“انتهى الجهاد الأصغر وبدأ الجهاد الأكبر”، هكذا خاطب محمود عباس رجال الدين المسيحي في أوائل عام 2005 بعد عدة أيام من انتخابه رئيسا فلسطينيا.. حيث يعتبر الجهاد الأكبر هو الصراع داخل النفس البشرية على الاختيار بين الخير والشر، في حين أن الجهاد الأصغر، هو الحرب الفعلية, وفي ذلك الوقت، شهد هذا التعليق نهاية عصر واحد في السلطة الفلسطينية وبداية آخر جديد.
وشهد انتقال الفلسطينيين من نموذج واحد إلى آخر استمر ثلاثة أعوام من أواخر عام 2004 إلى 2007 حيث كان رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات قد مات، والانتفاضة الثانية انتهت، وبدأت أجهزة الأمن الفلسطينية تدريجيا استعادة السيطرة على المدن الفلسطينية والتصدي للفوضى. وفي الوقت نفسه، بدأت حماس الصعود السياسي إلى السلطة، حتى أنها سيطرت بالقوة على قطاع غزة، وأنشأت الكيان السيادي الخاص بها.
وأضافت صحيفة “يديعوت أحرونوت”أنه في السنة والنصف الماضية، كانت السلطة الفلسطينية في خضم النماذج المتغيرة. وهذا هو الوضع الخاص المعقد والحساس يعتبر النموذج الرئيسي الذي يتغير ببطء مع وجود عدد من الثقوب، ولكن لا أحد يعرف حتى الآن كيف ومتى سيكون النموذج المقبل وهل سيقود الفلسطينيين إلى شكل آخر؟.
يمكن أن يستغرق الأمر عدة أشهر أخرى-حسب يديعوت أحرونوت- كما يمكن أن يستغرق سنوات, والجميع يراقب العملية بقلق مثل الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، وبالطبع إسرائيل.
واستغرقت عملية إنشاء النموذج الحالي في الفترة من عام 2007 إلى عام 2015 على أيدي نظام عباس الذي استبدال الزي الرسمي، والكوفية والحافظة ببدلة ورابطة عنق, وبدأ التركيز على معركة المعارضة والدبلوماسية الدولية ضد إسرائيل، مع تلميح بالنضال الشعبي في شكل احتجاجات عادية اجتذبت عناصر دولية وإسرائيلية ويرجع ذلك إلى حقيقة أنها لم تضم أي استخدام للأسلحة النارية.
وفي الوقت نفسه، حاول رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض إنشاء مؤسسات الدولة في السلطة الفلسطينية. ووضع عباس نفسه كزعيم قوي لا يتزعزع. وجهازه الأمني كان يطيعه وفعالا، وكان عباس يقاتل عنصرين: حماس، التي أصبحت ضعيفة جدا في الضفة الغربية والتي تضررت بشكل يومي سواء من جانب أجهزة السلطة أو من قبل الجيش الإسرائيلي، والفدائيين في الضفة الغربية، والتي ظلت عملياتهم في معدل منخفض للغاية خلال تلك السنوات وندد بها لكونها غير شرعية وفق رؤية عباس.
وأوضحت يديعوت أحرونوت أن هذه المعركة حققت بعض النجاح، مثل الاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن استراتيجية فلسطين في تلك السنوات فشلت دبلوماسيا.
وفي العام الماضي، أدرك عباس البالغ من العمر 81 عاما أن الدولة الفلسطينية لن تنشأ خلال حياته.. وقال إنه تخلى عن إسرائيل وفقد الأمل بسبب عدم وجود أفق سياسي حقيقي، معلنا رغبته في ترك قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه نكث في نهاية المطاف عن قراره. وفي سبتمبر 2015، ألقى خطابا قاتما ويائسا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي كان واحدا من المحفزات لبداية تصعيد العنف. وفق يديعوت أحرونوت.
الضفة الغربية
هذه التحركات خلقت فوضى عارمة على التفكير في ما سيحدث في اليوم التالي لرحيل عباس. وما كان يخطر حتى ذلك الحين في أقصى تقدير أنه أصبحت المعركة مفتوحة تقريبا، مع جميع المتنافسين وتم إنشاء صفحات الفيسبوك للتمجيد والثناء عليهم في محاولة لبناء قاعدة دعم عامة لكل واحد.
وحتى الآن، الشخص الوحيد الذي أعلن نيته الترشح لمنصب الرئيس الفلسطيني مروان البرغوثي الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد بتهمة قتل الإسرائيليين. والبرغوثي يحظى بتأييد شعبي واسع في استطلاعات الرأي، ولكن يعتقد مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن شعبيته تنبع من حقيقة أنه سجين فلسطيني في سجن إسرائيلي، وأنه إذا كان حرا فإنه لن ينجح في الاستيلاء على قلوب الفلسطينيين. وقد يصبح البرغوثي نيلسون مانديلا في عيون العالم ويضع إسرائيل في وضع معقد بشكل خاص حال أصبح رئيسا سجينا.
البرغوثي
وداخل حركة فتح، هناك مَن يرون أنفسهم كمرشحين محتملين لمنصب الرئيس الفلسطيني القادم. مثل جبريل الرجوب وصائب عريقات، ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، والسياسي الهارب محمد دحلان، أو الشخصيات التي ستكون بمثابة نوع من حل وسط محتمل مثل سلام فياض، رامي حمد الله أو أحمد قريع.
ولكن لا أحد يعرف حقا مَن الذي سيكون. فعباس يرتدي حاليا ثلاث قبعات: هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس حركة فتح ورئيس السلطة الفلسطينية.
ويمكن تقسيم الخريطة الفلسطينية اليوم إلى المخيم الوطني ويتألف من أقرب مجموعة لعباس الذين يتبعون طريقه مثل صائب عريقات، الذي تمت ترقيته من قبل عباس لمنصب الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير, وماجد فرج رئيس المخابرات ونبيل أبو ردينة.
عريقات
ثم مخيم فتح الذي يتألف من أعضاء بارزين من حركة فتح مثل جبريل الرجوب، الذي يشغل أيضا منصب رئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني، وحسين الشيخ، الذى يتولى حقيبة التنسيق المدني وجزء من التنسيق الأمني مع إسرائيل. ومحمود العالول، رئيس فصيل الجيش بحركة فتح.
جبريل رجوب
أما معسكر دحلان فهو الذي ينتظر اليوم الذي يخلي فيه الرئيس الفلسطيني مقعده من أجل محاولة العودة إلى الضفة الغربية وإلى أحضان القيادة.
ودحلان الذي هو في الأصل من غزة خبير تسويق الأثرياء الذين بنوا ثروته مع مساعدة من دول الخليج والذي أقام علاقات جيدة مع نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، كذلك يحاول حاليا لتسويق نفسه كبديل لعباس وعقد مؤتمر في القاهرة لمناقشة مستقبل القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة.
محمد دحلان
وقد حاول شراء العناصر المختلفة في الضفة الغربية، بما في ذلك في مخيمات اللاجئين عبر ماله, والاحتمال الآخر هو أنه نظرا لحالة الطوارئ، سيتم إنشاء مجلس عسكري بعد رحيل عباس لحين إجراء الانتخابات، والمشكلة هي أنه خلال سباق القيادة، فإن المرشحين عادة ما يتبنون الخطاب ضد إسرائيل.
ووفقا لذلك، على مدى الأشهر القليلة الماضية مصر استدعت كبار مسؤولي فتح لإجراء مقابلات معهم حول اليوم التالي لرحيل عباس في محاولة لسماع آرائهم ووجهات نظرهم. وكانت هناك أيضا شائعات ملحة أن مصر والأردن والسعودية والإمارات اتفقوا على خريطة طموحة تمهد الطريق لدحلان كي يعود لفتح، وبعد تحقيق المصالحة الداخلية في الحركة، سيتم إطلاق محادثات لتحقيق مصالحة حقيقية بين فتح وحماس من شأنها أن تضع حدا للانقسام بين غزة والضفة الغربية.
وأخيرا، إنشاء جبهة فلسطينية موحدة لإطلاق مفاوضات جادة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك، أغضب هذا التدخل الخارجي المزعوم عباس، ونتيجة لذلك ألقى خطابا غاضبا قبل عدة أسابيع، انتقد عواصم دون ذكر أسماء البلدان بالتدخل في الشؤون الفلسطينية الداخلية.
وشددت يديعوت على أن عباس يدرك أن حكمه يقترب من نهايته، لكنه لن يكون أي شخص يفسد خططه المستقبلية. ولذلك قد بدأ مؤخرا تنظيف فتح وأزاح أربعة أعضاء تابعين لدحلان، وبالإضافة إلى ذلك، قرر عباس عقد المؤتمر السابع لحركة فتح.
( نقلا عن وكالة سما )