ليس واضحا حقا لماذا تثور ضجة حول "قانون التسوية"، الذي يرمي إلى تسويغ سلب الاراضي في عمونة وبشكل عام.
فمنذ قيامها، وليس فقط بعد "الاحتلال"، فإن دولة إسرائيل، وفي الغالب بدعم كامل من المحكمة العليا، تسلب وتأكل وتدهس وتقطع قرى واراض للفلسطينيين بلا انقطاع بدعاوى كاذبة وبذرائع مضللة، الخدعة في أساسها مكشوفة وواضحة لكل انسان، بما في ذلك بالطبع القضاة، في العليا وفي المركزية على حد سواء.
خذوا مثلا إقرث وكفر برعم. هاتان قريتان فلسطينيتان مسيحيتان في الجليل الاعلى، في نهاية 1948 استسلمتا بلا مقاومة للجيش الإسرائيلي. أمر الجيش سكانهما بترك القريتين لاسبوعين "لاسباب أمنية" – وهذا هو التعليل الصهيوني العادي، الدائم، الكاذب، لغرض الطرد، السلب والسطو على قرى وأراضي الفلسطينيين – ووعد بأن يتمكنوا بعد ذلك من العودة إلى قريتيهم، والوعد بالطبع لم ينفذ أبدا.
بعد ثلاث سنوات من ذلك وبعد أن تبين للمقتلعين أنه مر حتى الان اكثر من اسبوعين والوعد لم ينفذ، توجهوا إلى محكمة العدل العليا، وهذه أمرت حكومة إسرائيل بأن تسمح لهم بالعودة إلى قريتيهم. غير أنه بدلا من تنفيذ أمر محكمة العدل العليا أصدرت السلطات للملتمسين أوامر ابعاد عن قريتيهم "لأسباب أمنية". وأعطي للأوامر مفعول بأثر رجعي، أي – ابتداء من 1948. ولتثبيت أوامر الطرد هدم الجيش الإسرائيلي أيضا كل منازل إقرث.
وسارع المطرودون إلى محكمة العدل العليا كي تلغي شر قضاء الاوامر العسكرية، التي صدرت بخلاف لقرار محكمة العدل العليا نفسها، ولكن هذه المحكمة لم تجد مانعا في الاوامر العسكرية وردت التماسهم. مرت سنتان أخريان، وفي 1953 قصف سلاح الجو منازل القرية المهجورة كفر برعم. أراضي القريتين صودرت ووزعت بين الموشافيم (ابن مناحيم، شومرا، دوفيف وغورين) والكيبوتسات (ساسا وبار – عام، وكلاهما من مبام، اليوم ميرتس) اليهودية في المنطقة وبعضها اعلنت "محمية طبيعية".
مرت عشرون سنة اخرى، وفي 1972 عادت وقررت حكومة المعراخ (العمل اليوم) برئاسة غولدا مائير عدم اعادة المقتلعين إلى بيوتهم. حزب المعارضة، جاحل (الليكود اليوم) برئاسة مناحيم بيغن، أعلن ردا على ذلك أنه بالذات يؤيد عودة المقتلعين. ولكن ما أن صعد بيغن إلى الحكم، بعد خمس سنوات من ذلك، حتى أقام لجنة قررت هي أيضا عدم السماح للمقتلعين بالعودة إلى بيوتهم.
في 1981 التمس المقتلعون مرة ثالثة إلى محكمة العدل العليا وطلبوا إلغاء أوامر الابعاد ومصادرة اراضيهم، ولكن الالتماس رد "بسبب الزمن الطويل منذ صدور الاوامر"، وبتعليل أن "كل الاجراءات تجاه القريتين تمت في إطار القانون وانظمة الطوارئ".
في 1993 أقامت حكومة العمل- ميرتس- شاس برئاسة يتسحاق رابين لجنة بحثت في موضوع مقتلعي إقرث وكفر برعم على ما يبدو كجزء من اتصالات السلام مع الفلسطينيين، وهذه أوصت باعادة السكان إلى مساحة تمتد 1.200 دونم في منطقة القريتين. اما التوصية فلم تنفذ ابدا.
في 1997، عاد بالتالي السكان والتمسوا إلى محكمة العدل العليا بدعوى أن تسمح لهم بالعودة إلى قريتيهم، ولكن محكمة العدل العليا ردت الالتماس لتعليلين اساسيين: الاول هو ان ليس للدولة ارضا تخصصها للملتمسين، والثاني – انه مسموح للدولة الا تنفذ ما وعدت به في ظروف مثل هذه الحالة، والتي فيها "خطر في أن عودة المقتلعين من شأنها أن تشكل سابقة اشكالية من ناحية حق العودة".
ان هدم قرى فلسطينية، طرد سكانها، سلب اراضيهم وبعد ذلك تسوية قانونية زعما باثر رجعي، بخداع مشترك من الحكومة ومحكمة العدل العليا، هي جوهر قانون الصهيونية.
فلماذا إذن تقفزون فجأة؟ لماذا، ماذا حصل؟