قيام الليل ما أعظمها من عبادة، وما أعظمها من مناجاة للمولى عز وجل، هذه العبادة التي يحرص عليه الكثير من المسلمين، ويسارعون إليه بهدف طاعة الله وكنوع من التقرب والتضرع والرجاء والشكوى إلى الله والطمأنينة والشعور بالراحة وصفاء النفس، وهي من العبادات التي لها طقوس خاصة وآداب وفضل عظيم في الدنيا والآخرة.
مفهوم قيام الليل
يقصد بقيام الليل عبادة الله ليلًا بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء، وذلك قد يكون لمدة ساعة واحدة من الليل، أو جزء منه، أو حتى كل ساعات الليل.
بالنسبة لصلاة القيام تكون ركعتين ركعتين، ومن الممكن أن تكون أربع أربع، ولكن الأفضل التثنية، وتختم صلاة القيام بركعة الوتر، وهي صلاة كغيرها من الصلوات من حيث أداؤها إلا أن أجرها وثوابها عند الله عظيم.
ومن المعروف أن وقت صلاة القيام يبدأ بمجرد الانتهاء من أداء صلاة العشاء، ويستمر حتى طلوع الفجر الثّاني، ولكن يعتبر الثلث الأخير من الليل هو أفضل وقت لقيام الليل، وعرف عن السلف الصالح أنهم كانوا على سبع طبقات في إحياء الليل بالقيام فمنهم من كان يحيي كل الليل أو نصفه أو ثلثه أو سدسه.
والجدير بالذكر أن هناك ما يسمى بقيام رمضان، وهذا خاص بالشهر الفضيل فقط، ويعرف باسم صلاة التراويح، وهي صلاة فضلها عظيم، وأجرها كبير عند الله إذ قال عنها رسولنا الكريم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
قيام الليل في القرآن الكريم
ذُكر قيام الليل في آيات الذكر الحكيم مرات عدة منها قول الله تعالى في سورة الزمر الآية 9 : "أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ"، وقوله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: "كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون".
قيام الليل في السنة المحمدية الشريفة
ذُكرت هذه العبادة الجليلة في مواضع كثيرة في السنة المحمدية الشريفة نذكر منها التالي:
• في الحث على صلاة القيام وبيان بعض فضائلها نجد قول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد".
• كما قال عليه السلام في فضل القيام أيضًا: "من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين".
أقوال السلف الصالح حول قيام الليل
• من أقوال الحسن البصري عن قيام الليل: "ما نعلم شيئًا أَشَدَّ من مكابدة اللَّيل ونفقة هذا المال، فقيل : ما بالُ المتهجِّدين من أحسن الناس وجوهًا ؟ قال : لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره".
• وفي حرص السلف الصالح على صلاة القيام قال الربيعُ : "بتُّ في منزل الشَّافعيِّ - رحمه الله - ليالي كثيرة، فلم يكن ينام من اللَّيل إلا يسيرًا".
• كان معرف عن أبي حذيفة انه يُحيى نصفَ الليل بالقيام والصلاة والذكر، فعند مروره ببعض الناس بالطريق سمعهم يقولون: "إنَّ هذا يُحْيى الليلَ كلَّه"، فقال لهم: "إنِّي أستحيي أن أُوصَفَ بما لا أفعلُ"، ومنذ ذلك اليوم حرص أبو حذيفة على إحياء الليلَ كلَّه بالقيام والتعبد إلى الله.
أجمل ما قال الشعراء حول قيام الليل
قال (إبراهيم بن الأدهم) في الترغيب على قيام الليل:
"قم الليل يا هذا لعلك ترشد إلى كم تنام الليل والعمر ينفد
أراك بطول الليل ويحك نائما وغيرك في محرابه يتهجد"
وقول الشاعر:
"يا رجال الليل جدوا رب صوت لا يرد
ما يقوم الليل إلا من له عزم وجِدُّ"
اختلاف الفقهاء حول حكم صلاة القيام
اختلف الفقهاء حول ما إذا كانت صلاة القيام واجبة أم أنها مستحبة، فذهب البعض إلى وجوبها مثل العالم الجليل الحسن البصري، وكذلك ابن سيرين، وذهب البعض الآخر إلى أنها مستحبة وليست واجبة وممن قال بهذا القول الأخير الإمام مالك وكذلك الإمام أبو حنيفة النعمان والشافعي وأحمد بن حنبل، وقال عن هذا الأمر القحطانيّ في كتابه شرح أصول الأحكام: "وقيام اللّيل سُنّة مُؤكّدة بالكتاب والسُنّة وإجماع الأُمّة".
أعمال تعين على قيام الليل
هناك بعض الأمور والأعمال التي لو استعان بها المسلم يسرت له أمر قيام الليل وإعانته على ذلك من هذه الأمور:
• عدم الإكثار من تناول الطعام والشراب، فيأكل ما يكفيه ويشبعه، وذلك لأن كثرة الطعام تجعل الإنسان يشعر بالثقل والرغبة في النوم.
• من المستحب أخذ فترة قيلولة بالنهار حتى تعين على صلاة القيام.
• ألا يجهد الإنسان نفسه بنهار اليوم بلا فائدة حتى لا يصاب بالتعب والإرهاق الشديد.
• من ينوي صلاة القيام الأولى له ألا يرتكب المعاصي بنهار اليوم، فكيف بمن يعصي متعمدًا وينوي القيام.
• أن يحرص المسلم على أن يكون قلبه خالي وسليم من الحقد على المسلمين، فهذه صفة ذميمة يجب الابتعاد عنها، كما يجب الابتعاد عن البدع فهي ليست من الدين والابتعاد عن فضول الدنيا والانشغال بها.
• علم قلبك عدم طول الأمل والخوف من الله، فلا شيء باقي ولا دائم إلا هو سبحانه وتعالى.
• لو علم المسلم مدى فضل قيام الليل وثوابه كان ذلك خير معين له على أداء هذه العبادة العظيمة.
• استشعار عظمة الخالق وحبه، وأن ينسى المسلم أثناء صلاة قيام الليل كل ما يشغل عقله من أمور الدنيا ويتجه بكل جوارحه لمناجاة ربه، إذا فعل ذلك سيشعر بلذة لا مثيل لها وصفاء ونقاء الروح وطمأنينة في النفس.