شكلت حادثة الإسراء والمعراج حدثاً فاصلاً في التاريخ الإسلامي، فهي ليست مجرد قصة عادية، بل هي معجزة خرقت قواميس الطبيعية التي من الممكن أن يتخيلها بشر، وهي من فضل الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت هذه المعجزة الإلهية بمثابة نصرة للدعوة الإسلامية، ومواساة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الحزن الذي مر عليه بعد وفاة زوجته خديجة وعمه أبو طالب فيما يسمى عام الحزن، وقد أظهره الله تعالى بها على قومه، فأسرى به من المسجد الحرام في مكة المكرمة في الجزيرة العربية إلى المسجد الأقصى المبارك في القدس في فلسطين، ومنه عرج به إلى السماء، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الاسراء يصف هذه المعجزة: "سبحان الَذي أَسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إِلى المسجد الأقصى الَذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إِنَه هو السميع البصير".
أحداث معجزة الإسراء والمعراج
أحداث الاسراء
بدأت الأحداث كما رواها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقدوم ثلاثة من الملائكة الكرام إليه، من بينهم ميكائيل وجبريل، فجعلوا جسد النبي عليه السلام لظهره، أي أنه كان مستقبلاً للأرض وهو نائم، فغسل الملائكة الكرام قلب الرسول بماء زمزم، وملؤوا قلبه حكمة وإيماناً، ثم عرضوا عليه خمراً ولبناً، فاختار الرسول عليه السلام اللبن فشرب منه، فبشره جبريل عليه السلام بالفطرة.
أركب جبريل عليه السلام الرسول على دابة تسمى البراق، فانطلق به البراق من مكة إلى المسجد الأقصى، وكان جبريل عليه السلام هو من يسوق هذه الدابة، فأنزله طيبة "المدينة المنورة"، وأخبره بأنه بهجرته إليها، ثم أنزله في طور سيناء، في المكان الذي كلم الله تعالى فيه موسى عليه السلام، فصلى جبريل بالرسول.
ثم أنزل جبريل الرسول عليه السلام في بيت لحم، في المكان الذي ولد في عيسى عليه السلام، فصلى هناك ومن ثم توجه به إلى بيت المقدس، فأنزل الرسول عليه السلام باب المسجد، وربط البراق بحلقة يربط بها الأنبياء.
دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، والتقى الأنبياء الذين بعثوا قبله، فسلموا عليه جميعاً وصلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بهم ركعتين، وهنا انتهت أحداث الإسراء.
أحداث المعراج
بدأت أحداث المعراج بصعود الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة المشرفة، ثم سار جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ثم حمله على جناحه وصعد به للسماء الدنيا، واطلع الرسول عليه السلام على بعض أحداث السماء الدنيا.
ارتقى جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم من السماء الدنيا إلى السماء الثانية فاستفتح وأذن له بالدخول، ورأى فيها عيسى بن مريم وزكريا عليهم السلام جميعاً.
ثم ارتقى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثالثة ورأى فيها يوسف عليه السلام، ومن ثم ارتقى للسماء الرابعة فرأى فيها إدريس عليه السلام، ومن ثم ارتقى للسماء الخامسة فرأى فيها هارون عليه السلام.
ارتقى إلى السماء السادسة فرأى موسى عليه السلام، ومن ثم ارتقى إلى السماء السابعة فرأى إبراهيم عليه السلام وانتهى به جبريل إلى حيث سدرة المنتهى.
تقدم جبريل بالنبي عليه السلام إلى الحجاب، وفيه منتهى الخلق، فتخلف عنه جبريل ليستلمه ملك آخر حتى أوصله إلى العرش، فأنطقه الله جل وعلا بالتحيات وهي: "التحيات المباركات والصلَوات الطيبات للّه".
فرض الله في هذه الرحلة المعجزة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، واصطحب بعدها جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجنة، فرأى نعيمها المقيم، ومن ثم عرض عليه النار ورأى عذابها، ومن ثم ذهب به جبريل إلى موسى عليه السلام فأخبره بأمر الخمسين صلاة التي فرضت فأرجعه إلى ربه ليسأله التخفيف فخفف الله منها عشراً، وظل يرجعه موسى عليه السلام حتى خففها إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، لما أرجعه موسى إلى ربه ليسأله التخفيف أيضاُ، فأعرض الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا استحياءً من ربه وإجلالاً له.
انتهت أحداث هذه الرحلة، فأعاد جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مضجعه وحصل كل هذا في ليلة واحدة، وقد عاد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فراشه لا يزال دافئاً وكأنه قد خرج منه للتو.