بعد قرار مجلس الأمن تعالت الأصوات من اليمين تدعو الى ضم اراضي المناطق ج الى اسرائيل، لكن الفكرة ولدت قبلها ب 15 عاماً.
قالت وزيرة القضاء، أييلت شكيد، في أعقاب قرار مجلس الامن انه ينبغي الحديث عن الضم، وبالتالي تعالوا نتحدث عن الضم. سنحاول تشخيص اللحظة التي تخلت فيها إسرائيل عمليا عن حل الدولتين، ووضعت الأسس للدولة الواحدة من البحر وحتى النهر. اللحظة التي تقرر فيها ضم معظم أراضي الضفة لإسرائيل، وترك الفلسطينيين في جيوب محددة، محاطة بالمستوطنين والجنود الإسرائيليين.
أتذكر هذه اللحظة جيدا. كان هذا في 25 تموز 2000، في نهاية مؤتمر كامب ديفيد، الذي رفض فيه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عرض التسوية من رئيس الوزراء إيهود باراك. "ليس لنا شريك حاليا"، أجمل باراك القمة التي فشلت. في رحلته الجوية عائدا إلى البلاد سألته، وماذا عن النبضة الثالثة؟ فقال باراك: "ماتت موتا طبيعيا". وعاد إلى حاشيته في مقدمة الطائرة.
"النبضة الثالثة" كانت معدة لتكون المرحلة النهائية من اتفاقات أوسلو، والتي ستنسحب فيها إسرائيل من المناطق التي تبقت في ايديها، باستثناء المستوطنات و"أماكن عسكرية محددة". وتخيل الفلسطينيون لأنفسهم انسحابا بعيد الأثر من 90 في المئة من الضفة الغربية، بينما فقط المستوطنات، التي كانت في حينه اصغر بكثير مما هي الآن، ومعسكرات الجيش تبقى في يد إسرائيل حتى التسوية الدائمة. أما إسرائيل فقد رأت الامور بشكل مختلف تماما. رئيسا الوزراء بنيامين نتنياهو وباراك، اللذين توليا المنصب في فترة اتفاقات اوسلو، ركزا سياستهما على إذابة وتأجيل النبضة الثالثة. نتنياهو عارض (ويعارض) إخلاء أي مناطق، وباراك أراد أن يحتفظ "بالذخائر الاقليمية" في يد إسرائيل حتى التسوية الدائمة، على فرض أن مقابلها ستحصل إسرائيل على تنازلات من الفلسطينيين.
كل واحد منهما عمل بطريقة مختلفة، وفقا لطبيعته واضطراراته السياسية الداخلية: نتنياهو بالرفض والاحتكاكات مع الادارة الأميركية، وباراك بعروض "سخية" لم تبدو مقبولة على الفلسطينيين، ولكنها تمتعت بتأييد أميركي. وكانت النتيجة مماثلة. النبضة الثالثة ازيلت نهائيا عن جدول الاعمال، وكل تغيير اقليمي في الضفة الغربية تأجل "إلى التسوية الدائمة"، أي إلى ايام المسيح.
عندما أخلى اريئيل شارون المستوطنين من غزة في 2005، اقترح المستشار القانوني لوزارة الخارجية، الن بيكر، أن تعلن إسرائيل عن فك الارتباط كتنفيذ جزئي للنبضة الثالثة، وهكذا تظهر أنها تعمل وفقا لاتفاق اوسلو وليس بشكل احادي الجانب. أما شارون فرفض الفكرة، ولكن منطق بيكر لا يزال قائما. يمكن لإسرائيل اليوم أيضا أن تخلي كل أرض تريدها في الضفة الغربية وفقا للاتفاقات القائمة، دون البحث عن شريك وإدارة مفاوضات متجددة.
لقد تركت تصفية النبضة الثالثة المناطق ج (60 في المائة في الضفة) وشرقي القدس تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، أمنية ومدنية، ومع السيطرة تأتي الشهية. فقد اتسعت المستوطنات، ومعها الجهود لطرد الفلسطينيين من المنطقة ج. الاحتلال ليس مجانا: معظم حجم قوات الجيش الإسرائيلي (55 في المائة) ينتشر اليوم في المنطقة ج. والآن يطلب نفتالي بينيت الضم الرسمي لهذه المنطقة لإسرائيل، ومنح تعزيز قانوني للوضع القائم عمليا.
نتنياهو راض بأثر رجعي عن النتيجة: إسرائيل تسيطر في المناطق حتى بدون ضم رسمي، بثمن محتمل من الشجب الدولي، مثل قرار مجلس الأمن القاضي بأن المستوطنات غير قانونية. وهو يأمل بأن هذه التنديدات ستخبو أيضا في عصر دونالد ترامب. ولكن باراك، الذي يقود اليوم في الجمهور الدعوة لاستبدال نتنياهو، يحذر الآن، من أن الاحتفاظ بالمناطق سيجعل إسرائيل دولة ثنائية القومية، ستغرق في حرب أهلية بين أغلبية عربية عديمة الحقوق واقلية يهودية تصر على مكانتها العليا. "الذخائر الاقليمية" التي أراد الاحتفاظ بها حين كان في الحكم، اصبحت عبئا معيقا، حبل مشنقة لفته إسرائيل حول عنقها. النبضة الثالثة قد تكون ماتت موتا طبيعيا، مثلما قال باراك لدى عودته من كامب ديفيد، ولكن في موتها دفنت تحتها أيضا "الدولة اليهودية الديمقراطية".