يرى كثيرون أن عام 2019 شكّل نقطة تحول حاسمة، فاصلة بين عالمٍ مستقر نسبيًا، وعالمٍ دخل منذ ذلك الحين في دوامة من التغييرات الجذرية، من جائحة كورونا إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية، ومن الثورة الرقمية إلى التحولات البيئية، فقد بدأ ذاك العام كـ"عقد التحولات الكبرى".
والسؤال الذي يطرحه الخبراء: لماذا اعتبر عام 2019 الحد الفاصل؟
يُنظر إلى عام 2019 على أنه نهاية مرحلة وبداية أخرى، لأنه كان آخر عام "طبيعي" قبل الانفجار العالمي لجائحة كورونا والتحولات الكبرى التي تبعتها.
تركت جائحة فيروس كورونا آثارًا عميقة على العالم، شملت المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والتكنولوجية كافة، بحيث يمكن القول إن عالم ما بعد جائحة كورونا ليس كما كان قبلها.
التحولات الصحية والاجتماعية
جائحة كورونا عام 2020 فجّرت صدمة عالمية: إغلاق دول، وفرض الحجر الصحي، وتعطيل السفر والتعليم والعمل.
وتغيّرت أنماط التواصل الاجتماعي، وبرزت أزمة الصحة النفسية مع ارتفاع معدلات القلق والعزلة.
وتوسع الاعتماد على الخدمات الرقمية، مما أدى إلى تغيّر جذري في الحياة اليومية.
وظهرت ثقافة جديدة حول التوازن بين العمل والحياة، مع تعزيز مفهوم "العزلة الإيجابية" و"الوعي الذاتي".
ويعني ذلك أن أزمة كورونا فرضت على الجميع التعايش وفق أسلوب "التباعد الاجتماعي": لا زيارات، لا سلام باليد، لا تقبيل.

shutterstock
وقد أثّر ذلك في جميع الطبقات الاجتماعية، وفي الفئات العمرية كلها، فمثلا أطفال اليوم يمرون بـ"حالة عصيبة" بعد أن أرعبتهم توصيات أهلهم بعدم لمس الآخرين، وهذه حالة قصوى من مشكلة فاقمتها حداثتنا المتأخرة، وبرودة العلاقات الإنسانية وسلعنتها وتشييئها. غير أن اختفاء التواصل الجسدي المباشر لم يمنع من اكتشاف أشكال جديدة من التواصل الاجتماعي تعزز الروابط الاجتماعية.
وفي بثّ للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليسكو) قالت سعاد الحكيم، أستاذة الفلسفة والتصوف في الجامعة اللبنانية، إن القلوب أيضًا تتواصل من دون أن تعيقها مسافات، أو ترهبها إجراءات صحية أو وقائية، وإن محنة كورونا يمكنها أن تفتح آفاقًا واسعة للإنسان. فالخلوة التي فرضتها تحرر الإنسان كثيرًا من الانشغالات، وربما تكون لحظة إعادة الوعي بذاته.
التأثير الثقافي والمجتمعي
أفرزت الأحداث بعد 2019 وعيًا جماعيًا جديدًا حول الأولويات الحياتية: الصحة، والأسرة، والاستقرار النفسي. وأصبح الشباب أكثر نشاطًا سياسيًا وبيئيًا.
وفي المجتمعات العربية، ظهر شعور متزايد بالحاجة للتأقلم مع الأزمات الاقتصادية والصحية والسياسية، ويستمر تأثيره في حياتنا حتى اليوم.
الاقتصاد العالمي بعد 2019
ركود تاريخي بسبب توقف سلاسل التوريد وإغلاق الأسواق. وارتفاع البطالة وانتشار نموذج العمل عن بُعد عالميًا.
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية لاحقًا بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وزيادة معدلات التضخم.
وفي قراءة أوسع، تسببت جائحة كورونا في أسوأ ركود للاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، متخطية في آثارها الأزمة المالية العالمية في عام 2008. إذ أثرت الجائحة على جميع الأنشطة الاقتصادية من دون استثناء، بحيث يمكن القول إن الأزمة الراهنة تضع النظام الاقتصادي العالمي على عتبة مرحلة جديدة؛ كونها تدفع نحو تغيير الكثير من ثوابته، وتجبر الدول على تغيير القواعد التي حكمت منظومة علاقاتها الاقتصادية لمدة تزيد على 7 عقود.
التكنولوجيا والرقمنة
قبل 2019، كانت التكنولوجيا تنمو بوتيرة طبيعية.
وبعده، شهد العالم انفجارًا في استخدام الذكاء الاصطناعي، وظهور تطبيقات مختلفة أعادت تشكيل التفاعل الاجتماعي.
والرقمنة أصبحت ضرورة حقيقية في العمل، والتعليم، والحياة اليومية، ما غيّر قواعد اللعبة الاجتماعية والاقتصادية.

shutterstock
السياسة والأمن الدولي
تزايدت الاضطرابات:
الحرب في أوكرانيا (2022).
والحرب على غزة (2023–2025) وتداعياتها الإقليمية.
وتصاعد التوتر الإيراني – الإسرائيلي.
هذه الأحداث عززت شعورًا عالميًا بعدم الاستقرار، وأظهرت هشاشة الأنظمة الدولية أمام الأزمات المتلاحقة.
التحولات البيئية والمناخية
وصف علماء البيئة عام 2019 بأنه "عام الطوارئ المناخية"، بعد توقيع أكثر من 11 ألف عالم على تحذير جماعي حول تغيّر المناخ.
ذوبان الجليد في القطبين، وحرائق غابات الأمازون، وارتفاع قياسي بحرارة المحيطات كانت إشارات على تجاوز "نقطة اللاعودة" البيئية.
وحذّر العلماء والمراقبون من تأثير الدومينو، حيث يمكن لنظام بيئي واحد أن يفعّل سلسلة انهيارات أخرى، تهدد استقرار كوكب الأرض.
خاتمة
تعتبر جائحة (COVID-19) أكبر أزمة تعرض لها العالم في القرن الواحد والعشرين من حيث الانتشار وحجم التأثير، فهذا الوباء ليس فقط هدد صحة 7.8 مليار إنسان على وجه الأرض فقط، وإنما هدد مختلف القطاعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حول العالم، بل شكل تحديا غير مسبوق لمؤسسات البحث العلمي للتوصل إلى علاج ناجح لهذا لفايروس كورونا – كوفيد 19.