نشأة وسائل الاتصال وتطورها التاريخي
وسائل الاتصال هي طرق لجأ إليها الإنسان لإشباع حاجته بالتواصل مع الآخرين، والتعبير عن آرائه وأفكاره، ونقل معرفته وخبراته، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي؛ وهكذا فقد بدأت وسائل الاتصال مع بداية تكون المجتمعات الإنسانية، وتطورت أنماطها مع تطور حياة الإنسان ونمو حاجته للتواصل مع الآخرين.
ساهمت الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة في اختراع وسائل الاتصال الحديثة والتي غيرت شكل العالم، فبعد أن كانت المسافات بين دول العالم كبيرة تشكل عائقاً أمام تواصل الانسان، أصبحت اليوم من الأشياء قليلة الأهمية، إذ أن وسائل الاتصال جعلت من العالم قرية صغيرة، تتيح لأي شخص من أقصى الشرق التحدث مع شخص من أقصى الغرب بالصوت والصورة، وبعد أن كانت هذه الطريقة في الماضي مجرد ضرباً من الخيال، أصبح التواصل اليوم أسهل الطرق وأقلها تكلفة، فهو لا يكلف أكثر من الضغط على زر اتصال على الهاتف أو الجهاز اللوحي أو جهاز الكومبيوتر.
تتميز وسائل الاتصال الحديثة بأنها تتيح للمستخدم كافة طرق التواصل، ولا تقتصر على الصوت فقط، بل أصبح بالإمكان التواصل من خلالها عن طريق الصوت والصورة، إضافة الى خاصية البث المباشر، كما أتاحت العديد من الخيارات للمستخدمين كخيار تحديد الموقع، وهذا كله شكل ثورة حقيقية، واختصر الكثير من الوقت والجهد واختصر كثيراً من المسافات، وقدم الكثير من الفوائد التي لم تقتصر على التواصل الاجتماعي فحسب، بل امتدت إلى الفوائد العلمية والطبية والاقتصادية، فقد توصل هذا التطور الى إمكانية إجراء العمليات الجراحية الكبرى عبر الأقمار الصناعية وبإشراف أكثر من طبيب في عدة دول في وقت واحد، من خلال إعطاء التعليمات الطبية عن بعد، كما أتاح واحدة من اكثر طرق التعليم انتشاراً في العصر الحالي، وهي طريقة التعلم عن بعد، ووفر عدة طرق سهلة للتجارة الإلكترونية، وسهل عمليات التداول الاقتصادية.
تعتبر تقريب المسافات بين العقول والثقافات هي واحدة من أجمل الأشياء التي قدمتها وسائل التواصل الحديثة، خاصة بعد أن ردمت الفجوة الكبيرة التي كانت موجودة من قبل، حيث أتاحت للأشخاص من مختلف الدول والقارات التعرف على بعضهم البعض وبناء جسور من الحب والتفاهم والود، وعمقت العلاقات بين المجتمعات والأشخاص، كما أسهمت في تعريف الأشخاص بمناطق العالم، وقد أصبحت وسيلة لنشر الأخبار ومتابعة أحداث العالم، وطريقة لنشر وجهات النظر ونشر الدين وتعريف الشعوب ببعضها البعض.
عناصر عملية الاتصال
عملية الاتصال هي عملية ديناميكية مستمرة، يوثر كل من عناصرها في الآخر ويتأثر به، وتتضمن هذه العملية أربع مكونات أساسية هي:
• المرسل:
هو الشخص المبادر بعملية الاتصال، وقد يوجه رسالته لشخص أو عدة أشخاص، ويعتمد نجاحه في عملية الاتصال على عدد من العوامل كالقدرة اللغوية والذكاء الاجتماعي والمعرفة.
• الرسالة:
تمثل المحتوى الذي يعبر عنه المرسل والمراد ايصاله.
• الوسيلة:
هي الطريقة التي يختارها المرسل للتعبير عن رسالته وايصالها، ويجب أن تكون ملائمة للمستقبل حتى تحقق هدف عملية الاتصال.
• المستقبل:
يشير الى متلقي الرسالة، ويلزم أن يكون قادراً على إدراك محتوى الرسالة حتى تنجح عملية الاتصال.
مراحل تطور وسائل الاتصال
يعتمد الإنسان في إشباع حاجاته على مدى معرفته ومهاراته وخبراته، والموارد المتاحة له بشتى أنواعها؛ ويشمل ذلك إشباع حاجته في الاتصال والتواصل مع الآخرين؛ لذلك تطورت وسائل الاتصال مع تطور حياة الإنسان على مر العصور؛ حيث بدأت وسائل الاتصال باستخدام الرموز والإشارات والتي كانت الأساس للتوصل للحروف الهجائية واللغة المكتوبة كأول وسيلة مادية للاتصال، والتي نمت تدريجيًا بالكتابة على المواد صعبة النقل كالأحجار ثم الانتقال إلى الكتابة على مواد أقل حجماً لزيادة القدرة على التواصل بشكل أفضل وفي مدى أبعد، وشملت هذه المواد العظام، والخشب، وورق البردى، والذي عزز من قدرة الإنسان على الاتصال.
حتى جاء اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر، والذي مثل ثورة في وسائل الاتصال، حيث ساهم بدور فعال في نشر العلم والمعرفة مما أدى لمضاعفة قدرات الإنسان، وطموحاته، ورغباته في التطوير المستمر لحياته لإشباع رغباته المتزايدة، وشمل ذلك التمهيد لمرحلة الاتصال السلكي واللاسلكي والتي أُخترع خلالها العديد من وسائل الاتصال التكنولوجية كالهاتف، والتلغراف، والمذياع.
تلى هذه المرحلة ابتكار أجهزة تكنولوجية توفر الفرصة للتواصل بشكل أفضل وأيسر كالكاميرا، وأشرطة الكاسيت المسموعة والمرئية.
وكان لاختراع الكمبيوتر والأقمار الصناعية في القرن العشرين الدور الكبير واللا محدود في تطوير وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة، لأهميتهم في تعزيز قدرة الإنسان على التواصل بشتى الطرق، وأكثرها جودة، ودقة، وتفاعلية مع توفير الوقت، والجهد، والمال في نفس الوقت.
سلبيات وسائل الاتصال
على الرغم من الفوائد العظيمة لوسائل الاتصال، إلا أنها لم تخل من بعض السلبيات، فقد اخترقت خصوصية الأفراد، ولم يعد بإمكان أي شخص أن يفلت من عقدة استخدامها أو أن يكون له مساحة خاصة بعيداً عن كل وسائل التواصل، فمن لا يستخدمها يعتبر شخصاً متخلفاً عن مواكبة التطور، ورغم هذا فإن استخدامها أفضل بكثير من التخلي عنها، شرط أن تستخدم بطريقة صحيحة، وتجنب بث النعرات والعنصرية والأفكار الظلامية من خلالها، واقتصارها على التواصل الإيجابي بين الناس وتعميق مفهوم الإنسانية ونشر رسالة المحبة والسلام من خلالها.