أصدرت جمعية حقوق المواطن مستندّا خاصًا في ذكرى مرور 49 عامًا على الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية، الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، لتبيين حال وأوضاع المواطنين الفلسطينيّين سكان الأراضي المُحتلّة منذ شهر حزيران من العام 1967، في ظل المستوطنات وبؤر الاستيطان ووجود السُلطة الفلسطينيّة، وبعد فكّ الارتباط مع غزّة، واقامة جدار الفصل، والعيش بين الحواجز والتّصاريح والشّوارع الممنوعة، والسيطرة على كل جوانب الحياة للسكان الفلسطينيين.
تتغيّر السّيطرة الإسرائيليّة على المناطق المُحتلّة مع مرور الوقت، فتتوسّع وتلبس حلّة جديدة كلّ مرّة. بعد مرور ثلاثة عقود تقريبًا على سيطرة إسرائيليّة حصريّة على الأراضي، أُقيمت السّلطة الفلسطينيّة، وبعد ذلك بعقد واحد ضربت سيطرة حماس جذورًا في قطاع غزّة. لكن حتّى بوجود هذه التّغييرات، ظلّت السّيطرة الإسرائيليّة على الحيّز الواقع بين نهر الأردن والبحر هي القوّة الأهمّ والأكثر تأثيرًا في الحياة اليوميّة لجميع الأشخاص الذين يسكنون في هذا الحيّز.
تجزئة الأراضي المُحتلّة
ضُمَّت القدس الشّرقيّة رسميًّا من قبل إسرائيل منذ شهر حزيران من العام 1967، وتعد هذه الخطوة انتهاكًا سافرًا للقانون الدّولي، دون إعطاء سكّان المدينة الفلسطينيين حقوقهم الكاملة. وأدّت السّياسة الإسرائيليّة التي بُلوِرَت في شرقيّ المدينة إلى عزل القدس الشّرقيّة وانهيارها بعد أن كانت في الماضي موطن قوّة اقتصاديّة، وسياسيّة، واجتماعيّة ودينيّة. بالاضافة الى بناء فاصل حقيقيّ بين القدس والضّفّة على هيئة جدار إسمنتيّ يفصل ويقطًع أوصارالمجموعات الاسكانية الفلسطينيّة في القدس ويمنع التّواصل الطّبيعيّ مع المجموعات المُحيطة بها.
توسّع مشروع الاستيطان تدريجيًّا، وشقّ طرق تؤدّي إلى المُستوطنات وبؤر الاستيطان، أدّيا إلى خلق فضاءات كاملة جديدة في الضّفّة الغربيّة والقدس، لا يُسمح للفلسطينيّين فيها بأن يتحرّكوا أو يسكنوا، أو قد يُسمح لهم ذلك بشكل مقلّص جدًّا، في حين أنّ إمكانيّة وصول المواطنين الإسرائيليّين إلى هناك متاحة. هذه الخطوات أيضًا تنفذ بما يتنافى والقانون الدّوليّ، وهي لا تمنع إدارة حياة طبيعيّة للسكان وتؤدّي إلى إخلاء قسريّ أو إجباريّ لعائلات وجماهير كثيرة.
جلبت اتّفاقيّة أوسلو تغييرات جذريّة بخصوص تقسيم الضّفّة إلى مناطق ’أ‘، ’ب‘ و ’ج‘ وإنشاء السُّلطة الفلسطينيّة. جرى التّقسيم بحسب خطوط جغرافيّة مُصطنعة تفصل بين مناطق متّصلة في ما بينها في الواقع، مثل الطّرق المؤدّية من المدن الكبرى إلى القرى المُجاورة لها. أدّى إنشاء السّلطة الفلسطينيّة إلى تغيير نِطاق صلاحيّات السّلطات الإسرائيليّة وطبيعتها، وعلى رأس هذه السّلطات - الجيش. مع ذلك، وبما أنّ صلاحيّات السّلطة وقوّتها محدودتان، فحتّى في المناطق التي تعمل السّلطة بها ما زال هناك قدر كبير من السّيطرة الكامنة بين أيدي القائد العسكريّ الاسرائيلي.
بناء جدار الفصل خلق جيوبًا فلسطينيّة معزولة وسمح بتوسّع المُستوطنات برعاية حجج أمنيّة. على طول الجدار أنشِئت حواجز وبوّابات، يمرّ عبرها الإسرائيليّون بحرّيّة، إلّا أنّ مرور الفلسطينيّين عبرها محدود أو ممنوع، حتّى عندما تكون تحرّكاتهم داخل الأراضي المُحتلّة ذاتها (لا من أجل الدّخول إلى إسرائيل). حتّى أولئك الذين سكنوا طيلة حياتهم في تلك المناطق اضطرّوا إلى مواجهة نظام تصاريح بيروقراطيّ مُعقّد ينطوي على المهانة والعُنف.
إنّ التّحّكم بحركة الفلسطينيّين على طول خطوط التّماس بين المناطق المختلفة يُشكّل الانشغال المركزيّ للجيش، وجهاز الأمن العامّ، والشّرطة، ووزارة الدّاخليّة وسلطات إضافيّة. مع مرور السّنوات، توسّعت العقوبات والاعتقالات المفروضة على كلّ من يُقبض عليه دون التّصاريح اللّازمة، وعلى كلّ من يوفّر له المأوى أو يقله. ويزداد هذا التّحكّم في فترات التّصعيد.
الضّمّ الزّاحف
إنّ السّيطرة العسكريّة الكاملة على مناطق ’ج‘، والتي تشكّل حوالي %60 من مساحة الضّفّة، إضافة إلى فرض القانون الإسرائيليّ على القدس الشّرقيّة، أنتجا مناطق يعيش فيها فلسطينيّون وإسرائيليّون تحت سلطة إسرائيليّة مُباشرة. مع مرور الزّمن، طُوِّرَت أدوات سياسيّة متنوّعة بهدف زيادة السّيطرة الإسرائيليّة على تلك المناطق، بطريقة تُتيح إبعاد الفلسطينيّين عن المناطق التي تهمّ إسرائيل إلى مناطق لا تهتمّ إسرائيل بالسّيطرة عليها أو ضمّها.
تتمّ عمليّة ترحيل الفلسطينيّين من مناطق مختلفة في الضّفّة والقدس بشكل أساسيّ بواسطة سياسة عِمادها الرّفض العنيد لتعزيز التخطيط والتطوير في تلك المناطق، أو لربط المجموعات السّكانيّة والأحياء الفلسطينيّة بشبكة المياه، أو للسّماح للسّكّان بالوصول إلى أراضيهم الزّراعيّة، أو لتطوير مناطق صناعيّة وغيرها من الأمور. وترافق هذه التّقييدات أعمال تعسّفيّة،كهدم المنازل التي بُنيت دون ترخيص، ومصادرة معدّات، وطمّ آبار المياه، وسدّ الطّرقات، وتكثيف الحضور العسكريّ ووجود الشّرطة.
يُتيح نظاما القانون المُنفصلان اللّذان طوّرا في ظلّ الحكم العسكريّ -نظام للفلسطينيّين وآخر للمستوطنين- وجود إطار قانونيّ يسمح باتّخاذ هذه الخطوات في الضّفّة الغربيّة؛ وفي القدس الشّرقيّة، يتيح القانون الإسرائيليّ المفروض اتّخاذ خطوات مُشابهة. إلى جانب إبعاد الفلسطينيّين، تفرض السّلطات في أراضي المنطقة ’ج‘ وفي القدس الشّرقّيّة قوانينَ التّخطيط والبناء ذاتها، لكن بشكل يسمح فقط بتطوّر وازدهار البلدات، والأحياء، والمساحات الزراعية بما يخدم الجماهير الإسرائيليّة.
في العقد الأخير، تكثّفت الجهود السّاعية إلى إحكام السّيطرة والرّوابط بين المنطقة ’ج‘ وإسرائيل، وذلك بواسطة خطوات تُسمّى باسم الضّمّ الزّاحف، الضّمّ الفعليّ أوالضم الفضائي. في الكنيست وفي الحكومة، نوقشت عدّة مبادرات تنادي بتطبيق مباشر لقوانين دولة إسرائيل على الأراضي المُحتلّة، وقد أعلنت وزيرة العدل مؤخّرًا عن إنشاء طاقم مُشترك بين وزارة العدل ووزارة الأمن لمناقشة القضيّة. كذلك، قدّم عدد من أعضاء الكنيست اقتراحات قانون لتطبيق قوانين مُعيّنة لا تُطبّق حاليًّا وراء الخطّ الأخضر، ومن بينها قانون التخطيط والبناء، والقانون عمل الشبان، وقانون عمل النساء،
الاحتلال والضّمّ - دون حقوق إنسان
تخرق السلطات الاسرائيلية الحظر القائل بعدم نقل سكّان الدّولة المُحتلَّة إلى داخل الأراضي التي تحتلّها. تستخدم إسرائيل القوّة المُعطاة لها في إطار قوانين الاحتلال بهدف توسيع السّيطرة الإسرائيليّة -التي يفترض أنّها مؤقّتة- وإبعاد السّكان الفلسطينيّين وترحيلهم عن الأماكن التي ترغب بضمّها، الآن أو في المستقبل.
كذلك، تستخدم إسرائيل الموارد الطّبيعيّة في الأراضي المُحتلّة لصالح المُجتمع الإسرائيليّ على جانبيّ الخطّ الأخضر، وهو أمر ممنوع بحسب القانون الإنسانيّ الدّوليّ. تصحب إسرائيل ذلك بتقييد استخدام الفلسطينيّين للموارد ذاتها. على سبيل المثال، تُشغّل شركات إسرائيليّة بعض مقالع الحجارة في الأراضي المُحتلّة وتجني أرباحًا طائلة منها، في حين يقوم الجيش بإغلاق مقالع يُشغّلها الفلسطينيّون. كذلك، فإنّ إمكانيّة وصول الفلسطينيّين إلى مصادر المياه، كالآبار والمياه الجوفيّة في الجبال، محدودة، في حين أنّ إسرائيل تستغل هذه المصادر لصالح المُستوطنات ولصالح بلدات أخرى داخل إسرائيل.
نجد في الأراضي المُحتلّة اليوم حالة انتقاليّة من "الاحْتِضَمّ" – "الاحتلال والضّمّ" معًا. ورغم الفروق بين أنواع السّيطرة القائمة في مناطق مختلفة في الضّفّة الغربيّة والقدس الشّرقيّة، فإنّ السّيطرة الإسرائيليّة في الواقع، بمختلف أشكالها وصورها، غير مصحوبة بتحمّل مسؤوليّة كما هو مطلوب ممّن يملك القوّة بين يديه. فالسّكّان الفلسطينيّون -كأفراد وجماعات- ممنوعون من ممارسة حقوقهم الأساسيّة، منذ 49 عامًا.
قطاع غزّة
تغيّر نِطاق ودرجة سيطرة إسرائيل على قطاع غزّة على مرّ السّنين، ومنذ فكّ الارتباط في العام 2005، لم تعد إسرائيل تفرض سيطرتها الفعليّة على قطاع غزّة. مع ذلك، ما زالت إسرائيل تُمارس سيطرتها اليوم في عدد من المجالات الجوهريّة، وعلى رأسها السّيطرة على تحرّك البشر والسِّلَع، وعلى الحيّزَين البحريّ والجويّ، وعلى السّجلّ السّكانيّ وعلى الغلاف الضّريبيّ، وادخال السلع والمواد المختلفة. إنّ طريقة سيطرة إسرائيل على حدود القطاع تنتهك بفظاعة حقوق الإنسان الأساسيّة وحريّة ما يزيد عن مليون شخص يسكنون في القطاع، وتؤثّر تاُثيرًا بالغًا على الاقتصاد والفقر في غزّة.
ومع أنّ مكانة القطاع القانونيّة هي محطّ جدل مُحتدم، لا يشكّك أحد في أنّ سيطرة إسرائيل بهذه الطّريقة لها تأثير بالغ جدًا. إنّه نوع سيطرة تنجم عنه مسؤوليّات، وهي مسؤوليّات تتنصّل منها إسرائيل اليوم باختيارها سياسة تفرقة قصوى بخصوص قطاع غزّة.