منذ بداية النصف الثاني للقرن العشرين بدأت المحاولات والنقاشات حول العلاقة بين النمو الاقتصادي والتطور، حيث عرفت الكثير من الدول النمو الاقتصادي على أنه الهدف والمؤشر للتطور، بالرغم أن GDP – القيمة الكلية للمنتجات والخدمات التي تنتجها الدولة خلال سنة – لم يحدد أساسًا كمقياس لحسن حالة الدولة. خلال فترة السبعينيات والثمانينات، تم الاهتمام ببدائل تتخطى GDP، كالتأكيد على توفر فرص التوظيف وما إن كان الشعب يتمتع باحتياجاته الأساسية، وهذا ما يتمحور حوله مفهوم التنمية البشرية.
ما هي التنمية البشرية
نتيجة للنقاشات والأبحاث الدائمة ظهر مبدأ التنمية البشرية، ويعتبر عالم الاقتصاد الباكستاني "محبوب الحق" أول من طوّر هذا المفهوم، الذي يؤكد على إغناء الحياة البشرية بدلًا من إغناء الاقتصاد الذي يعيش ضمنه الأفراد عن طريق خلق الفرص وفتح الخيارات أمام الجميع.
المحاور التي تتناولها التنمية البشرية
الناس: تركز التنمية البَشرية على تطوير الحياة التي يعيشها الأفراد بدلا من الاعتقاد أن النمو الاقتصادي سيؤدي بشكل تلقائي إلى فرص أكثر للجميع. يعد زيادة الدخل وسيلة هامة للتطوير وليس الهدف.
الفرص: يدور مفهوم التنمية البَشرية حول إعطاء الأفراد فرصاً أكثر والحرية لتبني الحياة التي يتمنونها، ويعني ذلك تطوير مقدرات الأشخاص وإعطائهم الفرصة لاستخدامها؛ مثلا، ليس هناك فائدة من تعليم المرأة إن لم تُعطى الفرصة للدخول في سوق العمل.
حق الاختيار: لا يستطيع أحد ضمان السعادة البشرية، واختيارات الأفراد ترجع لهم، وتركز التنمية البشرية على تقديم هذه الخيارات والفرص بخلق بيئة يستطيع من خلالها الأفراد والجماعات من تطوير امكانياتهم والحصول على فرصة لقيادة حياة منتجة ذات قيمة.
أبعاد مفهوم التنمية البشرية
التطوير المباشر للمقدرات البشرية: يتضمن المحاور الثلاث الأساسية للتنمية البشرية، والتي تشكل معًا مقياس التنمية البشرية HDI:
- حياة مديدة وصحية (مقياس متوسط العمر).
- المعرفة (مقياس التعليم).
- المعايير المناسبة للحياة (مقياس GNI: وهو ما تنتجه الدولة من خدمات ومنتجات خلال سنة GDP، إضافة إلى دخلها من اتفاقيات وصفقات خارجية.
- خلق الظروف المناسبة للتنمية البشرية: تشمل المقومات التي تخلق البيئة المناسبة للأفراد للعمل على مقدراتهم وإعطائهم الفرصة لاستخدامها:
- المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.
- الحفاظ على البيئة.
- حقوق الإنسان وحمايته.
- المساواة بين الجنسين.
- عادة يوضع مفهوم التنمية البشرية وفق شروط ما، إن كان الفرد قادر على أن "يكون" و"يفعل" ما يرغب به في الحياة:
"يكون": أي يملك الطعام والمأوى وصحة جيدة.
"يفعل": أي أن يكون قادر على العمل والتعلم والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.
والأهم من ذلك كله حرية الاختيار، فبعض الأفراد يختارون البقاء دون طعام كنوعٍ من الصيام الديني مثلًا، وذلك مختلف عمن يصوم لعدم قدرته على توفير الطعام.
تعريف التنمية البَشرية المستدامة
خلق الفرص نفسها للأجيال التالية التي تملك الحق نفسه كآبائها بحياة كريمة. وهناك الكثير من المعوقات أمام التنمية المستدامة ربما تكون عرقية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، أو عدم المساواة بين الجنسين، وهي أسباب النزاعات والهجرة وغيرها من المشاكل التي تنفي الحياة الهنيئة مع عواقب مدمرة ذات امد بعيد.
تعتبر الاستدامة مجالًا هاما عند الاهتمام بالتزايد السكاني الذي يؤدي إلى تزايد في الاستهلاك الذي يؤثر سلبيا على البيئة، والتنمية المستدامة هي الوحيدة التي يمكن أن توازن هذه الظواهر.
يُعرف مكتب تقارير التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة مفهوم التنمية البشرية على أنه خلق وتطوير ظروف المعيشة التي تمكن الأفراد من صقل قدراتهم والتمتع بحياة مديدة وصحية والوصول إلى نظام تعليمي ملائم، والمشاركة في الاقتصاد، وأن يصبحوا منتجين لتتاح لهم فرصة الحياة الكريمة حسب احتياجاتهم ورغباتهم.
ان مفهوم التنمية غير معتمد على مقدار دخل الفرد، لكن يعتمد على المقدار الذي يتم استثماره في الأفراد؛ فيمكن استخدام المال في المعدات العسكرية وأيضًا يمكن استخدامه لبناء المدارس او المستشفيات مثلاً.
ان التنمية البشرية تحارب التمييز وعدم المساواة وتدعو لحياة كريمة للجميع دون النظر الى أصلهم، جنسهم، أو لون بشرتهم.
المراجع
What is Human Development?، من موقع: hdr.undp.org، اطّلع عليه بتاريخ 03-08-2019.