الموضوع: كيف يسعر النفط؟
التداول في سوق النفط (من حيث الاستخراج والانتاج) وأثره على أسعار النفط
يتكون النفط الخام في باطن الأرض، والمادة الأولية للنفط عبارة عن طاقة أحفورية تنتجها دول محدودة، الأمر الذي يجعل عملية الحفر عليه واستخراجه وانتاجه مكلفة جدا، لذا فإن تكلفة الاستخراج والانتاج تؤخذ بالحسبان عند تحديد سعر النفط. ويمكن تحويله احيانا قبل توزيعه على البلدان المستهلكة، حيث يتم تكريره ومعالجته كيميائياً ليُستخدم في إنتاج المحروقات مثل البنزين والديزل.
ويتخذ النفط مسميات مختلفة كما قد تختلف أسعاره وفقاً لمصدره ووجهته النهائية. لكن الاختلافات الملاحظة بشكل خاص في سعر برميل النفط تكون مبنية بالأساس على عنصر الجودة، حيث يتم التمييز بين العربي الخفيف، ونفط برنت، إضافة إلى نفط غرب تكساس الوسيط (WTI) والذي يعد أكثر أنواع النفط تداولاً في العالم؛ لأنه يستخدم في التسعير المرجعي. لذا فإن تسعير النفط الخام – باختلاف مصادره – في الأسواق المالية يتم عن طريق وحدة قياس البرميل، كما تجدر الإشارة إلى أن برميلاً واحداً من النفط الخام يناهز 159 لتراً. ويتم تحديد سعر برميل النفط في السوق الدولية بشكل يومي، وتتم هذه العملية في السوق المالية عالميا.
ان التداول في سعر النفط يحتاج إلى مراقبة مستويات الانتاج والتصدير، لذا فإن اي زيادة او نقصان في الإنتاج تنعكس على الاسعار، وايضا عند احتساب سعر النفط يسترعي اهتمامنا بأن النفط من الموارد المتناهية التي ستنفذ يوما ما، لذا عندما تضعف الإمدادات أو تتفاقم صعوبة الاستخراج ترتفع الاسعار.
دور اوبك في التأثير على سعر النفط
واظبت منظمة الدول المصدرة للبترول المعروفة اختصارا ب " اوبك " بعد تأسيسها في عام 1960 على تعديل مستويات إمدادها حتى تتمكن من الاستجابة لحجم الطلب دون التسبب في اشتعال الأسعار. لذا تعتبر أهم منظمة أنشئت من قبل الدول النامية لرعاية مصالحها وللسيطرة بشكل أكبر على أسعار البترول وترتيبات الإنتاج، حيث توفر دول اوبك 40% من إنتاج النفط في العالم، كما أنها تمتلك أكثر من ثلاثة أرباع من إجمالي احتياطيات النفط الخام المؤكد عالميا.
لذا تعتبر منظمة أوبك الآداة الوحيدة لصناعة القرار في السوق النفطية العالمية، حيث أنها تحدد بعدا جديدا في العلاقات الدولية، كونها أداة فاعلة في الإمدادات النفطية العالمية. كما تعد أداة استقرار في سوق النفط العالمية والحامي للموارد المالية للدول النامية. وتلتزم اوبك بتوفير إمدادات كافية من النفط، والمساهمة في تحقيق رخاء اقتصادي عالمي، وذلك في حدود إمكانات وقدرات أعضائها، مما يجعلها تعد من أشهر المنظمات الدولية في العالم.
ويتمثل الهدف الأساسي للمنظمة في تنسيق وتوحيد السياسات البترولية للبلدان الأعضاء، وتقرير أفضل السبل لحماية مصالحها. إلى جانب آخر تحدد المنظمة الطرق والأساليب الكفيلة باستقرار الأسعار في أسواق الزيت العالمية، كما أنها تراعي في جميع الأوقات مصالح الأمم المنتجة، وتوفر البترول بصورة ناجحة واقتصادية ومنتظمة للأمم المستهلكة.
تقوم اوبك بتحديد حصص الإنتاج للدول الأعضاء، وبالتالي تحديد مقدار العرض الذي سيتوفر في الأسواق العالمية. حيث تعتمد حصص الإنتاج على مستويات العرض والطلب العالمي، فإذا كان الطلب مرتفع والعرض منخفض تعمل المنظمة على زيادة الإنتاج، وبالتالي تخفيض الأسعار. ولكن إذا كان الطلب منخفض أو العرض مرتفع، يتم خفض مستويات الإنتاج. لذلك ينبغي عدم التقليل من شأن قدرة أوبك على تحديد الأسعار.
أثر العرض والطلب والتقلبات على سعر برميل النفط
هناك الكثير من العوامل والأسباب المباشرة وغير المباشرة التي لها تأثير على تذبذب الإنتاج النفطي وتذبذب أسعار النفط في العالم، وأبرز هذه العوامل تكمن في زيادة الطلب واختلال التوازن بين العرض والطلب. أيضا النقل من مصادر الإنتاج الى السوق العالمي للنفط وعمليات التكرير والتصفية، وخدمات الإنتاج والحفر، لاسيما في المياه العميقة، والكوارث الطبيعية والمناخ السئ والتغيرات المناخية والحروب، جميعها تؤثر بشكل كبير في آلية التحكم بأسعار النفط.
فالتغيرات التي تطرأ على سعر برميل النفط كونه مثل غيره من الأصول المالية المدرجة في البورصة، يخضع لتقلبات مرتبطة بالأساس بالاستثمارات المحققة على المستوى الدولي. لهذا تؤثر مجموعة من العوامل على هذه الأسعار بصورة مباشرة نسبياً، فالعرض إذن وما يندرج تحته من استقرار في الإنتاج يمثل المعيار الأول لتفسير سعر برميل النفط الخام.
كما تعتبر العوامل المتعلقة بالطلب بالغة الأهمية، إذ يؤثر تزايد الحاجيات الطاقية لإحدى كبريات الدول المستهلكة بشكل واضح على سعر البرميل. كما تمارس تغيرات العرض النفطي العامل الأهم في التراجع لأسعار النفط، لذا فإن الأسعار المرتفعة باستمرار تشجع على المزيد من إحلال البدائل، والمزيد من عمليات الاستكشاف في مناطق جديدة، والمزيد من العرض.
كما أن الدول المستهلكة الرئيسة قد نجحت في المواءمة بين متطلبات نموها الاقتصادي ومعدلات استهلاكها للنفط بحيث لا يؤثر خفض الاستهلاك على خفض معدلات النمو الاقتصادي فيها. وتجدر الاشارة هنا إلى أن الضرائب المرتفعة جداً المفروضة على المشتقات النفطية في البلدان الصناعية الرئيسة لا تجعل المستهلكين في هذه البلدان ينتفعون من انخفاض أسعار النفط الخام في السوق العالمية، مما يجعل مستوى أرباح شركات النفط الكبرى والحلقات المرتبطة بها مرتفعاً على الدوام.
الآثار الجيوسياسية على سعر النفط
ليس هناك سلعة أكثر من النفط قادرة على إثارة الصراعات بين الدول في القرن الحادي والعشرين، فالنفط يلعب دوراً بالغ الأهمية في الاقتصاد العالمي، إذ لا يزال متربعاً كأكثر مصادر الطاقة نفعاً واستخداماً على مستوى العالم رغم الضغوط البيئية الشديدة المحيطة باستخدامه. ولم يعد النفط مصدراً قيّماً للطاقة فحسب، بل أصبح "سلعة استراتيجية" سيظل العالم معتمداً عليها لعقود طويلة مقبلة، طالما ظل إنتاج بدائل طاقة صديقة للبيئة ومرغوب فيها أمراً يستغرق أمداً ليس بالقصير، فضلاً عن أن المجتمعات الصناعية لن تقوى على العيش من دونه. لذا فقد انتشرت الآراء الداعية إلى ضمان استمرار توافر النفط وتدفقه حتى إذا استلزم الأمر استخدام القوة العسكرية، بعد أن بات النفط أحد أهم المصالح الحيوية للقوى العظمى في العالم، بل والقوى الدولية الأخرى الساعية للتنمية والتطور الاقتصادي والتي تسعى إلى أن تتبوأ مكانة عالمية.
وما يشهده العالم من متغيرات جيوسياسية، أدت إلى حرب نفطيّة باردة وبالتالي تشكيل نظام نفطي عالمي جديد. حيث أدت الضغوطات الاقتصادية على بعض الدول إلى تراجع أسعار النفط، وفي حال استمرار تراجع أسعار النفط، فإن النظام النفطي الحالي سيواجه حرب ميدانها الرئيس هو النفط. وتهدف هذه الحرب إلى تحجيم انتاج بعض الأطراف الرئيسة في هذا النظام لصالح دول منتجة أخرى، مما يؤدي الى تأسيس نظام نفطي عالمي جديد. وهذا العامل الجيوسياسي هو الذي يقدم التفسير المنطقي لتراجع أسعار النفط في السوق العالمية وليس قوى العرض والطلب فقط.
وللنمو السكاني تأثير كبير، ونظراً الى أن غالبية البلدان تعاني من عجز في القدرة البيولوجية، فإن ارتفاع أعداد السكان سيستمر في خلق ضغوط على طلب الموارد، مما سيُحدث تغير أساليب المعيشة أنماطاً مقلقة من الاستهلاك المبذر والاستغلال المفرط للنفط.