كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، اليوم الإثنين، أنّ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المرتقبة للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المعروفة بـ"صفقة القرن"، من المحتمل أن تسقط ضمان إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة.
ونقلت الصحيفة، في تقرير، عن أشخاص مطلعين على العناصر الأساسية من الخطة، أنّ ترامب يعد فيها، بـ "تحسينات عملية" لحياة الفلسطينيين، من دون مزيد من التفاصيل.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه من المتوقع أن يقوم البيت الأبيض بطرح الخطة، في وقت لاحق من هذا الربيع أو أوائل الصيف، بعد أكثر من عامين من العمل عليها، بقيادة مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر.
وأبقى المسؤولون تفاصيل الخطة "سرية"، لكن تعليقات من كوشنر ومسؤولين أميركيين آخرين، وفق الصحيفة، تشير إلى أنّ الخطة تلغي إقامة دولة فلسطينية، كمقدمة لانطلاق جهود السلام، كما جرى التعارف عليه، على مدى العقدين الماضيين.
وقالت الصحيفة إنّ الخطة تمثّل سعي ترامب لوضع "بصمة" على سجله الدبلوماسي، ومن المرجّح أن يركز فيها بشدة على "المخاوف" بشأن أمن إسرائيل.
وأضافت أنّ ترامب أخبر أصدقاءه بأنّه يريد أن يغيّر "الافتراضات التقليدية" حول كيفية حل الصراع المستمر منذ 1948، مشيرة إلى أنّ ترامب، وعلى نقيض دبلوماسيته الشخصية غير العادية مع كوريا الشمالية، استعان إلى حد كبير بصهره بخصوص "صفقة القرن".
ولفتت في هذا الإطار، إلى أنّ معظم المحللين، يمنحون كوشنر "فرصة ضئيلة" للنجاح في هذا الملف، حيث فشلت جهود الولايات المتحدة على مدى عقود، مشيرة إلى أنّ هذه الاحتمالات الضئيلة تتفاقم، في ظل تقدير زعماء أوروبيين وبعض الزعماء العرب، بأنّ ترامب أظهر أوراقاً قبيل الخطة، من خلال سلسلة إجراءات منحازة لإسرائيل.
ونقلت "واشنطن بوست"، عن أشخاص تحدّثوا مع فريق كوشنر، قولهم إنّ كوشنر ومسؤولين أميركيين آخرين ربطوا بين السلام و"التنمية الاقتصادية" والاعتراف العربي بإسرائيل، وقبول نسخة تحاكي الوضع الراهن بشأن "الحكم الذاتي" الفلسطيني، بدلاً من "السيادة".
وقطعت السلطة الفلسطينية، كل الاتصالات الرسمية مع إدارة ترامب، في ديسمبر/كانون الأول 2017، على خلفية قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
وكشفت الصحيفة أنّ كوشنر وصف خطوة المقاطعة الفلسطينية بأنّها "قصيرة النظر"، لكنّه أشار أيضاً إلى أنّ القرار بشأن القدس كان "ميزة" محتملة، وقال أمام اجتماع بالسعودية، في فبراير/شباط الماضي، إنّ ترامب يفي بكلمته، وبالتالي يمكن أن يكون "وسيطاً موثوقاً فيه" من أجل السلام.
وقال شخص مطلع، للصحيفة، إنّ الاجتماع الذي انعقد في 26 فبراير/شباط الماضي، في الرياض، شمل مثقفين وكتاب رأي سعوديين ومسؤولين حكوميين، وتم اختيار المشاركين فيه من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ ولي العهد السعودي الذي أقام "علاقة وثيقة" مع كوشنر، يُعتبر أكثر دعماً لـ"صفقة القرن" من والده الملك سلمان.
وقال الشخص المطلع على الاجتماع، لـ"واشنطن بوست"، إنّ كوشنر "استمع إلى نقاط وأسئلة حرجة، لكنّه لم يكن مستعداً للتفكير في النقد وكان يدافع عن أفكاره"، مضيفاً أنّ كوشنر "بدا أنّه فوجئ عندما علم بأنّ معظم الناس في الغرفة كانوا ينتقدون خطته، وأخبروه بأنّ الملك سلمان أكد على حقوق الفلسطينيين".
وبعد التأجيل المتكرر لطرح الخطة، رجّحت الصحيفة أنّ الإدارة الأميركية سوف تنتظر على الأقل حتى يتم تشكيل حكومة إسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، وربما حتى بعد احتفالات الفصح وشهر رمضان، لطرحها.
وقال مسؤول أميركي فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"واشنطن بوست": "لا نزال نزن مجموعة متعددة من العوامل. لا يزال العمل جارياً على تحديد التوقيت، ولم يتم اتخاذ أي قرار في هذا الوقت بشأن موعد طرح الخطة".
"مساهمات مالية"
وقالت الصحيفة إنّه من المتوقع، في المقابل، أن تمنح الخطة عشرات المليارات من الدولارات، وفق حزمة مساعدات للضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ومليارات أخرى لمصر والأردن، الدولتين العربيتين اللتين تطبّعان وفق اتفاقات مع إسرائيل.
وذكر محللون، وفق الصحيفة، أنّ كوشنر كان "أقل حرصاً" على مناقشة المساهمات المالية للولايات المتحدة، مشيرين إلى أنّه ليس واضحاً ما إذا كان الكونغرس سيدعم أي إنفاق أميركي واسع النطاق، لخطة لا تعد بدولة فلسطينية.
وقال غيث العمري، المستشار السابق في السلطة الفلسطينية، والمحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنّ دول الخليج "طُلب منها دعم الجزء الاقتصادي مالياً" خلال جولة كوشنر الأخيرة، مضيفاً: "من زاوية مهذبة، كان الجواب الذي قدموه: أخبرنا أولاً، عما يفترض أن ندفع مقابله. لم تكن هناك التزامات".
وفي المقابل، نفى مسؤولون أميركيون، للصحيفة، أن تكون حزمة المساهمات المرتقبة في الخطة، بمثابة "تعويض" عن المطالبات الفلسطينية.
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى، فضّل عدم الكشف عن هويته، للصحيفة، إنّ "الخطة الاقتصادية لن تكون نافذة إلا إذا دعمتها دول المنطقة.
هذا جزء مهم جداً من المعادلة الكلية. لكن هذا ليس سلاماً اقتصادياً كما يروّج. نحن نأخذ بجدية كلا الجانبين؛ السياسي الذي يتعامل مع جميع القضايا الأساسية، والجانب الاقتصادي".
ومن المفهوم عموماً، بحسب ما تلخّص "واشنطن بوست"، أنّ القضايا الأساسية في "صفقة القرن"، تشمل الحدود والمطالبات الفلسطينية بأراضٍ أصبحت الآن تحت سيادة إسرائيل، ووضع القدس.
وأشارت الصحيفة إلى أنّه في المفاوضات التي أُجرِيت في عهد ثلاثة رؤساء أميركيين، كانت هذه القضايا، عناصر لمقترحات من أجل إقامة دولة فلسطينية منفصلة في الضفة الغربية وغزة، وكان هذا هو المقصود عندما تحدث المفاوضون الأميركيون عن تسوية سياسية، "أما هذه المرة، فليس من الواضح ما تعنيه الولايات المتحدة"، وفق الصحيفة.