عمّم فضيلة الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة الدرزية، كلمته بمناسبة الزيارة التقليديَّة السنويَّة لمقام سيدنا النبي الخضر عليه السلام، جاء فيها:
وفي رحابك يا سيدنا الخضر - عليه السلام - نعود لنلتقي
مع إطلالة العام الجديد، نستهله بزيارة مقام سيدنا الخضر عليه السلام، التي نتفاءل بقدومها، ونستبشر خيرا بحلولها، مُبتهلين الى عزة الباري تعالى، طالبين من حضرته، سبحانه وتعالى، أن تكون السنة الجديدة، سنة خير وبركة، وصحة وعافية، ووفاق وسلام ووئام، وعطاء واستقرار وهدوء، لجميع أبناء الطائفة المعروفية، ولكافة أبناء الطوائف الأخرى.
نستقبل الزيارة التقليدية هذا العام، والإيمان الراسخ في النفوس، يبعث الدفء في قلوب أهل التوحيد، الزائرين الكرام للمقام الشريف، خاشعين ضارعين مُستغفرين المولى، سبحانه وتعالى، مُتمنين أن تكون هذه الزيارة، فاتحة خير وسلام ووئام وهدوء للجميع، وأن ينعم أبناء الطائفة أينما كانوا، وكافة المواطنين في هذه الديار وخارجها، بالاستقرار والسعادة والخير والرخاء.
عندما يلتَئم الشمل في أرجاء المقام الشريف، ويقوم الزائر بتأدية الصلوات بخشوع وتقوى إلى الله سبحانه وتعالى، ويحمدهُ ويشكرهُ على كل ما أنعم به علينا مِن نِعَمٍ، ويتضرّع إليه طالباً أن يُبقي على أبناء الطائفة المعروفية تحت كنفهِ وفي حمايته، في كل مكان وزمان، توّاقاً لاستمرار حفظ الهوية والشخصية التوحيدية قائمة ومعززة ومكرّمة أينما كان، يشعُرُ ونشعُرُ جميعنا وكأنه تعالى، قَبِل منا وتقبَّل واستجاب، جل جلالهُ، إنهُ السميعُ المُجيب.
وفي هذه المناسبة لا بُد لنا مِن أن نتذكر أنه عندما نتوجّه إليه، سبحانه وتعالى، طالبين رضاه وغفرانه، علينا أن ننظر إلى أنفسنا، أولاً، وأن نراقب أعمالنا، وأن نحاسب ذواتنا، وأن نتساءل، ما اذا كنا قمنا بواجباتنا، كموحدين مؤمنين، التي دعانا اليها ديننا الحنيف، تجاه مجتمعنا وذاتنا وخالق هذا الكون، العزيز الحكيم عزَّ وعلا، أم لا، وهل نحن ننفذ وصايا الأولياء والأنبياء والأجداد؟
لا شك أن طائفتنا، كباقي الأمم والشعوب، تمرّ اليوم بأزمات، على أشكالٍ مختلفةٍ، وهذا يشكّل تهديدا خطيرا لكل قيمنا وعاداتنا، التي حَفِظَتنا خلال ألف عام ونيِّف مضت، وعلى كياننا كأمةٍ مؤمنةٍ لها خصوصياتها وماضيها وحاضرها، ولكي نجتاز فترات التحوّل والعصف بنا علينا العودة الى رواسي التوحيد والتشبُّث والعمل بها.
علينا جميعُنا، أن نصحو، وأن نتنبَّه، وأن نبقى دائما في يقظة كاملة، لكل ما يحدث بداخلنا وحولنا، كي لا نفاجأ، ونقع بما لا يمكن إصلاحه فيما بعد. ولعل الأخطار التي تواجهنا توحّدنا، وتنهض فينا الهِمم وتوقظ الطاقات الكمينة، دافِعٌ كي نجمع قوانا، ونرسّخ جذورنا، ونُشمِّر عن سواعدنا ونعمل جاهدين كي نستمر في المحافظة على كياننا ووجودنا، بالشكل اللائق المحترم، وقد نكره شيئاً وفيه الخير لنا، وقد نُحب شيئاً وفيه الشر لنا، وعودتنا الى ديننا الحنيف تقينا مِن كل شر يتربص بنا.
إخواني الأعزاء،
لا زال إخواننا في سوريا يواجهون خطرا جسيما على وجودهم وبقائهم، وعلى هويتهم التوحيدية، رغم أن حِدة الحرب هناك قد خفَّت، ونحن ثقة، أن الله سبحانه وتعالى، لن يخذلهم، وأنهُ سوف يبعث فيهم العزيمة والقوة والقدرة على الصبر والصمود للتغلب على الأزمات التي تمر بهم ويمرون بها. قلوبنا كانت وستبقى معهم، ولهم منا وعلينا الدعاء ومد يد العون ما استطعنا اليهِ سبيلا، ولا شك أن إيمانهم وإيماننا العميق بمقدساتنا وبطاقتنا المستمدة من التوحيد، وتاريخنا المجيد، سوف يكون فيها ما يدعم صمودهم وصمودنا وبقاءهم وبقاءنا واستمراريتنا معاً على النهج القويم دائماً.
عليهم وعلينا الحرص على وحدة الصف، وتوحيد الكلمة، ولمّ الشمل، والابتهال إلى الله، سبحانه وتعالى، أن يفرِّج الأمور، وأن تُحلّ الأزمات، وأن تستمرّ طائفتنا التوحيدية الدرزية في مسيرتها التاريخية الخيرية السلمية، كما كانت عليه.
وكما يقلقنا الوضع في سوريا الحبيبة، تقض مضاجعنا أوضاع اخوانا واهلنا في لبنان، فما يحصل هناك مؤخرا، من نزاعات وخلافات داخلية، وتباعد في الأفكار، وزيغٌ في النوايا، يدعو الى القلق والحُزن والتخوّف مِن القادم، والمخفي أعظم. طائفة الموحدين الدروز في لبنان في أمس الحاجة لوحدة صف لدرء الخطر عن الكيان الدرزي. ليس بسرا أن قوىً خارجية تعمل على دق الاسافين بين أبناء الطائفة في لبنان مستغلة رواسب قديمة فعلى إخوتنا في لبنان تفويت الفرصة على تلك القوى لتبقى راية الطائفة في لبنان – مرقد السيد الأمير (ق) شامخة ومرفوعة. وبدورنا نسأل الله العلي القدير وببركة سيدنا الخضر عليه السلام أن يلهم مشايخنا واخواننا في لبنان، الحكمة والوعي والادراك لتفادي المخاطر، وان لا يكونوا سبيلا لتحقيق غاية الأشرار، الذين يسعون لتفريقنا واضعافنا من أجل تحقيق أطماعهم الدنيئة.
أما الأخطار المستترة الجسيمة التي تواجهنا فهي أقسى وأصعب وأشد، وهي تحوي الخطر الحقيقي على وجودنا، وتتفرّع إلى فرعيْن: الأول والذي يشمل الحسد والضغينة والحقد، وغيرها مِن الخصال السيئة، التي يحث الشيطان على اتباعها والقيام بها، فيؤلّب احدنا ضد أخيه، ويحرّضه على جاره، ويثيره على زميله، ويدفعه إلى التخريب عليه، والانتقاص مِن حقه، وعدم تقديم المساعدة له.
لقد خصنا الباري برواسٍ لديننا الحنيف مِن أهمها مبدأ "حفظ الإخوان"، الذي يدعونا الى أن يدعم الواحد منا الآخر، وهذا، وللأسف، ما يتجاهله قسم مِن ابناء الطائفة ولا يعملون به، الاَّ في الشَّدائد، وعندما ننعم بقليل من الرَّخاء، ونشعر ببعض الاستقرار، فلا يهدأ لقِلَّةٍ بال، إلا إذا حطّم واحدهم الآخر، متناسين جميع الفرائض والتوصيات، والتعاليم والارشادات. فلو توحدت القوى والطاقات في المجتمع الدرزي، وسَخَّر هذا المجتمع جميع طاقته وقدراته في اتجاه مشترك، لاستطاع أن يحقق الكثير من الإنجازات التي تعود عليه بالخير والبركات، ولكن، وللأسف الشديد، هناك من يعمل عكس ذلك، فيدير النار لقُرصة، ضارباً بالمصلحة العامة ومصلحة الآخر عرض الحائط.
أما الخطر الثاني الذي نعاني منه، ويشكّل خطرا كبيرا علينا، دون أن نشعر، هو الانجراف الشديد، خلف نعومة الحياة ومباهجها وملذاتها، مستغلين بالشكل السيئ، التقدم والتطور، مُقلعين عن جميع الفضائل والقيم والتعاليم التوحيدية.
المجتمع الدرزي هو مجتمع متطور نابض، يسير مع الحياة، ويواكب تقدم الإنسانية، وهذا حسنٌ وجيد، ولكن كل جديد يجب أن يُتخذ بعقلانية وبقدرٍ محسوب، وليس بالانجراف الكلي خلف الجاهلين بالأصول والمفاهيم التوحيدية، وتقليد الغير تقليداً أعمى، كما يفعل الكثيرون من ابناء الطائفة، يأخذون عن الغير عاداته وتقاليده السيئة دون تفكير وتمييز، فيتبنونها ويعملون بها، عاملين دون وعي على إفساد المجتمع التوحيدي وزلزلة اركانه.
هذه من أصعب وأشد المخاطر التي تواجهنا، والذي يجب في هذا اليوم المبارك، الذي تلتئم مجالسنا فيه بحضور شيوخ الطائفة، في باحة مقام سيدنا الخضر عليه السلام، أن نفكّر فيها، وأن نناقشها ونعمل على تفاديها وتجنبها ومكافحتها، وأن نعمل على أن نجد الطرق والوسائل، لكي نستطيع أن نتغلب عليها، إذا وجدت، حتى نكمل مشوارنا في هذه الحياة، يحدونا الأمل، أن نصل إلى ما نصبو اليه ونحلم به، كطائفة توحيدية لها جذور، ولها ماض عريق، ولها مستقبل زاهر.
نهايةً، أبثكُم تحياتي وتهانيّ القلبية، الى أبناء الطائفة الدرزية في كل بلدان الشرق وفي المهجر، متمنياً على الله، سبحانه وتعالى، أن يوفق الجميع، ضارِعاً إلى حضرة سيدنا الخضر، عليه السلام، أن يقف إلى جانب هذه الطائفة في محنتها، وأن يلهم ابناءها القوة والشجاعة والبأس والإقدام، كما عهدناها سابقا، كي تتغلب على كافة الأخطار الظاهرة والمستترة التي تواجهها. حفظكُم المولى، جل وعلا، وسدد خُطاكُم.