تحقيقات "التحريض": أداة أمنية أم سلاح سياسي

shutterstock

shutterstock

أثار تقرير صحفي حديث جدلًا واسعًا بعد نشره معطيات تفيد بأن أغلب تحقيقات "التحريض" التي فُتحت في إسرائيل منذ تولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي تستهدف مواطنين عربًا، فيما لا تتجاوز نسبة التحقيقات بحق اليهود 4٪ فقط.


هذه الأرقام دفعت كثيرين إلى اعتبارها دليلًا على سياسة استهداف ممنهج للمجتمع العربي، بينما يرى آخرون أنها انعكاس طبيعي لواقع متوتر يختلف فيه مستوى التعبير السياسي وحدته بين المجموعات المختلفة.


من المهم في البداية الإشارة إلى أن مفهوم "التحريض" في القانون الإسرائيلي فضفاض بطبيعته، ويُترك هامش واسع لتفسيره من قبل أجهزة إنفاذ القانون.


الصرامة في عهد بن غفير 


لكن في عهد بن غفير تحديدًا، يلاحظ مراقبون أن هذا الهامش اتسع بصورة غير مسبوقة، إذ بات يُستخدم لفرض رقابة صارمة على كل خطاب عربي يُنظر إليه باعتباره "تهديدًا قوميًا"، حتى لو لم يتجاوز حدود الرأي السياسي. ويبدو الأمر متسقًا مع نهج بن غفير الذي يجاهر بمواقف عدائية تجاه المواطنين العرب، ويقدم نفسه كحارس للهوية اليهودية في مواجهة "الخطر الداخلي" القادم من هؤلاء المواطنين.



shutterstock



وفي حين يُسوّق الوزير خطواته على أنها "تعزيز للأمن"، يرى منتقدوه أن هذه السياسات تنتج بيئة يتم التعامل فيها مع التعبيرات العربية على أنها جرمية بشكل تلقائي، مقابل تساهل ملحوظ مع مظاهر التحريض داخل المجتمع اليهودي، خصوصًا اليمين القومي المتطرف. وهنا يصبح الفارق العددي بين التحقيقات أمرًا ذا دلالة لا يمكن تجاهلها، إذ يكشف عن سياسة انتقائية أكثر مما يعكس واقعًا موضوعيًا.


ولا يمكن فصل ذلك عن المناخ السياسي العام، حيث تُستخدم قضايا "الأمن الداخلي" كأداة لإعادة تشكيل ميزان القوى داخل المجتمع الإسرائيلي. ففتح هذا الكم من التحقيقات بحق العرب  حتى لو أُغلق كثير منها لاحقًا  يسهم في خلق حالة خوف ورقابة ذاتية، ويُضعف قدرة المواطنين على التعبير بحرية عن مواقفهم، خصوصًا في زمن الحرب.


وفي المقابل، يغضّ الجهاز الرسمي الطرف في حالات عديدة من التحريض الواضح الذي يصدر عن مجموعات يهودية متطرفة، ما يعزز شعورًا بوجود معيارين مختلفين للمحاسبة.


التحقيقات لا تعني الإدانة ولكن.. 


ورغم أن التحقيقات لا تعني بالضرورة الإدانة، إلا أن وجودها بحد ذاته يُستخدم في الخطاب السياسي كإثبات على "خطورة" المواطنين العرب، في حين تُوظّف لتمرير تشريعات جديدة مثل "قانون التحريض على الإرهاب"، الذي وسّع دائرة الملاحقة القانونية بشكل يثير مخاوف من تحويل الأجهزة الأمنية إلى أداة سياسية تخدم رؤية وزيرٍ بعينه.


خلاصة القول، إن التفاوت في التحقيقات يطرح أسئلة لا يمكن الاكتفاء بتبريرات تقنية للإجابة عنها. فالمؤشرات الحالية تعكس سياسة تُستخدم فيها أدوات القانون لتحقيق أهداف سياسية، أكثر من كونها تطبيقًا محايدًا لمبدأ الأمن. المطلوب اليوم هو شفافية حقيقية، ورقابة مستقلة، ومحاسبة واضحة تضمن ألا تتحول سلطة الدولة إلى وسيلة لتضييق مساحات التعبير، خاصة بحق فئة تعتبر هدفًا سهلًا في الخطاب السياسي اليميني.


يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play