ابو بكر الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول الخلفاء الراشدين وأول من آمن من الرجال، رحلة طويلة من العطاء والإيمان والصدق، جولة سريعة نتقصى بها أخباره وأثاره.
ابو بكر الصديق خليل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه الصدوق، كان رضي الله عنه أول من آمن به وبرسالته من الرجال، وعلى طول حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الصحابي المقرب والدعامة الحية المتأصلة لرسول الله، لطالما كان الصديقان مترافقين في جل حياتهما، فها هما قبل الإسلام يترافقون في الأسفار والإقامات، الإبل بهم تسير في قلب الصحراء والحادي فيهم يحدو بالنداء، وابو بكر ومحمد يتفكرون ويتأملون في ميراث الوجود والحياة، يردد أبو بكر قول أحد الشعراء القدامي قائلًا: ألا من نبي لنا منا فيخبرنا ..... ما بعد غايتنا عن رأس مجرانا ، إنه يتوق مع صديقه ورفيق دربه إلى نبي ما يقودهم لربهم الحق الذي يطمعون في معرفته، فهم على غير اقتناع بما يعمد إليهم قومهم من عبادة لأوثان ثم وبكم لا تملك شيئًا لنفسها فضلًا عن أن تملك لغيرها، إنه الإيمان والإلهام الرابض في القلوب حتى قبل أن يتنزل على نبينا آيات التنزيل والوحي والرسالة.
دعم ابو بكر الصديق الرسول صلى الله عليه وسلم حين كانت الدعوة سرية حيث لم يتوقف هذا الدعم لدى الإيمان برسالته والاعتراف بالإسلام والديانة به، بل امتد ليدافع عن النبي الكريم وليزود عنه ما استطاع أمام أعدائه وأمام قومه أجمعين، ولم يتوقف الأمر لدى ذلك، بل كان رضي الله عنه مثالًا حيًا للسخاء ولتقديم المعونات المادة لفقراء المسلمين وضعافهم ممن استأثر به المشركن وأذاقوهم الويلات من أجل إثناءهم عن الدخول في الإسلام وإرجاعهم مجددًا إلى ملة الشرك وعبادة الأوثان.
فها هو بلال بن رباح أحد المسلمين الأوائل كان عبدًا لأحد المشركين، ومع ذلك أسلم سرًا وحسن إيمانه، اكتشف مالكه أمر إسلامه، فوبخه وعذبه وأذاقه الويلات، ها هو يجرجره على رمل الصحراء المتقد نارً في يوم شديد القيظ ، يتفتنن هذا السيد في إضعاف عزيمة عبده طمعًا في إثنائه عن موقفه من الإسلام، لكن العبد في المقابل مصر على المضي قُدمًا في رحلة يقينه وإيمانه الصلب، يتفنن السيد في إذاقته أولوان العذاب، ها هو بعد رمال الصحراء الحارقة يزيد حجرًا ثقيلًا على على بطن بلال، الحمل ثقيل على هذا العبد الواهن الجسد الضعيف الحيلة، ينادي رغم الاعياء أحد أحد معلنًا للكون كله عن إيمانه وتشبثه بالإسلام رغم ما ذاق من مرارات، لا منقذ هنا ولا أحدًا يزود عنه، ينادي بصوت الندي مجددًا معلنا الشهادة في مقابلة ظلم سيده وتعذيبه له، يعلن إسلامه رغم كل ما يمر به من عذاب، إنه اليقين في فرج الله، يأتي من بعيد رجل ليس ككل الرجال ، إنه ابو بكر الصديق صاحب رسول الله ورفيقه على طول حياته، ياتي رضي الله عنه ليعرض على هذا السيد شراء بلال منه، يعطيه هذا السيد ثمنً بخسًا لأنه في نظره وبإسلامه لا يساوي إلا ذلك، من فوره يوافق أبو بكر على إعطائه المبلغ وزيادة حيث أنه في نظره بلا يساوي الكثير بإيمانه وإسلامه، ليس للبشرة علاقة بما يحويه القلب، إن أحدكم ليبرز عن أخيه لا بمال ولا بجمال ولا بجاه، وإنما بتقوى تسري في أوصاله وصدق يتمه عمله، ها هو ابو بكر الصديق يحرر بلال من قبضة سيده المشرك الظالم، ولا يكتفي بل يُعلنه حرًا طليقًا معتوقًا لوجه الله، إنها التجارة مع الله يتمثلها ابو بكر رضي الله عنه كما يجب أن تتمثل، لم يكن بلال العبد الأول الذي يحرره ولم يكن الأخير، فقد عهد الطريق وذاق حلاوة التجارة مع رب العالمين.
ابو بكر الصديق يمارس دوره عبر التاريخ الإسلامي بكامله، من مرحلة لمرحلة هو نجم سام في سماء التأثير والإيمان، يقول النبي عنه فيما معناه لو وازنا إيمان أبو بكر في كفة وميزان الأمة كلها في كفة لكان إيمان ابو بكر الصديق اثقل، إنه الإيمان الخالص النقي يتساوى في أثره مع إيمان أمة بكاملها، حقًا إن الأمر متعلق في الأساس بالقلب وما فيه من صدق، صدق سخره الصديق على طول حياته للدفاع عن الإسلام وإعلاء كلمة الله في الأرض، فحضوره في المعارك كان قويًا كما حضوره بالأي في شتى المواقع والغزوات.
نراه في جوار النبي حين اشتد بالمسلمين إيذاء الكفار لهم، نراه يبادر إلى النبي منبهًا وحاميًا ومدافعًا عنه ما استطاع، المسلمون في مكة يتلقون ألوان العذاب، المشركون يجتمعون في دار الأرقم من أجل القضاء على أصل الرسالة ومنبعها، لقد اتفقوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، اتفقوا أن تعين كل قبيلة منهم رجلًا قوياً شابًا فتياً، يجتمع الرجال الشباب وينتظرون النبي لدى بيته ثم ينقضون عليه حين خروجه لصلاة الفجر، فيقتلونه وينتهي أمر الإسلام، الله تعالى أرفق بنبيه حين أوحى إليه بضرورة مغادرة مكة والهجرة وأمر أصحابه بذلك، أسر إلى ابو بكر الصديق بأمره فقال اله أن بجواره وسيترك كل شيء من أموال ودار فقط ليكون معه وبجواره.
أحضر ابو بكر ناقتين للرحلة وتجهز بالمؤونة وغادر هو النبي مكة قبل أن يتمع الرجال لدى بيت النبي ليقتلوه، غادرا الصديقان وطنهم متجهين إلى أرض جديدة هي يثرب، استراح في الطريق في غار حراء، بينما المشركين قد اكتشفوا خديعتهم فراحوا ينافحون الزمن من أجل اللحاق بهم والبحث عنهم، وصلوا للغار الذي فيه الرجلين فأعماهم الله على أن يروهما فيه، إنها عناية الله بعبديه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم صديقه ابو بكر الصديق ، إنها لمكانة عظيمة أن يذكر النص القرآني تلك الحادثة في نظم فريد وفي تعبير فريد يبين لنا مدى المقام والتشريف الذي وصل إليه ابو بكر الصديق.