كشف الكاتب الصحافي وديع عواودة في تحقيق واسع جديد، عن ارتفاع مقلق في أعداد حالات الطلاق داخل المجتمع العربي في البلاد، استنادا لمعطيات تكشف للمرة الأولى منذ عشر سنوات.
وتعكس معطيات المحاكم الشرعية التسع في البلاد، تصاعدا لافتا ومقلقا في نسب الطلاق، وهي ظاهرة لا تقل خطورة عن العنف وتفشي الجرائم في تمزيق النسيج الاجتماعي لفلسطينيي الداخل وسلامة مناعتهم. وهذا يستدعي تساؤلات حول دور المحاكم هذه وإمكانيات حدها من الظاهرة. وربما الأهم حول دور فعاليات المجتمع وفعالياته في زيادة وعي ومناعة ونضج الشباب ممن يقبلون على الارتباط قبل أن يقعوا بـ أبغض الحلال عند الله . في الضفة الغربية تعمل ” دائرة إرشاد وإصلاح أسري ” داخل كل محكمة شرعية لكن بالتأكيد هناك عوامل أكثر وأعمق خلف بقاء نسبة الطلاق في الضفة الغربية متدنية نسبيا(11% ).
وتعتبر هذه نسبة متدنية مقارنة مع نسبة الطلاق لدى فلسطينيي الداخل المسلمين حسب دائرة الإحصاء المركزية: ارتفعت نسبة الطلاق من 6.5% عام 1960 إلى 17% في 2011 وهي اليوم وبعد خمس سنوات فقط أعلى بكثير ( نسبة الطلاق عند اليهود في إسرائيل اليوم نحو 30% أما نسبة الطلاق العامة لكل السكان في البلاد فتنخفض لـ 22% مقابل 51% في الاتحاد الأوروبي).
أسباب الطلاق كثيرة
ويستدل من أحاديث خاصة مع كثير ممن خبروا تجربة الطلاق المتصاعد، أن مرده أسباب كثيرة ومتنوعة وأن نسبته كبيرة عند الأزواج ممن لم يمر على ارتباطهم خمس سنوات. من أهم هذه الأسباب وهي ليست حتمية ويمكن تلافيها: عدم معرفة كافية متبادلة للمرشحين للارتباط في فترة الخطوبة، فقدان التوافق بين الزوج والزوجين من الناحية الاجتماعية والمستوى الثقافي والاقتصادي، فارق العمر، عدم الوعي لمسؤوليات الحياة الزوجية أي عدم النضوج الكافي والزواج المبكر، سوء الوضع الاقتصادي(الفقر والبطالة الخ )، العنف ضد المرأة، الخيانات الزوجية، ثورة الاتصالات الألكترونية والمشاكل الأسرية والتدخلات من قبل ذوي الزوجين، وهناك من يضيف التأثر بالانفتاح على نمط الحياة الغربي والإسرائيلي واللجوء للمحاكم المدنية الخ.
لماذا إذن الزواج ؟
يستدل من تحقيق اجراه الكاتب الصحافي وديع عواودة أن المحاكم الشرعية في البلاد، لم تنتقل للنظام المحوسب إلا قبل عشر سنوات فقط، مما حال دون الاطلاع على معطيات الزواج والطلاق في الفترة السابقة. من أجل استنباط نسبة الطلاق داخل أي مجتمع بدقة تقتضي المعايير العلمية معرفة عدد حالات الزواج في كل سنة، ومتابعة مصيرها لاحقا، وتتبع التحولات في العقود الأخيرة، لكن المعطيات المتوفرة المحفوظة بالحواسيب لا تكفي فهي عن العقد الأخير فقط. أما محاولة تحديد النسبة المؤوية للطلاق من خلال مقارنة عدد حالات الزواج وحالات الطلاق في المنطقة الواحدة في سنة محددة، فهي محاولة مغلوطة ومضللة كما تؤكد لنا الباحثة في علم الاجتماع بروفسور خولة أبو بكر.
وتوضح الباحثة بروفسور أبو بكر أن مقارنة المتطلقين للمتزوجين بسنة معينة تقدم لنا مؤشرا فقط. ومع ذلك فإن هذه المعطيات هي فعلا مؤشرات تصاعد متفاقم بنسب الطلاق، ويتضح ذلك من خلال ملاحظة أعداد حالات الطلاق التي تتضاعف مرة ومرتين وأكثر أحيانا، في منطقة معينة في غضون ثلاث إلى خمس سنوات فقط.
محكمة حيفا
وفي المحكمة الشرعية في حيفا سجلت 358 حالة زواج فيما تم تسجيل 154 حالة طلاق في العام 2009 وارتفعت الأعداد عام 2014 إلى 472 زواج و 204 طلاق. وفي 2016 انخفض الزواج إلى 432 وانخفضت حالات الطلاق قليلا إلى 183 حالة.
وفي مدينة الطيبة تم تسجيل 770 حالة زواج و 138 طلاق عام 2009 أما في 2012 فقد تضاعف عدد الطلاقات : 286 حالة طلاق فيما بقي عدد الزواج على حاله : 790 حالة زواج. وفي 2016 زاد عدد الزواج إلى 949 زواج لكن الطلاق قفز إلى 342 حالة أي ضعفين ونصف الضعف عن عام 2009 ، بفارق ست سنوات فقط. وتقدم محكمة الطيبة خدمات لسكان المثلث الجنوبي.
والقدس المحكمة الشرعية يافا
وفي 2009 بلغ عدد حالات الزواج 366 حالة و 132 طلاقا وفي العام 2016 زاد عدد حالات الزواج إلى 478 حالة بينما الطلاق ارتفع لـ 236 حالة وهذا ارتفاع كبير بغضون ست سنوات. وهكذا في محاكم شرعية أخرى كـ الناصرة،عكا،باقة الغربية وبئر السبع. وهنا لابد من التنويه أن معطيات المحاكم الشرعية لا تعكس الواقع نتيجة انتشار ظاهرة تعدد الزوجات(والطلاقات أيضا) بشكل غير رسمي وخارج أروقة المحاكم.
ووفق النظام السياسي والقضائي في إسرائيل تتبع القدس لسيادتها، ولذا تخضع له أيضا المحكمة الشرعية في المدينة ومع ذلك نورد تفاصيلها فهي توفر فرصة للمقارنة مع القدس وربما مع الضفة الغربية خاصة أن ظاهرة الطلاق فيها مرتفعة بشكل خاص. في 2009 بلغ عدد حالات الزواج 1524 حالة و 596 حالة طلاق وفي 2012 ارتفع عدد الزواج قليلا وبلغ 1575 حالة بينما الطلاق قفز إلى 920 حالة طلاق.
وفي العام 2015 زاد عدد الزواج وبلغ 1748 حالة بينما ارتفع الطلاق إلى 1045 حالة طلاق ما يعني تضاعف العدد بعد خمس سنوات. وتقدم محكمة القدس الخدمات لأهالي المدينة البالغ عددهم نحو 240 ألف نسمة. وهنا تشير إدارة المحاكم الشرعية لعدة أسباب خلف استفحال ظاهرة الطلاق في القدس.
واعتبر مدير المحاكم الشرعية وقاضي محكمة الاستئناف الشرعية القاضي إياد زحالقة هذه المعطيات مؤشرا كافيا لارتفاع ظاهرة الطلاق لدى المسلمين في البلاد. نتيجة واضحة لتطورات اجتماعية طرأت على فلسطينيي الداخل بعد انتقاله من تقليدي محافظ لعصري ولم يكن انتقالا مدروسا سلسا. ويشير إلى أن العائلة كانت قيمة أساسية في مجتمع الأمس استبدلت بقيمة الفردانية والإنجاز الشخصي ولذا العائلة وقعت ضحية للعقلية الفردانية. كما يشير البحث عن” الكارييرا ” عند الرجل والمرأة فصارا يغلبان النجاح الشخصي على العائلة. ويضيف” كنا مجتمعا منغلقا وصرنا منفتحا ورافق ذلك تغيير في أنماط سلوكية لم تطن موجودة: اللباس وخروج المرأة وشبكات التواصل الاجتماعي وسرعة الاتصالات بين الناس. هذا الانفتاح السريع على الآخر ومن خلال الحيز الاجتماعية ؤ المفتوح كل ذلك يؤثر على العائلة التي كانت مغلقة.
الخيانات الزوجية ؟ هناك أسباب أخرى طبعا، هناك أسباب اقتصادية طبعا تضاف للفردانية الشخصية والحيز العام المفتوح.
هناك فارق في القدس ؟
” نفس الظروف ولكن الزواج المبكر منتشرة في منطقة القدس أكثر بكثير من الداخل وهي ظاهرة تضاعف المأساة لأن الزواج المبكر تزيد معاناة عدم التلاؤم بالحياة الزوجية أكبر. الطلاق يتم هنا بسن مبكر وأكاد أقول إن هذا السبب رابع. متوسط عمر الأزواج في القدس : 17-18 للبنات و 23-24 للأبناء.
الشرع الإسلامي أيضا فيه إشكالية ؟
”لا دعك من الشرع. هذه ليست المشكلة. زواج البنت ابنة الـ 18 هل هي مهيئة للزواج ؟ لكن لا تضع الشرع بالموضوع فشرعنا راق جدا. وأرقى منظومة إنسانية منذ آم حتى اليوم. على البنت أن تأخذ حقها بالتعلم مثلا قبل الزواج".
هل كنت ترفع جيل الزواج ؟
”لا ولكن كنت أهتم أن تكون هناك تهيئة للزواج بمنحها الحق بالتعلم وبالتهيئة الاجتماعية للزواج. المشكلة ليست بجيل الـ18 .
الأمور الاجتماعية كالفقر والرغبة بأن ”نستر” على البنت تلعب دورا في دفع الأهالي لتزويج بناتهن مبكرا “. المحاكم الشرعية لا تبذل جهودا لخفض عدد الطلاق من خلال التجسير والوساطة والمصالحة بين طرفي الخلاف ؟ تسارعون للضغط على زناد قرار الطلاق وربما بسبب كثرة الملفات وغيره ؟
”هذا غير صحيح. المحاكم الشرعية تمد يدها للصلح والمادة 4826 تدعو القضاة للعمل على الصلح في كل مراحل التقاضي وقضاتنا قضاة صلح. المشكلة بالمجتمع لا بالقضاة. كما نقترح أحيانا في بعض الحالات مصلحين أحيانا كعمل خير وأحيانا مدفوعي الآجر. ومصلحين يعني كعمل المجسرين ومهمتهم إصلاح بين ذوي البين”.