بين السجن والمنفى: أسير محرَّر… وأسرة محاصَرة

shutterstock

shutterstock

بين السجن والمنفى، يتكشّف فصل جديد من المعاناة؛ فصل لا ينتهي عند بوابة الإفراج ولا يبدأ فقط من لحظة العناق المؤجَّل…فالأسرى الذين نُقلوا إلى مصر خرجوا من الزنازين، لكنهم لم يصلوا إلى بيوتهم، بينما بقيت عائلاتهم محاصرة بقرارات المنع وتجميد التصاريح وإغلاق الحدود.


ورغم إعلان المؤسسات الحقوقية، وفي مقدّمتها نادي الأسير الفلسطيني، أن هذه السياسة تمثل عقابًا جماعيًا لا يستند إلى ملفات أمنية واضحة، إلا أنّ السلطات الإسرائيلية تُصرّ منذ لحظة الإفراج على منع أهالي الأسرى من السفر ولقاء أبنائهم، في خطوة باتت تُحوِّل "الحرية" إلى غربة قسرية، وتُبقي الألم ممتدًا خارج القضبان.


هذا المنع، الذي بدأ يظهر منذ الدفعات الأولى للإفراج، خلق موجة غضب واسعة بين العائلات التي انتظرت سنوات طويلة خلف الأبواب المغلقة. فبين أمّ تُغلق هاتفها كل ليلة على أمل اتصالٍ أقرب، وأب يراجع المعابر بلا جدوى، يبقى السؤال معلقًا:

هل انتهت العقوبة فعلًا… أم أنها ارتدت ثوبًا جديدًا خارج الأسوار؟




منع العائلات من السفر: واقع يتكرر بصمت


منذ الإعلان عن الإفراج عن دفعات من الأسرى ونقلهم إلى مصر، تواجه عائلاتهم منعًا مطلقًا من السفر للقاء أبنائهم.


ووفقًا لما أكده نادي الأسير الفلسطيني وعدد من المؤسسات الحقوقية، فقد جرى تجميد جميع تصاريح السفر التي عادةً ما تُمنح للأهالي، دون صدور تفسير رسمي من الجهات الإسرائيلية.

ورغم أن الجهات الإسرائيلية عادة تربط قرارات المنع بـ"اعتبارات أمنية"، إلا أن غياب أي معلومة دقيقة ترك العائلات أمام حالة من القلق والانتظار الطويل.



shutterstock


وهنا تظهر إشكالية واضحة: الإفراج تم، لكن الوصول إلى الأبناء ما يزال معلّقًا.



ما الذي تقوله المؤسسات الحقوقية؟


أفادت مصادر ومؤسسات حقوقية بأن المنع يتم بصورة جماعية وليس فردية، ولا يستند إلى ملفات أمنية ضد الأهالي أنفسهم او ضد شخص بعينه.


نادي الأسير وصف الإجراء بأنه "امتداد لإجراءات العقاب"، ووصفته بالعقاب الجماعي فيما أكدت جهات حقوقية أخرى أن منع السفر بهذا الشكل الواسع "لا ينسجم مع المعايير القانونية الدولية".


ورغم هذه التصريحات، لم تعلن إسرائيل حتى الآن عن شروط واضحة أو إطار رسمي يحدد وضع الأسرى بعد نقلهم إلى مصر.


كيف جرى الإفراج وماذا يحدث الآن؟


تم الإفراج عن الأسرى ضمن تفاهمات إقليمية، ونُقلوا مباشرة إلى الأراضي المصرية.

وأشارت مصادر ميدانية إلى أن المحررين يتواجدون اليوم في مساكن مؤقتة، في ظل ترتيبات تُشرف عليها جهات مصرية.


لكن اللافت أن إسرائيل لم تُصدر بيانًا يوضح: هل يمنع الأهالي من السفر بشكل مؤقت أم دائم؟ هل سيُسمح بزيارات مستقبلية..وما هو الوضع القانوني للمفرَج عنهم؟

هذا الفراغ المعلوماتي هو ما يخلُق حالة من اللايقين في أوساط عائلات الأسرى..


الحرية التي لا تصل إلى البيت


أشارت إفادات وصلت إلى المؤسسات الحقوقية إلى أن الأسرى المحررين يواجهون غربة قسرية بعد سنوات السجن الطويلة.


فما بعد السجن يجب أن تكون هناك مرحلة إعادة اندماج، لكن في حالة الإبعاد والنفي يتحول إلى مرحلة إعادة تكيف مع بلد جديد، بعيد عن العائلة والدعم الاجتماعي والتواصل مع الأهالي يقتصر على مكالمات هاتفية بينما يعيش الأسير في مساحة انتقالية لا يعرف مدتها حتى.


وهنا قد يبرز سؤال طبيعي حتى وإن لم يُطرح رسميًا: هل يكفي الإفراج عن الأسير إذا لم يصل إلى أسرته؟



shutterstock



العائلات: انتظار يزداد قسوة كل يوم


العائلات التي انتظرت أبناءها سنوات خلف القضبان، تجد نفسها اليوم أمام انتظارٍ جديد لا تعرف له بابًا ولا نهاية.

قدّمت عشرات الطلبات للسفر، راجعت المكاتب الرسمية، تواصلت مع الصليب الأحمر والجهات المدنية… لكن الجواب بقي نفسه: "قيد الفحص".

جملة قصيرة، لكنها تتحوّل يومًا بعد يوم إلى عبء نفسي يثقل البيوت ويستنزف الأمهات والآباء

إحدى الأمهات قالت بصوت مُرتجف لإحدى المؤسسات الحقوقية: "ابني تحرّر… بس مش واصل عليّ…طلّعوه من السجن، بس حجزونا إحنا بالانتظار".

هذه الجملة رغم بساطتها، تكشف حجم الفجوة بين الحدث والواقع.

فما تعيشه هذه الأم لا يمثل حالة فردية، بل وجعًا يتكرر في عشرات البيوت التي لا تعرف متى يتحوّل الفرح إلى لقاء، ومتى يُسمح للعناق أن يقطع كل هذه المسافة.


في النهاية… بين السجن والمنفى


رغم أن الجانب الإنساني ليس جزءًا من البيانات الرسمية، إلا أنه يبقى حاضرًا بقوة في خلفية المشهد.


فالإفراج بلا لقاء، والحرية بلا أهل، يضعان الأسرى المحررين في منطقة وسطى بين السجن والمنفى حيث لا هم داخل الأسوار ولا هم في حضن عائلاتهم.


ورغم أن لغة الأرقام والتقارير لا تتحدث كثيرًا عن هذا الجانب، إلا أن الغياب الإجباري بين الطرفين يجعل من القضية ملفًا مفتوحًا، ينتظر قرارًا يعيد ربط المحررين بعائلاتهم.

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

phone Icon

احصل على تطبيق اذاعة الشمس وكن على
إطلاع دائم بالأخبار أولاً بأول

Download on the App Store Get it on Google Play