تتوالى التحقيقات الأممية والّتي تتّهم اسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية في غزّة واستخدام العنف الجنسي كإستراتيجية حرب ضد الفلسطينيين - ليس تخمينيًا، وإنمّا اعتمادًا على وقائع استندت إليها لجان التحقيق التابعة للأمم المتّحدة.
فور نشر التحقيق في الإعلام المحلي والعالمي، سارع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لمهاجمة مجلس حقوق الإنسان التّابع للأمم المتّحدة واصفا أيّاه بالـ"سيرك".
وفي التفاصيل، صدر تحقيق عن لجنة خاصة تابعة للأمم المتحدة، الخميس، إلى أن إسرائيل ارتكبت أعمال "إبادة" في قطاع غزة عبر التدمير الممنهج لمنشآت الصحة الجنسية والإنجابية.
وتوصلت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إلى أن السلطات الإسرائيلية "دمّرت جزئيا القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة كمجموعة عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية، ما يرقى إلى فئتين من أعمال الإبادة".
وتعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية هذه الجريمة على أنها أي أفعال ارتُكبت بنيّة تدمير مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية بالكامل أو جزئيا، وأكّد التحقيق بأن إسرائيل تورطت في اثنين على الأقل من خمسة أفعال تعرفها اتفاقية الأمم المتحدة على أنها إبادة جماعية.
وفي سياق متصل، حذرت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المعنية بالأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز، خلال مؤتمر صحفي عقد يوم أمس في مدينة جنيف السويسرية، أن "قطع إسرائيل إمدادات الكهرباء عن غزة، وتوقف محطة تحلية المياه الوحيدة عن العمل، وعدم توفر المياه الصالحة للشرب في القطاع ينذر بإبادة جماعية، ومن تصدع القانون الإنساني الدولي الذي لا يحمي جميع الناس بشكل متساوٍ وعادل".
بالتوازي، تواجه اسرائيل دعوى قضائية بتهمة الإبادة الجماعية، كانت قد رفعتها دولة جنوب افريقيا ضدّها في محكمة العدل الدوليّة في لاهاي - هولندا في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2023، إلّا أن المسار القضائي يبدو عالقًا أو متشنّجًا، وكأن المحكمة تبحث عن سبل حماية نفسها بعد التهديدات الأمريكية بقطع التمويل عنها، إضافة الى توفير غطاء سياسي لاسرائيل، فهل تكون التحقيقات الأخيرة حافزًا لتسريع المسار القضائي أم ستبقى حبرًا على ورق؟
تحقيقات الأمم المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين تمثل خطوة هامة نحو مساءلة إسرائيل، لكنها تواجه العديد من التحديات في تحقيق تغيير ملموس على أرض الواقع، والإجابة ليست بسيطة، وتحتاج إلى النظر في عدة جوانب.
تحقيقات الأمم المتحدة تهدف إلى توثيق الانتهاكات وجمع الأدلة، مما يساعد في بناء صورة واضحة عن الأوضاع. هذه التحقيقات تعتبر مصدرًا هامًا للضغط الدولي على إسرائيل وعلى المجتمع الدولي لتصحيح الوضع. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقارير التي تصدر عن الأمم المتحدة تسلط الضوء على القضية الفلسطينية على الساحة العالمية، مما يساعد في حشد الدعم الدولي وخلق وعي عالمي بالانتهاكات التي تحدث.
قد تكون التقارير الأممية أداة ضغط على الحكومات والأطراف الدولية. في حال كانت هناك إرادة سياسية لدى الدول الكبرى والمنظمات الدولية للضغط على إسرائيل، يمكن لهذه التحقيقات أن تسهم في الضغط لفرض عقوبات أو تغيير في السياسات الإسرائيلية. ومع ذلك، فإن السياسة الدولية غالبًا ما تكون محكومة بالمصالح الاستراتيجية والتحالفات، مما قد يحد من فعالية هذه التحقيقات في إحداث تغيير فوري على الأرض.
من أكبر العوامل التي تجعل التحقيقات الأممية تبدو "حبرًا على ورق" في بعض الأحيان هي قوة وتأثير بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. دول مثل الولايات المتحدة التي تعتبر من أبرز حلفاء إسرائيل تستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لعرقلة أي قرار قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل. هذا يحد من قدرة الأمم المتحدة على اتخاذ إجراءات قوية.
رغم التحديات السياسية، يمكن أن تؤثر التحقيقات في الرأي العام العالمي، مما يدفع إلى زيادة الوعي بالانتهاكات ويحث منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام على نقل هذه الانتهاكات والتنديد بها. هذه الحركات يمكن أن تسهم في الضغط على الحكومات لتغيير سياساتها.
وإذا كانت التحقيقات تؤدي إلى محاكمات دولية أو تقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى المحاكمة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تغيير حقيقي في الواقع. ومع ذلك، فهذه العمليات تستغرق وقتًا طويلًا وغالبًا ما تواجه عقبات قانونية وسياسية.
على ضوء ذلك، قد لا تثمر تحقيقات الأمم المتحدة عن تغيير فوري على أرض الواقع، لكن من خلال توثيق الانتهاكات، إثارة النقاش الدولي، والضغط على المجتمع الدولي، يمكن أن تكون بداية لخطوات أكبر نحو العدالة والمساءلة. تغيير الوضع على الأرض يتطلب تضافر الجهود الدولية والمحلية، بالإضافة إلى إرادة سياسية حقيقية من الأطراف المعنية.