نجومية المعلومة أم نجومية الصحفي؟ من يصنع من؟

نجومية المعلومة أم نجومية الصحفي؟ من يصنع من؟

في عصر الانفجار المعلوماتي وتسارع الأحداث، يبدو المشهد الإعلامي مسرحًا واسعًا تتداخل فيه الأدوار بين من يحمل المعلومة ومن يحمل الميكروفون أو يقف أمام عدسة الكاميرا. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو: من يصنع التأثير الحقيقي؟ أهي نجومية المعلومة بما تحمله من سبق وأهمية أم أنّها نجومية الصحفي بما يمتلك من كاريزما وحضور ومنصة وشهرة؟



هذا التساؤل ليس رفاهية فكرية، بل يتصل صميمًا بجوهر العمل الصحفي وتحوّلاته في العصر الرقمي، حيث باتت الصحافة لا تكتفي بإيصال المعلومة بل بتسويقها، لا تكتفي بالتحقيق بل بالتأثير، ولا تكتفي بالحقيقة بل بـ"الترند".


أولًا: نجومية المعلومة.. الأصل لا يُلغى


في الأصل، الصحافة هي مهنة البحث عن الحقيقة. أي معلومة دقيقة، وموثوقة، وجديدة، يمكن أن تفتح آفاقًا وتُسقط حكومات وتغيّر الرأي العام. هذه القوة الجوهرية للمعلومة هي ما جعل من الصحافة "سلطة رابعة" فعلًا، لا مجازًا.


ولنتذكر هنا تسريبات "ويكيليكس" أو وثائق "باندورا" أو تحقيقات الاستقصائيين في جرائم بيئية وفساد عالمي. لم يكن نجوم هذه المواد هم المذيعين ولا المراسلين ولا مقدمي البرامج، بل كانت المعلومة نفسها هي البطلة، وتحولت إلى قضية رأي عام.




لكن في زمن المنصات وتآكل ثقة الجمهور بالمؤسسات، لم تعد المعلومة وحدها كافية لإحداث التأثير، بل أصبحت تحتاج لمن يُجيد إيصالها، وتبسيطها، وتسويقها، وربما "تشخيصها" أيضًا.




ثانيًا: نجومية الصحفي.. حين يصبح الصحفي هو القصة


مع صعود الإعلام التفاعلي وانتشار وسائل التواصل، انتقل بعض الصحفيين من دور "الناقل" إلى دور "الناشط" أو حتى "النجم". باتوا يُحللون، ويُعلّقون، ويُغردون، ويصنعون المحتوى، ويؤثرون في اتجاه الرأي العام بقدر ما يفعل السياسيون، حتى وصلنا إلى وضع دعيت البرامج بأسمائهم ، بمعنى أن الوزن النوعي للمقدم يتفوق على المحطة أو المؤسسة التي يعمل فيها.


هذا التبدّل منح بعض الصحفيين مكانة غير مسبوقة، لكنه في المقابل طرح أسئلة مقلقة: ماذا لو تعارضت "نجومية الصحفي" مع نزاهة المعلومة؟ ماذا لو تحوّل البحث عن "اللايك" و"المتابعة" إلى دافع لتضخيم الأخبار، أو تلميع الذات على حساب الدقة؟


في بعض الأحيان، تصبح شهرة الصحفي عائقًا أمام المعلومة، فيتم تسييس الخبر، أو تسويقه بطريقة تخدم الرواية الشخصية أو الأيديولوجية.



ثالثًا: بين النجوم والنجومية.. من يخدم من؟


لنكن واقعيين. لا يمكن لمعلومة أن تنتشر دون منبر. ولا يمكن لصحفي أن يبقى دون محتوى قوي. العلاقة تكاملية في أحسن حالاتها، ولكنها أيضًا محفوفة بالمخاطر. فإذا طغت نجومية الصحفي على المعلومة، فقد يتحوّل الإعلام إلى مسرح استعراض. وإذا تمسك الصحفي بجمود المعلومة دون مهارات التواصل، فلن يسمعه أحد.


في المقابل، عندما يمتلك الصحفي أدواته المهنية، ويظل وفيًا للحقيقة، فإن نجوميته تصبح انعكاسًا لصدق المعلومة لا بديلاً عنها.




رابعًا: في السياق العربي .. معركة بين الصوت والصدى


في العالم العربي، حيث تلعب الصحافة دورًا حساسًا في ظل القمع، الاستقطاب السياسي، وانعدام الشفافية، تصبح المعادلة أكثر تعقيدًا. فالمعلومة الدقيقة قد تكون خطرًا، والصحفي الجريء قد يتحول إلى هدف.


ومع غياب بنى مؤسساتية مستقلة، غالبًا ما تتشكل نجومية الصحفي في فراغ: إما صوتًا معارضًا تتبناه منصات خارجية، أو وجهًا تطبعه الأنظمة لتسويق روايتها. أما المعلومة، فتبقى تائهة بين التضليل والرقابة والخوف.



الخلاصة


الصحافة الحقيقية لا تضع المعلومة في مواجهة الصحفي، بل تراهما شريكين. الصحفي المحترف يصعد بنجومية المعلومة، والمعلومة القوية تمنح الصحفي مصداقية وتأثيرًا.


الرهان اليوم ليس على نجم شاشة أو صانع محتوى، بل على من يحمي المعلومة من الابتذال، ويُعيد الثقة بالإعلام كمصدر للحقيقة لا للضجيج.


في النهاية، المعلومة هي الأصل، والنجومية تُستمد من صدقها، لا من عدد المتابعين.


يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play