إن التعامل مع الآخرين في الحسنى مظهر من مظاهر الرقي الفكري ودليل واضح وأكيد على الصفاء النفسي وإرادة فعالة تعمل على إزالة ما في النفوس من كراهية، حقد، سوء الفهم والظن وهي ثمرة من ثمرات الإيمان، خاصة إذا كانت نابعة من عقيدة وقلب معطاء كبير ومحب. لكن ما نشهده اليوم في كل بقع من بقاع العالم عامة ومجتمعنا تحديدا، التدهور والتردي والانحطاط وفقدان الأخلاق على جميع المستويات ناهيك عن سيطرة ظاهرة التلون.
أحيانا، تضطر لتجبر قلبك وكل مشاعرك على أن تبقى ساكنة بلا أي حراك، وأحيانا أخرى تكتم أنفاسك خوفا من أن تنطق كلمة جارحة، وأحيانا تبتسم فقط؛ لأنك لا تريد أن تبتسم، فمشاعرنا أسمى من أن نهبها لمن لا يستحق، وربما لنحافظ على مشاعر الآخرين رغم حقدهم وقلوبهم السوداء.
وقد لا نسلم من ألسنة الحاقدين؛ من رأوك صغيرا فكبرت على أعينهم، أو بسيطا فكسبت العزة والكرامة وهم شهود، فهم أول من سينالون منك عندما تتاح لهم الفرصة، فلم يخطئ العرب قديما عندما قالوا "لا كرامة لنبي في وطنه"، فلا تدمع عندما يستصغر القوم شأنك وكان جديرا بهم أن يعلوا بك تقديرا ووفاء لخدماتك وإخلاصك، لا ولا تهتم لكل مقولة قيلت عنك وفيك وتحاسب قائلها وترد على من أساء إليك وهاجاك لأنك ستخسر صحتك وطاعته وتعيش قلقا وحزينا وقد تصبح ضحية وتبرر تصرفاتهم اتجاهك وتهديهم جزءًا من لحظات حياتك التي من الممكن أن تكون الأخيرة.
وأسمح لنفسي أن أقول إني لا أعتقد أني أكون خاطئًا عندما أقول إن العمل في مجالات على اختلافها وفي مقدمتها السياسية والتربوية بحاجة إلى مصداقية وتتطلب بناء الأسس والجسور الهادفة للتقارب والحوار الحضاري والاحترام المتبادل بالإضافة إلى بناء إستراتيجية مدروسة ودعمها بالقناعة والإيمان بحيث نضع نصب أعيننا المصلحة العامة.
والعاقل يستفيد من أخطائه ولا يكررها، فهو يعلم أن نفس المقدمات بنفس الظروف تعني نفس النتائج ويجب أن لا ننتظر الفرصة، بل علينا الانطلاق لصنع فرص جديدة.
وأنهي بما جاء به النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما قال بأن أخلاقيّات بني البشر سوف تتغير وخاصة عند اقتراب الساعة وانتهاء الحياة من على الأرض، وسيأتي زمن يكذب فيه الصادق ويصدق فيه الكاذب، ويُخوَّن فيها الأمين ويُؤتمن فيها الخائنون الملونون.