حذّر البروفيسور محمد وتد، رئيس كلية رمات غان والمختص في القانون الدستوري، من خطورة التصريحات المتبادلة بين وزير المالية الإسرائيلي ورئيس المحكمة العليا، معتبرًا أن هذا التصعيد يعكس أزمة بنيوية عميقة تهدد ما تبقى من الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل.
وأضاف في مداخلة هاتفية ضمن برنامج "يوم جديد" على إذاعة الشمس: "محكمة العدل العليا شكّلت على مدار عقود الركيزة الأساسية التي منحت إسرائيل صفة الديمقراطية الدستورية، لا سيما منذ تسعينيات القرن الماضي، مضيفًا أنه رغم الانتقادات الموجهة لبعض قرارات المحكمة، فإن وجودها كان العامل الحاسم في ضبط العلاقة بين السلطات".
وتابع: "غياب الفصل الحقيقي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية جعل الكنيست خاضعًا بشكل شبه مطلق للحكومة، ما أفقده دوره الرقابي، وفتح الباب أمام تركّز السلطات بيد رئيس الحكومة".
سباق نحو القاع
وأشار إلى أن الخطاب الشعبوي المتصاعد، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خلق "سباقًا نحو القاع" في مهاجمة المحكمة العليا، معتبرًا أن هذا السلوك السياسي يضرب مكانة القضاء وهيبة سيادة القانون.
وانتقد بعض قرارات المحكمة السابقة، وعلى رأسها القرار الذي سمح لبنيامين نتنياهو بمواصلة مهامه كرئيس للحكومة رغم لوائح الاتهام، واصفًا إياه بالقرار الخاطئ قانونيًا واستراتيجيًا، ومقارنًا ذلك بسوابق قضائية منعت وزراء من تولي مناصبهم في ظروف أقل خطورة.
وأوضح وتد أن تعامل الجهاز القضائي مع ملفات نتنياهو، ولا سيما تكرار الموافقة على تأجيل جلسات محاكمته، أسهم في تآكل ثقة الجمهور بالمحاكم، مشددًا على ضرورة معاملة رئيس الحكومة كأي متهم آخر دون استثناء أو تساهل.
أضاف أن استمرار هذا النهج يُضعف مكانة المحكمة العليا نفسها، ويحوّلها تدريجيًا إلى مؤسسة عاجزة عن فرض قراراتها.
تصريحات وزير المالية
وفي ما يتعلق بتصريحات وزير المالية ضد رئيس المحكمة العليا، أكد وتد أن القانون الإسرائيلي يتيح إمكانية فتح إجراءات جنائية بحق أعضاء الكنيست والوزراء في حال عدم طلبهم الحصانة بشكل رسمي، معتبرًا أن هذا النوع من التحريض لا يمس فقط بمكانة القضاء، بل قد يشكل مساسًا بالأمن القومي كونه يستهدف أحد رموز الدولة.
وختم وتد بالقول إن إسرائيل تقف فعليًا على عتبة نظام حكم أقرب إلى الديكتاتورية، مشيرًا إلى أن احترام قرارات المحكمة بات شكليًا، وأن ما يُعرف بـ "حراس البوابة" فشلوا في كبح مسار الانقلاب العملي على النظام الديمقراطي، مؤكدًا أن ما يجري اليوم لم يعد نظريًا، بل واقعًا ملموسًا يتجلى في تآكل السلطات وتغوّل الحكم التنفيذي.