اصدرت مجموعة الحقيقة الأرثوذكسيّة بيانًا تحت عنوان "أوقافنا قضيّة وطنيّة ووجوديّة" جاء فيه:
"المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة".
مع اقتراب يوم 6/1/2020، يوم الاحتفالات بمولد مخلّص البشريّة يسوع المسيح (له المجد) من كلّ شرورها وتطهير روحها ورفع الظلم والاضطهاد والتعسّف والاستعباد عن نفوس البشر من كلّ طاغٍ وظالم ومستبد، نرى ونحن نتابع تفصيليًّا حالة الانقسام الآخذة في التصاعد والتعمّق في الجسم الأرثوذكسيّ وتجمّعاته في البلدات والمدن، وعلى مستوى المؤسّسات والتجمّعات في ما يتعلّق بكيفيّة الاحتفال بهذه المناسبة الدينية والوطنيّة المقدّسة في مدينة المهد، بيت لحم، الأمر الذي يثير القلق والتخوّف وطرح علامات تساؤل واستفهام كبيرة وعديدة حيالها.
في عام 2010، اصطفّت وتوحّدت جميع المؤسّسات الأرثوذكسيّة على موقف مقاطعة البطريرك ثيوفولوس الثالث، وعدم استقباله في مدينة بيت لحم وتحت شعارات وطنيّة تندّد وتدين حالة الفساد في البطريركيّة وبيع وتسريب العقارات والأراضي الوقفيّة للاحتلال. كان الهدف من إعلان المقاطعة هو تصويب أوضاع البطريركيّة وخلاصها من حالة الفساد، بغية الحفاظ على ما تبقّى من عقارات وأراضٍ وقفيّة، والعمل على استرجاع ما جرى تسريبه والتفريط به. وقتذاك، تناغم المستوى السياسي الفلسطينيّ، وعلى رأسه الرئيس محمود عبّاس (أبو مازن)، واستجاب للمطلب الشعبيّ وقاطع مع شعبه استقبالَ تاجر العقارات ثيوفولوس، فكان 6/1/2010 يومًا مميّزًا وعلامة فارقة في كيفيّة المزج بين الاحتفال الدينيّ والاحتفال الشعبيّ، وكذلك بين الموقف الشعبيّ الوطنيّ والموقف السياسيّ الرسميّ. الكل كان في موقع الدفاع عن الأوقاف وهُويّتها لكونها قضيّة وطنيّة ووجوديّة... فكان ذاك يومًا ولا أبهى.
لكن منذ ذلك التاريخ أخذ الوضع في التغيّر تدريجيًّا لضرب هذا النموذج وعدم تكراره، ونحن ندرك أنّه من "الطبيعيّ" أن تعمل مؤسسة الفساد في البطريركيّة على ضرب هذا النموذج، في محاولة لتصفية الحراك الوطنيّ المناهض لتسريب الأوقاف، لكن لم يكن مفهومًا ولا مقبولًا أن تتحوّل اللجنة الرئاسيّة السابقة إلى عنصر فاعل من عناصر حالة الانقسام، وتعمل لمصلحة البطريرك الفاسد على حساب أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة وقضاياها الوطنيّة الخاصّة بمحاربة الفساد ووقف عمليّات تسريب وبيع الأوقاف الأرثوذكسيّة، ليصل الأمر عند هذه اللجنة الرئاسية إلى حدّ مخاصمة الحراك الوطنيّ الأرثوذكسيّ، وبلغ حدودَ العمل على إجهاض أو إعاقة عقد المؤتمر الوطنيّ لدعم القضية الأرثوذكسيّة في تشرين الأوّل عام 2017 في بيت لحم، والتدخّل المباشر لدى قيادات سياسيّة ومجالس طوائف في مناطق الـ 48 لثَنْيهم عن اتّخاذ موقف جادّ وفعليّ، بل طلبوا من البعض الخروج عن إجماع مؤسّساتهم وموقفهم الموحَّد، على الرغم من أنّ البطريرك ثيوفولوس لم يلتزم بتعهّداته الخطّيّة التي قدّمها للسلطتين الأردنيّة والفلسطينيّة منذ عام 2005 حتّى يومنا هذا، بل لقد تصاعدت بسرعة قياسيّة عمليّاتُ تسريب الأراضي والعقارات بالعشرات بيعًا مبرَمًا بعقود ونقل ملْكيّات لصالح الاحتلال وجمعيّات الاستيطان الصهيونيّ في فلسطين المحتلّة عام 48، وفي الأراضي المحتلّة عام 1967، فضلًا عن تصفية كامل أراضي بيت جالا ومنطقة الخضر 04/2019 وبيت ساحور الجاري التخطيط المتقدّم لها وعلى أراضي دير مار سابا.
لقد كان مؤتمر بيت لحم عام 2017 مؤتمرًا وطنيًّا بامتياز، إذ فيه استعادت المؤسّسات والفعاليات الأرثوذكسيّة وحدة موقفها في مناطق الأراضي المقدّسة كافّة، وبمشاركة جميع قوى وفصائل منظمة التحرير الفلسطينيّة والتنظيمات الوطنيّة، وبتمثيل رفيع المستوى بالرئيس أبو مازن ممثَّلًا بالأخ محمود العالول (أبو جهاد)، وصدرت عن المؤتمر وثيقة تاريخيّة تعزّزت نصوصها وبنودها في قرارات المجلسين المركزيّ والوطنيّ الفلسطينيّ. ومنذ ذلك التاريخ حتّى يومنا هذا، نشهد من البطريرك المعزول ثيوفولوس وحاشيته ومعاونيه، أو في عهد اللجنة الرئاسيّة السابقة أو الحاليّة، نشهد محاولات محمومة لضرب مقرّرات المؤتمر الوطنيّ الأرثوذكسيّ والخروج عنها بشتّى الطرق والوسائل والأدوات.
وعليه فإنّنا نسجل التالي:
من الذي تغيّرت مواقفه وسياساته؛ البطريرك وزمرته الفاسدة أم بعض من المستوى السياسيّ الفلسطينيّ الرسميّ؟
هل توقّفت عمليّات تسريب وبيع الأراضي الوقفيّة؟ صفقة قرية الخضر موقَّعة في 3/4/2019، في عهد اللجنة الرئاسية الحاليّة، وفي ظلّ قرار منع تصرف البطركية أو بيع أي عقارات إلّا بموافقة اللجنة الرئاسيّة... هل شاوركم بشأنها؟ هل وافقتم؟
لماذا يُحال ملفّ الشكوى الجزائيّة ضدّ البطريرك ثيوفولوس ومَجمعه إلى المستوى السياسيّ قبل البتّ فيها؟! أهو بطلب من المستوى السياسيّ أم لا؟ في الحالتين هو تنازل من سلطة القضاء عن استقلاليّتها وإعطاء المستوى السياسيّ مجالًا للتدخّل في مسار الشكوى الجزائيّة.
هل من مهامّ اللجنة الرئاسية العليا تنظيم وإخراج الاحتفالات والمناسبات الدينيّة، والتدخّل في كلّ بلدة ومدينة ومؤسّسة من أجل كسر الموقف الوطنيّ الداعي إلى عدم دعوة واستقبال خائن الوطن والكنيسة والأمانة ثيوفولوس بذريعة "أنّنا استطعنا وقف عمليّات البيع أو التصرّف إلّا بمعرفة وموافقة اللجنة الرئاسيّة"... فهل عفا الله عمّا سلَفَ مِن بيوعات؟
لمصلحة مَن هذا الضغط على المؤسّسات والشخصيّات لاستقبال ثيوفولوس بما يعمّق حالة التوتّر والانقسام في أوساط أبناء الكنيسة؟ ولمصلحة مَن قمع الحرّيّات ومصادرة حرّيّة التعبير عن الرأي والموقف والوطنيّ والدفاع عن أرض الوطن والتلويح بالقوّة واستخدام العنف، فهل يليق بسلطة وطنيّة أن تظهر بمظهر المدافِعة والحامية لخائن، وتقمع مواطنيها وتصادر حقهم وحريتهم في التعبير؟!
وأخيرًا...
من أجل ماذا ولمن؟ حفاظًا على "ستاتيكو"؟! أيَّ ستاتيكو يمثّل ثيوفولوس، وإسيخيوس الفاسد أخلاقيًّا، ويواكيم المختلس، وإريسترخوس الكاذب؟! هل بهذا ستكون صورتنا "إيجابيّة أمام العالم"؟! إذا كان الستاتيكو له مضمون غير علاقة الكنائس بعضها ببعض، ويعني الحفاظ على الوضع القائم، فهذا البطريرك قد خرق هذا المضمون عشرات المرات، بعشرات الصفقات، وهو بفساده وتواطُئه مع الاحتلال يغيّر الوضع القائم كلّ يوم لصالح الاحتلال، وضد مصلحة القضية الوطنيّة كما أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة، بل إنّه فعليًّا يحتقر قانونًا سياديًّا هو قانون البطريركيّة رقم 27. أمّا إذا كان معنى الستاتيكو فقط الحفاظ على دخوله لبيت لحم كرئاسة روحيّة، فأجدادنا قد نزعوا عن أيّ رئاسة روحية قداستها في انتفاضة عام 1909، وفي الأعوام 1930 - 1934 حين رفضوا انتخاب بطريرك جديد إلّا بتحقيق مطالبهم العادلة، ولم يعترفوا بانتخاب البطريرك آنذاك، وقاطعوه لأربع سنوات متواصلة. أمّا في ما يتعلّق بالعلاقات العامّة والحسابات الدوليّة، فهذه لا تقدّم ولا تؤخّر في شيء، فالقيادة السياسيّة قدّمت كلّ التنازلات وتعاطت بمرونة سياسيّة مع كلّ المبادرات لتحقيق السلام دونما فائدة، وتَبَيَّنَ أنّ الرهان على ذلك مجرّد وهم وخيار بائس لم يولّد سوى صفقة القرن للإجهاز على قضيّتنا وشعبنا لصالح دولة الاحتلال.