استمرارًا لسلسلة الندوات التي ينظمها مركز "إعلام" لمناقشة التقرير الاستراتيجي مع عددٍ متنوّع من شرائح المجتمع مما يتيح المجال للتعمق في مسالة التحديات التي يوجهها مجتمعنا وسبل الحل لها، نُظمت، يوم الجمعة الفائت، وبالتعاون مع مجموعة "نعم للتغيير" في سخنين، ندوة تم من خلالها مناقشة التقرير الذي بدء العمل عليه قبل 5 سنوات من قبل مجموعة من الاكاديميين والقياديين الاجتماعيين والثقافيين في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.
وجاءت الندوة تحت عنوان "السيناريوهات المستقبلية الممكنة والتحديات التي تواجه فلسطيني الـ1948" حيث شارك بها كل من؛ د. ايمان نحاس، بروفسور أمل جمّال، د. رنا زهر، ود. منصور عباس، فيما ادارتها الناشطة د. دعاء غنايم.
وبدأت الندوة بكلمة ترحيبية من د. دعاء غنايم، التي رحبت بالحضور موضحة أنّه وبسبب الأحداث كان هنالك احتمال أن يتم الغاء الندوة وتأجيلها إلا أنه لاحقًا ومن منطلق إيمان أنها تصب في خانة التضامن مع الأحداث الأخيرة المؤسفة في ام الحيران قررنا المضي قدمًا وعقدها من باب العمل اكثر على رفع الوعي المجتمعي وتعزيز المعرفة لتحدياتنا، خاصة عند شريحة الشباب.
الندوة لا تقل اهمية عن المظاهرات
وفي كملته رحب بروفسور أمل جمّال بالحضور مشيرًا إلى أهمية عقد الندوة خاصةً في هذه الأيام التي أعلن فيها الحداد لأنه الندوة لا تقل أهميّة عن التظاهرات والتواجد في أماكن الحدث لاعتبارها نوع من التصدي.
وأوضح جمّال أنّ الحركة الصهيونية سجلت أكبر أنجاز تاريخي في الفترة التي أعلن فيها الفلسطينيون عن الإضراب في أعقاب أحداث الـ 1936، حيث استغلت القيادة الصهيونية كل مأزق فلسطيني لتسجيل "انجازاتهم" بناءً على ضعفنا وعلى ثغرة ابتعادنا عن النضال على الأقل في مستوى توعية الشباب الفلسطيني.
وتطرق بروفسور جمّال للوضع الحالي مشيرًا إلى تعاظم قوة اليمين في كافة المجالات، سياسيًا وعسكريًا، فحتى في المستوى العسكري والأمني بات يرأسها رجال يعدون على التيار اليميني غير الحريدي، مما يشير إلى قوة، الأيدلوجيا وليس الدين، في المؤسسة الإسرائيلية الحاليّة.
وأوضح جمّال الفرق بين الرؤية الدينية الصهيونية والرؤية الأيدلوجية الصهيونية التي تفرض أحقية على المكان حيث بات حاليا توافق وتطابق تام للرؤى مما يجعل مسألة تغير الوضع إلى استحالة.
وفي سياق النقب أوضح أنّ التحوّل السياسي الأخير، الذي لمسناه بشكل واضح في محاكمة الجندي معدم الشهيد عبد الفتاح الشريف (الئيور ازرياه)، يؤكد أنّ التحركات في النقب ومحاولة السيطرة على المكان، أم الحيران، يخدم الرؤية الأمنية التي تعتبر أم الحيران استيطان يوصل النقب بمستوطنات الخليل.
وأضاف بروفسور جمّال أنّ ترأس دونالد ترامب للولايات المتحدة وتفكك العالم العربي ساهم بشكل كبير في تعزيز هذا الخطاب الاستيطاني، حتى في النقب والجليل لاحقا.
وفي معرض حديثه عن التقرير قال جمّال أن التقرير جاء لتصويب المسار وتحويل نضالنا إلى مشروع سياسي يشكل بوصلة للقيادات، سواءً في الـ 48 او في الضفة الغربية وغزة.
وأشار جمّال إلى أن التصورات المستقبلية السابقة كان في الطريق الصحيح إلا أنها تحدثت عن المنشود فيما يتطرق التقرير الحالي إلى ما هو موجود وطريقه تحويل نضال إلى مشروع سياسي بصورة استراتيجية، يدفع كل الأطر، أحزاب وفصائل ومجتمع مدني، إلى التكاتف والعمل بصورة وحدوية.
وقال بروفسور جمّال أنّ التقرير بدأ بتعريف الواقع وأنّ الفلسطينيين يشكلون 20% من السكان وقوتهم تزداد يومًا، فـ 13% من طلاب الجامعات الإسرائيلية هم طلاب عرب، وهذه معطيات كفيلة أن تؤدي إلى تحوّل جذري في المجتمع العربي، ما يتطلب تحوّل في تفكيرنا الإستراتيجي في التعامل مع المؤسسة الإسرائيلية.
وقال إن التقرير مبني على عدة محاور وسيناريوهات، الأول احتمال قيام دولة واحدة ثنائية القومية والآخر قيام دولتين لشعبين فيما يركز المحور الثاني على طريقة الوصول للحل، هل هي تصادمية أم تصالحية وعن طريق الحوار.
ويوضح التقرير دور ووضعية العرب في كل السيناريوهات المطروحة خاصةً بعد أنّ ابعد الفلسطينيين في الـ 48 كلاعبين في مساعي حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والذي تجلّى في مسار أوسلو عام 1993.
وقال جمّال أن التقرير الأول شخص الوضع الحاليّ فيما تقوم المجموعة التي تعمل منذ 5 سنوات حاليًا على بناء استراتيجية عمل جديدة، وتأتي هذه الندوة، وندوات أخرى عقدت وستعقد بصورة مماثلة، من باب سماع التحديات التي تواجه جماهيرنا واحتياجاته لكي يتم بناء إستراتيجية تفصيلية للعمل. على مواجهة هذه التحديات والاستجابة لمتطلبات المجتمع.
تعريف الأقلية لذاتها
وفي مداخلتها قالت د. ايمان نحاس أننا في فلسطين الـ 48 مشرذمين، حزبيًا، سياسيًا، طائفيًا وجغرافيًا، وقبل أن نعمل على بناء إستراتجيات عمل وتحديات علينا أن نقوم بتعريف ذاتنا، من نحن، وكيف نقوم كـ In group بمواجهة الـ Out group، فهذا التعريف كفيل بتوجيه المؤسسة الإسرائيلية بطريقة التعامل معنا، اذا أظهرنا اننا مشتتين فسيتم التعامل معنا بناءً على ذلك.
وأوضحت د. نحاس أن التعريف الذاتي الإيجابي والقوي يحتاج إلى عددٍ من المقومات، فنحن شعب عانى من النكبة ويعاني من قمع مستمر، تمثل مؤخرًا بقوننة عدد من القوانين العنصرية، وعددت المقومات مشيرة إلى قيادة تعطي الحماس، تبدي الاهتمام بالقضايا الفلسطينية على مستوى الفرد، قادرة على أن ترعى شؤون الفلسطيني وتعزيز ثقته بها، الأمر الذي يحوّله إلى قوي تجاه ذاته وبالتالي تجاه أي مجموعة خارجية تنظر إليه.
واسهبت د. نحاس موضحة المهام الملقاة على عاتق القيادة لإيصال الفلسطيني إلى مرحلة الآمان، مشيرة أنه يتوجب عليها مأسسة المجتمع وخلق مؤسسات بديلة، سواءً ثقافية أو حقوقية وما إلى ذلك، قادرة على تعزيز هويتنا وروايتنا الفلسطينية التي باتت هشة بسبب مؤسساتنا التعليمية التي تعلم اطفالنا الرواية الإسرائيلية فقط مختزلة تاريخ كامل وأكبر مثال على ذلك الخرائط في كتب ما يُسمى بالموطن والتسميات التي تفرضها هذه الكتب.
وأكدت د. نحاس على أنّ عملية البناء الذاتي ومأسسة المجتمع يجب أن يرافقها شجاعة اختراق السقف الذي حددنا نحن أنفسنا به، من باب الرقابة الذاتية، ولاحقًا اختراق السقف الذي حددتنا به المؤسسة الإسرائيلية، إلا أنّ اختراق هذا السقف يجب أن يكون بصورة عقلانية دون استعمال الأدوات التي استعملها اسرائيل ضدنا وهي شيطنة الآخر ونزع الشرعية عنه.
محطات في الحركة الإسلامية الجنوبية
اما د. منصور عباس فتطرق من خلال مداخلته إلى محطات في الحركة الإسلامية الجنوبية والتحديات التي واجهت قيادة الحركة وكيف نجحت بالتغلب عليها.
وبدأ د. عباس بالتطرق إلى محطات في الحركة الإسلامية، مشيرًا إلى أنه وبعد أنّ هُجِّر معظم الأئمة والمختصين في الدين بعد الـ 48، توجه عام 1967 عدد من الأفراد إلى الضفة الغربية وغزة طالبين التبحر في أصول الدين والشريعة، وكان الشيخ عبد الله نمر درويش، مؤسس الحركة الإسلامية ، أول من تعلم اصول الدين والشريعة وعاد هنا مؤسسًا الحركة الإسلامية.
وأضاف د. عباس أنه لاحقًا تم اعتقال الشيخ نمر وآخرين بسبب تنظيم أسر الجهاد الذي اعتبر امتدادًا للحركة الإٍسلامية في الضفة الغربية وغزة وكانت تهدف إلى الالتحام من أجل مقاومة الاحتلال، الأمر الذي أدى لاحقًا إلى طرح تساؤلات جديدة منها ما هي أولويات الـ 48 وهل الوضعية القانونية تلزم العمل بشكل آخر، مما دفع التوجه إلى العمل المدني وبناء آلاف المساجد والمؤسسات الثقافية والصحية والإغاثة وهذا ما يعتبر نمط الأخوان المسلمين، أي بناء دولة داخل دولة.
وأوضح د. عباس أنّ هذه الانعطافة في اهداف الحركة الإسلامية لم تكن شكلية فقط إنما جوهرية، فضمن هذا القرار يندرج مسألة تسجيل الجمعيات بصورة قانونية مما يعني شرعنة إسرائيل.
وتطرق د. عباس إلى قرار الحركة الإسلامية عام 1987 عدم الانخراط في الانتفاضة الأولى ولاحقًا الانقلاب الأخضر بعد أن دخل ممثلي الحركة الإسلامية في انتخابات السلطات المحلية، كما وتطرق إلى قرار دخول الكنيست عام 1996 وانشقاق الحركة الإسلامية الشمالية عن الجنوبية.
وشدد د. عباس على أنّ الحركة الإسلامية لم تخض الانتخابات كخطاب سياسيّ عاطفي إنما باعتمادها على خطاب الوحدة واجتماع القوى، فسابقًا خاضت الحركة الإسلامية الانتخابات ضمن القائمة الموحدة واليوم تخوضها ضمن القائمة المشتركة.
وأضاف د. عباس في هذا المضمار أنّ الرؤية الشمولية، والوحدة التي نتجت لاحقًا بين الأحزاب، تدفعنا في الـ 48 إلى تقديم رؤية وتصور للقيادة الفلسطينية عامةً بضرورة تجاوز الانقسام وإنهائه لمواجهة التحديات، من ضمنها خطر الجماعات التكفيرية، التي تهدد مجتمعنا وتعتبر ادوات في انظمة المخابرات العالمية، وتقف على الحدود الإسرائيلية.
التهديدات الداخلية
بدورها قالت د. رنا زهر أنّ التقرير الإستراتيجي مستند مهم، ليس فقط من حيث الفحوى، إنما بسبب التوقيت، خاصةً بسبب الأحداث التي تعصف بمجتمعنا، حيث تعتبر هذه الأحداث مفصلية وهامة.
وشددت د. زهر أن المستند مميزّ بأنه إستباقيّ، يشخص الوضع ويبنى إستراتيجية عمل، ولا يعتمد على ثقافة ردود الفعل التي طالما ميزت عملنا النضاليّ.
كما وأوضحت د. زهر أنّ التقرير شموليّ، يضع وضعنا كأقلية فلسطينية، في السياق المحلي، العربي والعالمي، فالنظرة التي يستند لها واسعة وليست ضيقة.
مقابل ذلك، أوضحت د. زهر أن التقرير عدد التهديدات الخارجية إلا أنه لم يتطرق للتهديدات الداخلية، كالعنف عامة، والعنف ضد النساء خاصةً.
كما واشارت إلى تعامل التقرير معنا كأقلية فلسطينية كوحدة واحدة، دون أن يتطرق إلى التقسيمات الفئوية والحزبية، وهذا جيد إلا أنه لا يطابق الواقع.
وأوضحت د. زهر أنه ولأنه التقرير يتعامل معنا كوحدة واحدة كان من المفضل أن يناقش بصورة مفصلة عمل وأداء المؤسسات الجامعة لنا، سواءً من لجنة المتابعة أو القطرية، وما إلى ذلك.
وأكدت د. زهر على أن التقرير يجب توخي الحذر في زج جماهيرنا إلى سيناريو تصادمي، فتجربتنا وجرح عام 2000، لم يندمل بعد.
وإلى ذلك اضافت د. زهر أن تجربة الشعوب، خاصة التي وقعت تحت نير الإحتلال، تعد درسًا مهمًا يستوجب علينا دراسته والتعلم منه.
وأختتمت د. زهر كلامها بالتطرق إلى الحل النهائي موضحة أنّ حل الدولة الواحدة هو الأكثر عدلا وأخلاقية، وسابقًا تبنته الفصائل الفلسطينية جميعًا إلا أنها لاحقًا وبسبب الاصطدام بالواقع رجحت أن يكون حل الدولتين مقبول أكثر، وهذا ما يجب أن نعززه أو على الأقل أن نقوم بدراسة مستقبلية لأشكال الدولة الواحدة، التي لا زالت مبهمة بنظرنا، أي الأثمان تدفع لنحصل عليها وما هي الإيجابيات مقابل السيئات.
وانتهت الندوة بمداخلات قدمها المشاركون في الحوار حيث أكدوا على أهمية التقرير وعلى ضرورة أخذه بعين الاعتبار عدد من النقاط المهمة وهي؛ أن التشخيص الذي عرض تجاهل حالة التشرذم التي تعيش بها الجماهير العربية، وأكبر مثال على ذلك أن عمل القائمة المشتركة بصورة موحدة هو صوري فقط، وضع ومكانة وموقع اليهود خاصة التقدميين من صورة الحل النهائي للفلسطينيين، اختلافنا على وسائل وصور النضال، دور الشباب ومساهمته في التفكير الإستراتيجي، أي الحلول تطرح لتعزيز حل الدولتين، وفي معرض الحديث عن الحراكات الشعبية هل هذه الحراكات مبنية على انتماء أم أنها فقط هبات تنتهي بسرعة.
بقي أن نشير إلى أنّ مركز "إعلام" يرعى مشروع التفكير الاستراتيجي ويقدم له الخدمات اللازمة لإنجاحه، هادفاً الاستمرار في تحليل التحديات التي يواجهها المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل من أجل تقديم اوراق عمل متخصصة، تهدف الى تدعيم المجتمع العربي وتساعد في تنجيع دور القيادات العربية في التأثير السياسي والاجتماعي، من اجل تحقيق التجاوب من قبل كل الاطراف المعنية بما في ذلك مؤسسات الدولة مع احتياجات المجتمع وعلى رأسها القطاعات الشابة.