تسعى إسرائيل إلى إنهاء عمل قوات "اليونيفيل" الدولية في جنوب لبنان، القوة الأممية التي تنتشر منذ عام 1978 بقرارات من مجلس الأمن، والتي تعزّز دورها بعد حرب تموز 2006 لمراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم الجيش اللبناني في بسط سلطته جنوب الليطاني، ومنع أي وجود مسلح لحزب الله في تلك المنطقة.
لكن تل أبيب ترى أن "اليونيفيل" لم تحقق الهدف المعلن، إذ صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن القوة فشلت في منع حزب الله من تعزيز وجوده قرب الحدود، وهو ما كشفته المواجهات الأخيرة. من هذا المنطلق، تصر إسرائيل على إخراج القوة، معتبرة أن وجودها لا يمنع التهديدات بل يمنح الحزب غطاءً للتحرك بحرية، بينما تقيّد إسرائيل أمام المجتمع الدولي.
"اليونيفيل": عنصر تهدئة أم قوة بلا تأثير؟
على الرغم من الانتقادات، لا يمكن إنكار الدور الذي تلعبه "اليونيفيل" في توفير حد أدنى من الاستقرار على الحدود. فالقوة تقوم بدوريات مشتركة مع الجيش اللبناني وتوثق الخروقات، ما يجعلها عنصر تهدئة نسبية يمنع التصعيد الفوري. كما يسهّل وجودها تدخل الوساطات الدولية عند أي أزمة، ويخفف من المسؤولية المباشرة للبنان وإسرائيل في إدارة المواجهات.
وتؤكد الحكومة اللبنانية باستمرار على ضرورة استمرار القوة الدولية، محذرة من أن أي انسحاب قد يؤدي إلى تصعيد غير متوقع ويزيد احتمالات المواجهات العسكرية بين الطرفين.
shutterstock
ماذا يحدث إذا انسحبت "اليونيفيل"؟
ثمة سيناريوهات عديدة؛ انسحاب "اليونيفيل" أو تقليص مهامها قد يفتح المجال لتوترات ومواجهة جديدة على الحدود. غياب الرقابة الدولية قد يدفع حزب الله إلى إعادة بناء قوته العسكرية وتعزيز تواجده جنوب الليطاني، ما يرفع احتمالات اشتباكات محدودة أو إطلاق صواريخ، مع تبعات سياسية ودبلوماسية واسعة.
وفي المقابل، قد يدفع الانسحاب دولًا كبرى إلى إرسال بعثة بديلة أو تعزيز دور الجيش اللبناني للحفاظ على الاستقرار، في محاولة لمنع انهيار الأوضاع على الأرض.
وفي سيناريو أكثر خطورة، قد يؤدي الانسحاب الكامل إلى فقدان السيطرة على مناطق حساسة، ما يفتح الباب أمام مواجهات أكبر بين إسرائيل وحزب الله، وقد يتحول الوضع إلى أزمة عسكرية قصيرة أو حتى نزاع واسع، مع انعكاسات كبيرة على الاستقرار الإقليمي.
shutterstock
من جهة أخرى، أي نجاح جزئي لإسرائيل في تقليص مهام "اليونيفيل" قد يعزز من نفوذها السياسي والدبلوماسي على المستوى الدولي، لكنه لن يضمن السيطرة الكاملة على الأحداث الميدانية، ويجعلها أكثر عرضة للانتقادات الدولية عند أي تصعيد.
العميد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل"، قال في حديثه لإذاعة الشمس إن "هدف إسرائيل الأساسي هو تفكيك اليونيفيل ليسهل عملية توسعها وسيطرتها على مناطق أكبر في جنوب الليطاني".
وأضاف أن "وجود القوة الدولية يحول دون أن تتحرك الأطراف بمفردها، وأي انسحاب قد يغير التوازن الأمني بشكل جذري".
بدوره، المبعوث الأمريكي إلى لبنان توماس باراك شدد على أن "الجانب اللبناني قام بدوره، وعلى الجانب الإسرائيلي الالتزام بالاتفاق الأخير ووقف الاعتداءات والخروقات الجوية"، مؤكدًا الدور المهم للرقابة الدولية في منع تصعيد الأوضاع على الحدود.
shutterstock
ما بين الضغط الإسرائيلي والاستقرار الدولي
يبقى السؤال المحوري: هل سيؤدي انسحاب "اليونيفيل" إلى مزيد من الاستقرار، أم إلى تصعيد جديد على الحدود؟ الواقع يشير إلى أن وجود القوة الدولية يبقى عنصر تهدئة أساسيًا، وأن أي محاولة إسرائيلية لإنهاء وجودها بالكامل ستواجه عقبات سياسية ودولية كبيرة، بينما أي تغييرات جزئية في مهامها قد تخلق توازنًا هشًا على الأرض، وسط قلق مستمر من أي تصعيد محتمل.