضمن السياسات الإيرانية للهجرة إلى المنطقة بهدف التغيير الديموغرافي والسياسات الاستخباراتية طويلة المدى، والتي لم تنقطع مع الثورة الإسلامية، ولكنها استمرت وتواصلت وبدأت تأخذ منحى أكثر خطورة بإنزال الثقافة العقائدية والحركات العقائدية الجديدة في المنطقة، فدخلنا في مرحلة استيطان ثقافي، هو أخطر بكثير من الاستيطان الفعلي على الأرض، لأننا قد نستطيع أن نزيل المستعمر والمحتل من على الأرض؛ ولكن كيف نزيل الفكر العقائدي المتطرف والطائفي من عقول الناس؟
حد رموز التنوير
تفضح سميرة رجب الدور الإيراني في تحريك الأحداث في البحرين ودعمها: وتقول إن أهم وأكبر دليل وهو أن جمعيات الإسلام السياسي الشيعية بقيادة جمعية الوفاق، كلها تؤمن بولاية الفقيه، ولها تصريحات مباشرة بأن ولاءها يرجع إلى المرشد الأعلى علي خامنئي في إيران، وخامنئي له وكيل في البحرين هو عيسى قاسم، ووكيل آخر في لبنان هو حسن نصر الله، وله وكيل في كل تجمع شيعي. اليوم هذه التجمعات بوكيلها وبوليها هي التي تقوم بهذه الحركات في البحرين، وتدعمها كل وسائل الإعلام الإيرانية، وتدعمها الدبلوماسية الإيرانية في كل المحافل خارج البحرين، وتدعمها التمويلات المختلفة التي تأتي من مصادر مختلفة، ولكن في النهاية مصدرها واحد.
ما هو أكثر من ذلك؟ ما شاهدناه من فبراير إلى اليوم من مواقف إيرانية خطيرة ضد سيادة البحرين، وضدّ استقلال البحرين، وضدّ عروبة البحرين، هو أكبر دليل للمدّ الإيراني لهذه الجماعات.
وتبقى سميرة رجب أحد رموز التنوير في وطنها في ملاحقة أي فكر غير أخلاقي معاد للذكاء الإنساني وترفض سيادة الفكر الظلامي الذي يعادي الإنسانية ويتصادم مع حقائق الحياة والسعي لطمس الهوية ومحاولات التآمر على التاريخ وعرقلة ديمومة التطور.