"تقول الصحف للإسرائيليين كم دولتهم على حق، وكم جيشهم اخلاقي، وكم إسرائيل مسكينة وكم الفلسطينيون هم خطرون. لأن هذه الامور من المريح قراءتها. الصحافة ليست مجندة، بل هي تتجند لخدمة الرواية التي يخضع لها الجميع."
يجب على إسرائيل الاعتراف بالجميل لآري هارو. فبفضل تسجيلاته كشفت الحقيقة العارية للصحف الإسرائيلية. والآن يعرف كل من يقرأ الصحف في إسرائيل كيف ولدت الصحيفة التي يقرأها. وأن من وراء ما يقرأه الكثير من الدوافع الخفية التي بعضها مظلم. وأنه تسقط يوميا ضحية للخداع وغسل الدماغ وحرف التفكير، الامر الذي ليس ما يشبهه في العالم الحر.
لقد اعتاد شمعون بيرس على اقتباس دافيد بن غوريون الذي قال "اذا كنت تريد معرفة نوعية الموسوعة فقم بالبدء بالمصطلح الذي تعرفه، حيث تستنتج من خلاله فكرة عن كل الموسوعة". وقد تكشف للإسرائيليين الآن مصطلح "بيبي نوني – العلاقة بين السلطة والصحيفة في إسرائيل". فهل سيستنتج الإسرائيليون الاستنتاجات حول قضايا اخرى تتم تغطيتها؟ عندما يعد ناشر ومحرر بتقديم الامتيازات لرئيس الحكومة، وتعيين صحفيين مقربين منه، وعندما يتعهد رئيس حكومة بتقليص انتشار صحيفة تابعة له، ولا أحد منهما يقول أي كلمة عن الايديولوجيا والقناعة، بل الحديث عن القوة والمال فقط – لقد أصاب العفن الموسوعة. وهذا لم يبدأ بتسجيلات هارو، وليس بتغطية رئيس حكومة فاسد فقط. الصحافة فاسدة. والحقيقة هي أن هناك صحيفة واحدة فقط، انتشارها محدود نسبيا.
في مقال متملص، حاول أمس ناحوم بارنيع الادعاء في "يديعوت احرونوت" أن "الجميع مشبوهون" من اجل تمييع التهمة تجاه صحيفته ولفها بالغموض مثلما حاول الرئيس افرايم كتسير بعد حرب يوم الغفران حيث قال ("جميعنا نتحمل المسؤولية"). وقد حاول بارنيع دحرجة المسؤولية لصحيفة "إسرائيل اليوم" وكأن هناك فرق قيمي بينه وبين صحيفته. ولكن رسميا، قائمة المشبوهين والمتهمين أطول مما نتوقع، وكذلك قائمة ضحاياهم الذين يستهلكون الصحف.
الآن عندما كشف موضوع تغطية بنيامين نتنياهو كأمر خاضع للتفاوض والتجارة، من الواضح أن هذه هي لغة الصحف في جميع المجالات. فليعرف كل من يقرأ صحيفة عبرية أن جزء كبيرا مما تنشره الصحف ليس واقعيا، بل هو خدعة تخدم الصحيفة كي تبيع أكثر. وهم يتلاعبون به وبمشاعره ويخدعونه، ويستغلون خوفه ويتاجرون بقلقه ويزيدون كراهيته كي يبيعوا أكثر. يحرضون باستمرار ويقولون للقارئ ما لا يغضبه زيادة عن اللزوم، المهم هو أن يقوم بشراء الصحيفة.
احيانا تشبه الصحف نشرات "في المعسكر" التي تتحدث عن العسكرة والثكل وابطال اللحظة المفبركين. هي تحرض ضد العرب وضد "المتسللين"، وتنشر الاكاذيب عنهم وتسلب انسانيتهم، لأن هذا ما يريده الشعب.
لا يمكن المبالغة في خطر هذه الاعمال: إنها تصنع الوعي القومي. ليس في صفحات المواقف، بل في تدفق المعلومات المزروعة. جزء كبير من القومية المتطرفة في إسرائيل والعنصرية التي انتشرت بها، يعود الفضل فيه لوسائل الاعلام. في غرف التحرير والاستوديوهات قاموا بترويض الإسرائيليين على الخوف والكراهية. ومن هناك خرجت الرسالة أن اليئور ازاريا هو بطل وأن باسل غطاس هو ارهابي وأن العرب هم المسؤولون عن الحرائق وأن الفلسطينيين لا يحبون أبناءهم وبسبب لا يوجد سلام. وأن إسرائيل أدارت في غزة حرب شجاعة وأن جميع ضحاياها يتحملون مسؤولية موتهم ودمار منازلهم. وأن ما هو مسموح لإسرائيل محظور على الفلسطينيين.
تقول الصحف للإسرائيليين كم دولتهم على حق، وكم جيشهم اخلاقي، وكم إسرائيل مسكينة وكم الفلسطينيون هم خطرون. لأن هذه الامور من المريح قراءتها. الصحافة ليست مجندة، بل هي تتجند لخدمة الرواية التي يخضع لها الجميع. لا تقول كيف يبدو الاحتلال فعليا، وما هي الصلة بينه وبين الارهاب. اجيال من الصحافيين على قناعة بأن دورهم هو اقتباس بيانات المتحدثين والمسؤولين عن العلاقات العامة.
توجد في إسرائيل حرية صحافة، والصحافة تتنازل عنها. يوجد فيها صحافيون جيدون، وصحافة سيئة ومفسدة.