تم اختيار الأول من أيار تخليداً لذكرى من سقط من العمال والقيادات العمالية التي دعت إلى تحديد ساعات العمل بثمانية ساعات يومياً وتحسين ظروف العمل، من خلال تأسيس جمعية فرسان العمل في أمريكا 1886، ويعتبر هذا اليوم من أهم الأعياد التي يحتفل بها الشيوعيون الذين يعتبرون أنفسهم المدافعين عن حقوق العمال تحت شعار "يا عمال العالم اتحدوا"، للتضامن مع العمال في تحسين ظروف العمل وحق العمال في الحياة الكريمة ومجابهة اضطهادهم من قبل أرباب العمل الذين عرَّضوا العمال للقهر والتعذيب والعمل في ظروفٍ قاسية، حيث استعبدوا العمال في المناجم وشق الطرق وبناء القصور والأسوار دون تأمين متطلبات العيش الكريم.
تسابق المشرعون في سن القوانين وتسطير الأنظمة التي تحمي حقوق العاملين وتحفظ كرامتهم وتحقق لهم ظروف عمل ملائمة.
وفي ظل احتفال عمال كافة دول العالم بهذا التاريخ الذي يعتبر رمزاً لتحقيق أهدافهم عبر صراعٍ طويل مع أرباب العمل، إلاَّ أن واقع العامل الفلسطيني مغاير حيث البطالة في قطاع غزة تخطت 80% من إجمالي الشعب لمدة تزيد عن عامين بسبب الحصار الإسرائيلي وإغلاق كافة المعابر ومنع تدفق السلع والخامات، الأمر الذي تسبب بإغلاق كافة المصانع وأدى إلى شللٍ تام في كافة النشاطات الصناعية والتجارية، ولم يكن ذلك بمحض الصدفة فقد تم منع العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر بعد محاولات إذلال على مدى سنوات، حيث كان يبدأ العامل يومه منتصف الليل للحصول على دور للمرور خلال معبر إيرز (طريق الآلام) في طوابيرٍ صامتة من الإذلال والتعذيب، وينتهي يوم العمل إذا نجح في اختراق هذا المعبر اللعين ليلاً ليبدأ مرة أخرى رحلة العذاب بعد ساعاتٍ من عودته، كل هذا مقابل أجر زهيد مقارنة بتكاليف الحياة وأجرة العامل غير الفلسطيني داخل الخط الأخضر.
عمدت اسرائيل لاستبدال العامل الفلسطيني بعمالة من شرق آسيا ومن بعض الدول العربية المجاورة بعد أن ربطت عجلة الاقتصاد الفلسطيني المتوقفة بالاقتصاد الإسرائيلي فأصبح المتحكم بكافة الأنشطة التجارية والصناعية هذا، مما أفقد كافة العمال أماكن عملهم لفترةٍ طويلة أنفقوا فيها جميع مدخراتهم وأصبحوا تحت خط الفقر وفقدوا مستحقاتهم لدى أرباب العمل الإسرائيليين. وليس الوضع بأحسن حال بالنسبة للعامل الفلسطيني في الضفة الفلسطينية، حيث الحواجز وجدار الفصل العنصري الذي يفصل بين العمال والأراضى الزراعية، كما وأن وصولهم للعمل داخل الخط الأخضر يكون بمشقة توازي طريق الآلام الغزي عبر معبر إيرز.
لقد اتجه عدد كبير من العمالة غير المؤهلة اليائسة بسبب طول الحصار والحاجة الماسة للعمل في الأنفاق الممتدة تحت الشريط الحدودي بين فلسطين ومصر تحت أقصى ظروف عمل ممكن أن يتصورها الإنسان وهي أصعب وأخطر من العمل في المناجم، حيث يعمل 30-40 ألف عامل معدل 12 ساعة يومياً تحت الأرض معرضين لخطر الموت اختناقاً بسبب انهيار هذه الأنفاق الرملية نتيجة للأحوال الجوية أو لاستهداف الطيران الإسرائيلي لهذه الأنفاق أو لضخ الغاز القاتل من الجانب المصري، والأخطر أنه لا يوجد أي نظام يضمن حقوق عاملي الأنفاق أو نهاية خدمتهم أو حتى تعويض الإصابة أو الوفاة ، ولم تقم الحكومة بمتابعة أماكن العمل التي يعمل بها عدد كبير من الأطفال دون سن الثامنة عشر بصورة مخالفة لكافة القوانين العمالية المحلية والعالمية.
أما من ينجح في العمل في مهنة الصيد فإنه يكون فريسة وهدف لرصاص القوات البحرية الإسرائيلية ، وكثير منهم تعرض للاعتقال والتعذيب في محاولة لمنع الصيادين من العمل في شريط مائي ضيق فقير بالثروة السمكية، مما دفع عدد من الدول المانحة بمحاولة إيجاد فرص عمل ولكن لم تتعدى هذه المحاولات سوى العمل في نظافة الشوارع وهذه ليست فرص عمل حقيقية من حيث إعادة تأهيل العمال وتدريبهم على المهن المختلفة.
حقيقة أن الأزمة الاقتصادية لم تؤثر على العامل الفلسطيني مباشرة، حيث أن أغلب العمال متعطلين منذ فترة طويلة ولكن قضت على أحلام بعض العاملين في إمكانية الوصول إلى أماكن عمل في الدول العربية التي لا زالت تستخدم عمالة أجنبية متجاهلة الدور القومي والوطني والإسلامي في دعم صمود العامل الفلسطيني، حتى أصبح العامل الفلسطيني عرضة لعمليات غسل الأدمغة والتوجه نحو الأصولية أو التطرف وما قد ينجم عنه من أخطار حالية ومستقبلية قد تُحيق بالوطن والدول المحيطة.
لذا لا بد من أن يكون هناك دور وطني وإقليمي ودولي لمد يد العون والمساعدة للعامل الفلسطيني من خلال إيجاد فرص العمل الحقيقية التي تعمل على صون كرامة العامل وذلك بالتخطيط والتنظيم الشامل لأجل إعادة تأهيل العاملين وإنشاء المناطق والمدن الصناعية والتجارية بالإضافة لإيجاد الأسواق الحرة التي تعمل على استيعاب عدد كبير من العاملين، وكذلك توجيه الاستثمارات لإنشاء المشاريع الإسكانية والسياحية وتوقيع الاتفاقيات مع الدول العربية لاستيعاب العمالة الفلسطينية المدربة والتي أثبتت كفاءتها على مر الأيام.