لائحة الاتهام المقدمة ضد ش.س غامضة وتغيب عنها التفاصيل مثلما هي الحال دائما في لوائح الاتهام المقدمة من النيابة العسكرية، خاصة في حالات رشق الحجارة. وقد جاء فيها: "المتهم المذكور أعلاه، بتاريخ 26 كانون الثاني (يناير) 2017، أو في تاريخ قريب، قام برشق حجر على حافلة وهي تسير من اجل الحاق الضرر بها وبركابها. أي: في التاريخ المذكور أعلاه، على شارع 465، أو في مكان قريب منه، رشق المتهم الحجارة على عدد من الحافلات المسافرة لالحاق الضرر بها أو بالمسافرين". والمدعية العسكرية التي وقعت على لائحة الاتهام، هي سيون شبايزر.
يبلغ طول شارع 465، 38 كم. الكلمة الغامضة "قرب" تؤكد على أنه لا توجد أدلة حول تاريخ ومكان تنفيذ المخالفة لدى النيابة، باستثناء الاعتراف. ومن السهل الحصول على الاعتراف من المتهم ش.س الذي قال بعد اطلاق سراحه إنه لم يقم برشق الحجارة.
ش.س هو أحد سكان بير زيت، وكان عمره 12.5 سنة عندما اعتقل في يوم الخميس الموافق 26 كانون الثاني. وهو واحد من بين 111 قاصرا فلسطينيا، حسب معطيات نادي الأسير الفلسطيني، الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي والشرطة في الضفة الغربية منذ بداية السنة وفي شرقي القدس اعتقل 125. القاضي العقيد شلومو كاتس وافق على الصفقة التي تمت بين النيابة العسكرية والمحامي خالد الاعرج، وحكم عليه مدة 31 يوما في سجن عوفر وثلاثة اشهر مع وقف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات وغرامة مالية بلغت 500 شيكل. وقد كان ش.س يمكنه الخروج من السجن في 29 كانون الثاني، أي بعد اعتقاله بثلاثة ايام، لو كانت والدته وافقت على دفع غرامة بمبلغ 5 آلاف شيكل.
"من أين سأحضر المال"، هكذا صرخت على المحامي في ساحة المحكمة العسكرية في عوفر عندما أبلغها باقتراح النيابة، "ماذا يريدون، أن نقوم بتمويل الاحتلال؟".
ش.س هو فتى طويل القامة، لكن وجهه يلائم سنه. وقد أطلق سراحه في مساء 26 شباط بعد اعتقال لمدة شهر. وقد قام بمعانقة والده وشقيقه اللذان انتظراه في حاجز عوفر منذ الصباح. وقد ابتسم للعدسات التي كانت تنتظر من الظهيرة. قافلة السيارات المتواضعة التي نقلته هو واصدقاؤه وأبناء عائلته من الحاجز الى البيت استمرت في اطلاق الصافرات ولوحت بأعلام فتح. ولكنه "لم يعد مثلما كان قبل الاعتقال"، قال والده بعد ذلك بأسبوع، "كان دائما يقوم بالمزاح لكنه الآن كف عن ذلك، وكان يتحدث كثيرا والآن هو يصمت. وقد وجد صعوبة في العودة الى الدراسة، ويصعب اخراج جمل طويلة منه، وأصبح يكتفي بقول خمس كلمات".
نسرين عليان، المحامية في جمعية حقوق المواطن، قالت إن قاصرين فلسطينيين كثيرين، الذين تم اعتقالهم، يتغيرون عند عودتهم الى البيت. وحسب القانون الدولي، قالت للصحيفة، فان مبدأ مصلحة الولد يجب أن يوجه افعال وقرارات السلطات بخصوص القاصرين. إلا أن هذا لا يحدث عند اعتقال القاصرين الفلسطينيين، ولم يحدث عند اعتقال ش.س ومحاكمته.
في هذه الاثناء يصادف مرور اربع سنوات على نشر تقرير اليونسيف، الذي جاء فيه إن اسرائيل تقوم بتعذيب الاولاد والفتيان الفلسطينيين المعتقلين بشكل كبير ومنهجي. ولكن التقارير حول استخدام العنف الجسدي والكلامي، والتهديد والاصفاد البلاستيكية المؤلمة والتفتيش العاري، كل ذلك بقي كما هو. رغم التقرير ورغم لقاءات ممثلي النيابة العسكرية مع ممثلي اليونسيف في أعقابه، فان الجيش والشرطة في الضفة الغربية يستمرون في الإجراءات التي تناقض حسب رأي المراقبين الميثاق الدولي لحقوق الطفل. هذا ما يتبين من الشهادات التي جمعتها منظمة "حرس المحكمة العسكرية" من أكثر من 450 قاصرا تم اعتقالهم في سنوات 2013 – 2016. "الحرس" تتشكل من عدد من الحقوقيين والباحثين الميدانيين التي مقرها في رام الله، وهي تتابع منذ 2013 شهريا التعامل مع القاصرين في الجهاز القضائي العسكري الإسرائيلي. وحسب الشهادات التي قامت بجمعها، 96 % من القاصرين الذين تم اعتقالهم في 2013، و92 % في 2016 تحدثوا عن تكبيل أياديهم اثناء الاعتقال، ومعظمهم بواسطة اصفاد بلاستيكية قالوا إنها مؤلمة جدا. 81 % و83 % على التوالي تحدثوا عن تغطية عيونهم، وفي العامين تحدث 60 % عن العنف الجسدي الذي تعرضوا له، و49 % و43 % على التوالي، تحدثوا عن العنف الكلامي.
نقاش عقيم
انتقاد الجمهور في البلاد والخارج حول هذه الاعتقالات واجراءاتها التي يتم سماعها منذ سنوات، ودعاوى الجمعية اضافة الى "يوجد حكم" واللجنة الجماهيرية ضد التعذيب ونادي الأسير الفلسطيني، كان موجودا قبل نشر التقرير وتحدث عن أوامر التغيير البسيط في التشريع العسكري (اقامة المحكمة العسكرية للقاصرين في 2009 لاول مرة منذ احتلال الضفة الغربية، وتغيير سن البلوغ من 16 الى 18 سنة). ولكن الشهادات المتراكمة تؤكد تعذيب القاصرين الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم، ويتم الاخلال بحقوقهم اثناء التحقيق معهم، وهذا ما جعل اليونسف تجري تحقيقا خاصا فيها. وتم نشر التوصيات والنتائج في آذار (مارس) 2013.
انطلاقا من ادراك عملية فحص اليونسيف وفي أعقاب الدعاوى المقدمة لمحكمة العدل العليا، أعلنت النيابة العسكرية عن تقليص تدريجي لفترة اعتقال القاصرين قبل عرضهم أمام القاضي: من 8 أيام الى 24 ساعة فقط لمن اعمارهم 12 – 14 سنة، يومان لمن اعمارهم 14 – 15 سنة، واربعة أيام لمن اعمارهم 16 – 18 سنة. وقد قالت اليونسيف في شباط 2015 إنه منذ آذار 2013 هناك محادثات مع السلطات الاسرائيلية حول حقوق الاولاد الفلسطينيين اثناء اعتقالهم، وحول الوسائل التي يجب القيام بها من اجل الدفاع عنهم. السلطات التي تم الالتقاء معها هي وزارة الخارجية، المستشار القانوني العسكري، المدعي العام العسكري في الضفة الغربية، الشرطة، مصلحة السجون ونائب المستشار القانوني العسكري. "لقد تركزت المحادثات حول تجربة الولد الذي يتم اعتقاله بسبب اتهامات أمنية في الضفة الغربية، والذي يتعرف على سلطات إسرائيلية مختلفة".
وقد تمت الاشارة الى عدة مبادرات، التي من ضمنها احضار الاولاد للتحقيق من خلال الاستدعاء وليس الاعتقال في الليل. ومنحهم نصا خطيا بالعربية كي يعرف القاصر أنه يحق له الصمت والتشاور مع المحامي. وجاء ايضا في مذكرة المستشار القانوني العسكري أنه يجب تغطية العيون فقط إذا كانت حاجة أمنية، والتكبيل بالاصفاد فقط حسب تقدير قائد الوحدة، وأن تكون بلاستيكية.
"وثقت به واعترفت"
تكبيل اليدين وتغطية العيون والعنف الجسدي والكلامي التي تظهر في معطيات منظمة "الحرس" هي جزء من العوامل التي تحول الاعتقال منذ البداية الى أمر مخيف. وهكذا يُعدون القاصر للتحقيق. وقد قال ش.س للصحيفة إن هذه كانت المرحلة الاصعب. كان في عطلة مدرسة ونزل الى الوادي، وهناك كان ولدان أكبر منه ومعهما حصان، "لقد هربا عندما ظهر الجنود بشكل فجائي. وأنا لا أعرف عددهم، لقد كانوا كثيرين". وقد قاموا بالقاء القبض عليه ووجهوا وجهه للارض. وقال إنهم ضربوه وكبلوا يديه وقدميه وعصبوا عينيه. وتم أخذه في الجيب العسكري وهو معصوب العينين الى موقع عسكري قرب شارع 465 في مفترق عين سينيا. وهناك، كما قال، قاموا بضربه مجددا وطلبوا منه الغناء، وقد رفض.
في الساعة الثانية بعد الظهر تلقى والده اتصالا بأن إبنه موجود في التحقيق في "رامي ليفي": الفلسطينيون يسمون مركز الشرطة في المنطقة الصناعية بنيامين على اسم السوبر ماركت الكبير هناك. وعندما وصل الى هناك كانت الساعة الثالثة. والى حين سمحوا له برؤية إبنه كانت الساعة 4:15، حيث كان التحقيق قد انتهى. "الشرطي المحقق قال لي إنني قمت برشق الحجارة. وأجبته أن هذا غير صحيح. فقال لي إنه سيطلق سراحي اذا اعترفت. فصدقته وقمت بالاعتراف"، قال ش.س للصحيفة. وقد تم السماح للوالد بالدخول لرؤية إبنه وهو مكبل ولم يسمح له أن يعانقه. وقد لاحظ أن ملابس إبنه قد مُزقت. وقال الأب للصحيفة: "المحقق قال لي إن إبني كاذب. فمرة قال إنه رشق الحجارة ومرة قال لا. فقلت له إن هذا مجرد ولد، وهو لم يرشق الحجارة واذا كان رشقها فهو لم يضر أحد. وأشار المحقق الى حافلة في الخارج وقال إن حجر رشقه ولد حطم وجاجها".
في العام 2013 قال 4 % من المعتقلين القاصرين الذين أعطوا شهاداتهم لـ "حرس المحكمة" بأنه تم السماح لهم بالالتقاء مع الوالدين اثناء التحقيق. وحتى 2016 زادت النسبة الى 5 %. وفي 2013 كان عدد القاصرين الذين سمح لهم بالتحدث مع المحامي صفر. وفي 2016 ارتفعت النسبة إلى 10 %. ويمكن أن ترتفع النسبة في هذه السنة بعد قرار القائد العسكري، العقيد يئير تيروش، الذي رفض في نهاية شباط شهادة قاصر في الشرطة لأنه لم يسمح له بالتحدث مع المحامي قبل بدء التحقيق معه.
حتى لو كان ش.س تحدث مع المحامي، فعلى الأكثر كان سيوصيه بعدم نفي ما نسب اليه، بل الاعتراف بما يطلب منه. محكمة الأدلة التي استدعي اليها رجال الشرطة والجيش يمكن أن تستمر لاشهر طويلة، أكثر من عقوبة السجن على مخالفة رشق الحجارة التي لم تضر أحد. وفي العادة تأمر المحكمة العسكرية باستمرار الاعتقال حتى انتهاء المحاكمة.
إن الاعتقال حتى انتهاء المحاكمة، كما كتبت عليان وزميلتها سفير سلوتسكر في تقرير الجمعية في كانون الثاني، يجب أن يكون الاستثناء وليس القاعدة. وحسب اقوالهما الحديث يدور عن سياسة موجهة ومناقضة لميثاق حقوق الطفل، ومناقضة لروح قانون الاطفال الذي يسري في اسرائيل، "الذي يسعى الى التأهيل بدل العقاب والاعتقال". إن اجراء المحاكمة في سياق الاعتقال وحتى انتهائها "قد يضر باحتمال وجود محاكمة عادلة لأن الاعتقال يزيد من فرصة عقد صفقة بدل الاعتقال لفترة متواصلة".
في محاكمة ش.س السريعة كانت والدته حاضرة، وعندما أجرت "هآرتس" المقابلة مع ش.س بعد اسبوع من خروجه من السجن، ابتسم ابتسامة عريضة عندما سئل ما الذي شعر به عندما شاهد أمه. وسأله والده "هل بكيت"، فأجاب "كيف لا؟".
جاء عن المتحدث بلسان الجيش: "الجيش الإسرائيلي يواجه في السنوات الاخيرة ظاهرة متزايدة وهي مشاركة الاولاد الصغار في المخالفات في مناطق يهودا والسامرة، ومنها مخالفات أمنية خطيرة. تنفيذ القانون على القاصرين يتم بأخذ اعمارهم في الحسبان. مثلا يقوم محقق اطفال بالتحقيق معهم، وفترة الاعتقال تكون قصيرة، وتتم مناقشة ملفاتهم أمام المحكمة العسكرية للقاصرين".
الجيش الاسرائيلي يهتم في الحفاظ على حقوق الاولاد القانونية ويأخذ سنهم في الحسبان. ممثلو النيابة العسكرية يتواصلون مع اليونسيف في الأمور المرتبطة بحقوق القاصرين، والادعاءات التي شملها التقرير الاخير. جنود الجيش الاسرائيلي يعرفون القوانين في التعامل مع القاصرين. وكل ادعاء عن هذه الحالة أو تلك سيتم فحصه والتدقيق فيه.