ميدانيا تقوم هيئات أخرى مثل "اللجنة الشعبية للسلم الأهلي" و"مركز أمان" وآخرون... بنشاطات توعوية على شكل ندوات او ورشات عمل محلية على أمل ان تساهم هذه الأطر، ولو قليلا، في درء مخاطر الفتنة الطائفية على سبيل المثال، ورفع مستوى الوعي لمخاطر العنف الاسري او على خلفية سياسية وما الى ذلك. إضافة الى هذا وذاك يقوم عدد من أصحاب الرأي بطرح مواقفهم عبر وسائل الاعلام المحلية كما يساهم عدد من الإعلاميين في الأسابيع الأخيرة بمناقشة هذا الموضوع الهام ضمن مسؤولية الاعلام في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، يبدو ان كل هذا واكثر لا يكفي ولن يكفي لمواجهة خطر الانزلاق من هذا الوضع الخطير الى وضع اكثر منه خطرا.
ماذا نفعل؟ ونحن نشهد تصاعدا مرعبا في ممارسة العنف بكل اشكاله منذ عام 2000 بشكل خاص، إذ بلغ عدد الضحايا العرب ما يقارب 1200 ضحية. وهذا يترافق مع ظاهرة انتشار العصابات المسلحة واستخدام القتل والخاوة وتحصيل الحقوق بالقوة او ابتزاز سلطاتنا المحلية بالتهديد وما الى ذلك. لم تعد ظاهرة قتل النساء هي الظاهرة الأخطر في مجتمعنا، بل انتشار السلاح وسهولة استخدامه ضد بعضنا البعض على مرأى ومسمع من الشرطة الإسرائيلية دون رادع. فهل تتحمل الشرطة مسؤولية انتشار هذا السلاح واستخدامه؟ او يتحمل مجتمعنا مسؤولية ذلك؟ وبالتالي من هي الجهة المسؤولة عن مناهضة العنف بكل اشكاله؟ وكيف يتم ذلك وما هي آليات العمل؟
لا أكشف سرا ولا اجدد في القول: اننا كمجتمع، وكذلك الشرطة الإسرائيلية، يتحملان مسؤولية ما وصلنا اليه ومن هنا لا بد من البحث عن اليات عمل مشتركة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. لا يشك أحد ان شعبنا، بما في ذلك قياداته السياسية والاجتماعية، مستعدون للقيام بواجبهم في هذا المجال ضمن اهداف ومصلحة اجتماعية ووطنية واضحة، ولكن هل الشرطة مستعدة للقيام بواجباتها أيضا؟ وهل تلتقي اهداف الشرطة الإسرائيلية مع اهدافنا؟ ام ان لكل منا اجندة مختلفة؟
منذ سنوات، نطالب شرطة إسرائيل القيام بواجبها المدني والقانوني لجمع الأسلحة غير المرخصة في قرانا ومدننا، والقبض على المجرمين وعصابات الخاوة وهم طليقون احرار، فما نسمع من قيادات الشرطة الا ادعاءات متكررة مفادها ان "العرب لا يتعاونون مع الشرطة لضبط المجرمين". وهل يتعاون المواطن اليهودي في تل ابيب مع الشرطة في مواجهة عصابات الاجرام؟ وهل يعقل ان يعرض المواطن نفسه لمخاطر الانتقام من المجرمين وهو يعلم ان الشرطة لن تحميه؟ وعليه، يصر غالبية المواطنين العرب على اتهام الشرطة الإسرائيلية بالمسؤولية المباشرة عن انتشار العنف والسلاح وحماية المجرمين بدل مواجهتهم، ولديهم من الروايات العينية مئات الحالات التي تثبت هذا الادعاء في كل قرية ومدينة. بالمقابل يقلل بعضنا الآخر من مسؤولية الشرطة الإسرائيلية ويطالب بالتعاون معها، ويصر ان انتشار العنف هو أولا وقبل كل شيء قضية تربوية واجتماعية في الاسرة والمدرسة وو...الخ ولا بد من برامج توعوية لمواجهة ذلك. فهل نحن قادرون فعلا على مواجهة العنف بالتوعية والتربية وإشاعة روح الحوار وقبول الأخر؟
قبل عدة أسابيع، وفقط بعد حادث اطلاق النار على مواطنين يهود في تل ابيب، من قبل الشاب نشأت ملحم، أعلنت شرطة إسرائيل عن خطة لمواجهة العنف وجمع السلاح في القرى العربية، ولكن البند الأهم، والملفت للنظر، في هذه الخطة هو هدف تجنيد 1300 شاب عربي الى الشرطة الاسرائيلية، ضمن مشروع تجنيد الشباب العربي الى جيش الاحتلال، الامر الذي يؤكد الادعاء العربي بان التخاذل الشرطي في مواجهة العنف منذ عام 2000 ، واتهام الشرطة بالمساهمة المقصودة في انتشار السلاح، هو سياسة رسمية لإيقاع المجتمع العربي بين نارين، إما في نار التجنيد لقوى الامن الإسرائيلي او في مستنقع العنف والقتل الذاتي وهو لا يقل خطورة عن الأول. وعليه لا بد من السؤال، كيف نخرج من دوامة العنف ونوقف الانزلاق نحو الهاوية، دون الوقوع في احدى النارين؟ هذا في رأيي هو أحد أكبر التحديات التي تواجه مجتمعنا اليوم، ولا بد من مناقشته في المؤتمر المزمع عقده يوم 28 أيار 2016.
لا نستطيع الهروب من مواجهة مثل هذه التحديات بجرأة ومسؤولية، ووعي للمخاطر غير المرئية، لان كل هروب بهذا الاتجاه او ذاك له مخاطره المدمرة. فكيف نخرج بصيغة متفق عليها؟ كيف نقيم شرطة مدنية في قرانا تحمي المواطن، ولا تتحول الى أوكار مخابرات امنية تفاقم العنف، تحت مظلة عربية شرعية لمكافحة العنف؟ كيف نقيم هيئة شرطية ذات صلاحيات قانونية فاعلة تخضع لمراقبة شعبية اجتماعية ووطنية ،لا يمر عناصرها في نفق التجنيد ، وهو نفق لا يتعلم فيه العنصر الأمني الا استخدام العنف بدلا من مكافحته. فهل هذه هي الشرطة التي نتوقع منها مواجهة الاجرام في قرانا؟