الزرنيخ من العناصر الكيميائية السامة المنتشرة بكثرة في الطبيعة ؛ وتوجد في الطبيعة الكثير من العناصر والمكونات المفيدة للإنسان، ونتيجة لعبث الإنسان بالنظام الكوني، فانه يفسد ما خلقه الله صالحًا ، مثل استخدام الزرنيخ في قتل الآخرين بالتسمم؛ حيث لا يمكن اكتشافه بالرائحة أو الشكل أو الطعم خاصة إذا تمَّت إذابته وخلطه مع بعض الأملاح، وفي هذا المقال نتعرف على الزرنيخ، ومتى عرف الزرنيخ، وأين يوجد، وما هو الزرنيخ القاتل، أعراض التسمم بالزرنيخ، و الإسعافات الأولية للتسمم بالزرنيخ، الزرنيخ الأصفر، و أهم فوائد الزرنيخ.
ما هو سم الزرنيخ؟
هو عنصر كيميائي لا فلزي، ويرمز له ذريا بـ (As)، وعدده الذري هو 33، أما كتلته الذرية فتساوي 74,9216، وهو ضمن المجموعة الخامسة من مجموعات الجدول الدوري الحديث، وهو من العناصر النيتروجينية شبه المعدنية، ويسمى باليونانية (قاهر الرجال)؛ وذلك لشدة سميته، ومادة الزرنيخ من المواد عديمة الرائحة والطعم، ولا تذوب في الماء وحدها، لكن يجب إضافتها إلى عناصر أخرى مثل الأملاح، وقسمه العلماء إلى نوعين:
الزرنيخ العضوي
وهو مركب كيميائي يحتوي عنصري الكربون والهيدروجين، موجود في جسم الكائنات الحية كالإنسان والحيوان، وخطورة هذا النوع قليلة؛ فمن السهل على جسم الإنسان التخلص منه.
الزرنيخ غير العضوي
وهو مركب كيميائي لا يحتوي على الكربون، لكن يحتوي على الأوكسجين والكلور والكبريت، وهو أخطر المركبات واكثرها سمية.
تاريخ الزرنيخ
لقد عرف الإنسان الزرنيخ منذ أربعة وعشرين قرنًا من الزمان، فقد استخدم الطبيب أبقراط خلال القرن الرابع قبل الميلاد مادة كبريت الزرنيخ في علاج الأمراض كالالتهابات وغيرها، أما العالم الكيميائي البرتوس ماكنوس فقد اكتشف العنصر الكيميائي في أوائل القرن الثالث عشر.
أين يتواجد الزرنيخ؟
يعتبر الزرنيخ غير العضوي العنصر الاكثر سمية على صحة الإنسان، وينتشر هذا العنصر السام في البيئة سواء في الماء أو التربة أو الهواء، وإذا تسرب هذا العنصر إلى التربة فتكون المياه الجوفية أكثر أنواع المياه احتواءً على الزرنيخ، ففي الصين وتشيلي والمكسيك والولايات المتحدة والأرجنتين وبنجلاديش والهند ترتفع نسبة تلوث المياه الجوفية بمادة الزرنيخ السامة؛ وهذا يشكل خطرا حقيقيا على صحة الكائنات الحية والإنسان في هذه البلدان، وكذلك ترتفع نسبة الزرنيخ في مياه البحار، نبات التبغ الذي يصنع منه الدخان من النباتات التي ترتفع فيها نسبة الزرنيخ، ومن أخطر أسباب تلوث البيئة بالزرنيخ هي البراكين؛ حيث ينبعث منها كل عام بضعة آلاف من الأطنان من مادة الزرنيخ، وأيضًا المنتجات السمكية المستخرجة من المياه المالحة كالبحار والمحيطات تكون غنية بعنصر الزرنيخ؛ لأنها تمتص مادة الزرنيخ من مياه البحر، و النباتات التي تنمو في التربة الملوثة بمادة الزرنيخ تحتوي على كميات ونسب كبيرة من هذا العنصر السام.
ما هو الزرنيخ القاتل؟
مركب الزرنيخ العضوي لا يمثل خطورة كبيرة على صحة الإنسان والكائنات الحية مثل المركب غير العضوي، الزرنيخ غير العضوي هو ما يوجد في التربة والمياه الجوفية وما يتصاعد من البراكين وغيرها، وتتمثل خطورته في أنه يغير من وظائف خلايا الإنسان، و يجعلها عاجزة عن التواصل مع الخلايا الأخرى، أما سم الزرنيخ العضوي مثل الموجود في المأكولات البحرية فهو أقل خطرًا وضررا على صحة الإنسان، ويشير الأطباء أن النسبة من مائة إلى مائتي مللي جرام من الزرنيخ تكفي لقتل إنسان بالغ على الفور بالتسمم، كما أن تناول نسب قليلة من مادة الزرنيخ تؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة ؛ ينتج عنها الوفاة على المدى البعيد، لذلك كان الزرنيخ على مر التاريخ أكثر المواد السامة انتشارا سواء في عمليات القتل أو الانتحار بسبب تأثيره السريع على الخلية الحية.
قاتل المشاهير
يعتبر الزرنيخ من أخطر المواد السامة التي عرفها الإنسان، فقد استخدم بشكل كبيرفي عالم الجريمة؛ وذلك لأنه عديم الطعم وعديم الرائحة، فلا يمكن التعرف عليه في الطعام أو الشراب، والغريب أيضًا أنه لا يمكن التعرف عليه أو اكتشافه عند تشريح الجثة، ومن أشهر الجرائم التي سجلها التاريخ واستخدمت فيها سم الزرنيخ لقتل المشاهير ما يلي:
مقتل الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت
الذي توفي في 1851م في المنفى، و ذكر البريطانيون أن وفاته كانت طبيعية، ولكن بعض الباحثين (الطبيب السويدي فورشوفود) عام 1962م افترض أن وفاته قد تكون بتأثير سم الزرنيخ، وحاول البعض سرقة جثمانه 1964م لتحليله ومعرفة سبب وفاته، ولكن الطبيب السويدي فورشوفود استمر في بحثه عن الحقيقة لمدة عشرين سنة، زار فيها عدة دول للحصول على خصلات من شعر نابليون التي أهداها لأصدقائه تذكارا في البلدان التي زارها، وبعد أن جمع السويدي كمية الشعر اللازمة أرسلها إلى معمل تحليل السموم في إنجلترا عام 1972م، وتبين له أن نسبة السموم من مادة الزرنيخ بها تفوق المعدل الطبيعي بـ 111 ضعفًا؛ مما يدل على أن البريطانيين قد وضعوا له نسبة قليلة من الزرنيخ في الطعام لمدة طويلة حتى قضي عليه.
الموسيقار الشهير بتهوفن
توفي عام 1827م، وبعد مرور حوالي مائتي عام على وفاته قام علماء من معهد الصحة العام في شيكاغو بتحليل خصلات من شعر رأسه فتبين لهم أن نسبة الزرنيخ فيها تزيد عن المعدل الطبيعي لدى الإنسان بحوالي مائة ضعف؛ مما يدل على تناوله سم الزرنيخ في الطعام أو الشراب لمدة طويلة حتى وفاته.
ولان الزرنيخ يدخل في صناعة اللون الأخضر، فان البعض يعتقد انه كان سببا مباشرا لوفاة بعض الرسامين المشهورين منهم الفرنسي كلاود مونيه، الذي توفي متأثرا بعدة امراض بعد إصابته بالعمى، وكذلك الرسام الهولندي فان جوخ الذي توفي عقب إصابته باضطرابات شديدة في الأعصاب، ويذكر الأطباء أن وفاة هذين الرسامين الشهيرين كانت بسبب التعامل المباشر مع اللون الأخضر الذي يدخل الزرنيخ في صناعته في ذلك الوقت
أعراض التسمم بالزرنيخ
يعتقد الأطباء أن تناول نسبة من الزرنيخ تزيد عن المائة مليجرام تؤدي إلى التسمم والوفاة خلال 24 ساعة، كما أن تناول نسبة ضئيلة من مركب الزرنيخ سواء بالاستنشاق أو الشرب أو من الطعام يؤدي إلى الإصابة بأمراض خطيرة تؤدي إلى الوفاة على المدى الطويل، ومن أهم الأعراض التي تظهر نتيجة التسمم بمادة الزرنيخ : التهابات جلدية حادة مع تغير لون الجلد، التهاب الأعصاب، صعوبة البلع، الإسهال الدموي والقيء، آلام حادة في البطن، فقدان البصر، شلل نصفي، صعوبة التنفس، وقد يتبع هذه الأعراض الإصابة بعديد من الأمراض المزمنة الخطيرة ومن أشهرها: سرطان الجلد أو الرئة أو الكلى أو المثانة، أو أمراض القلب كتصلب الشرايين.
ماذا نفعل حين التسمم بالزرنيخ؟
اكدت منظمة الصحة العالمية أن مركب الزرنيخ من أخطر عشر مركبات كيميائية تشكل خطرًا على صحة الإنسان والكائنات الحية عامة، واكدت بأن الحد المسموح به في المياه من سم الزرنيخ يجب ألا يتعدى نسبة 0,01 مللي جرام لكل لتر ماء؛ حتى لا تؤثر على صحة الإنسان، ويذكر الأطباء أنه عند ظهور أعراض التسمم بالزرنيخ على المريض يجب إسعافه عن طريق: إعطاء مقيئ وغسيل للمعدة، تناول بعض الملينات أو الملطفات كاللبن أو زيت الزيتون، الإكثار من شرب المياه النقية، ثم العرض على الطبيب المختص بعد ذلك.
الزرنيخ الأصفر
اللون الأساسي للزرنيخ هو اللون الفضي القريب من الرمادي، وهو يظهر في أشكال أساسية متعددة يعرفها الناس، وهي: الزرنيخ الأبيض، والزرنيخ الرمادي، والزرنيخ الأسود، والزرنيخ الأصفر، وجميع أشكال مادة الزرنيخ سامة تؤثر على صحة الإنسان والكائنات الحية، عدا الزرنيخ الأصفر النقي فإنه غير سام، ويتميز بأنه لا يذوب في السوائل الأخرى، أما إذا تمَّ خلطه مع أحد الأنواع الأخرى يصبح من المواد السامة شديدة الخطورة.
أهم فوائد الزرنيخ
بالرغم من خطورة مادة الزرنيخ إلا إن لها استخدامات وفوائد كثيرة، ليس في مجال التصنيع الدوائي فقط بل مجال الصناعات وغير ذلك، ومن أهم تلك الاستخدامات والفوائد ما يلي:
- الأغراض الطبية
استخدم الزرنيخ في علاج عدة أمراض منذ القرن الثامن عشر، ومن أهم استخداماته في هذا المجال علاج بعض الأمراض الجلدية وأزمات الربو وأمراض الشعب الهوائية المزمنة، واستخدم حديثا لعلاج مرض الزهري واضطرابات النوم، وكذلك لعلاج بعض أنواع السرطان منها سرطان الدم، و كان يستخدم الزرنيخ أثناء الحروب؛ لتسكين ألم الأسنان عند الجنود موضعيا، وكانت خطورته تتمثل في أنه يؤدي إلى تآكل عظام الأسنان، ومن استخداماته أيضًا في صناعة بعض المطهرات والمواد الحافظة، وهذا يفسر السر وراء بقاء جثتي الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت والموسيقار الشهير بتهوفن دون تعفن حتى الآن؛ وذلك بسبب ارتفاع نسبة الزرنيخ في الجسم، مما أدى إلى الاحتفاظ به سليما حتى الآن.
- الأغراض الصناعية
الزرنيخ من المركبات التي تدخل في العديد من الصناعات، منها: صناعة السبائك المعدنية، طابعات الليزر، آلات التصوير، صناعة المبيدات الحشرية وسم الفئران، صناعة الأعلاف الحيوانية، صناعة مواد الطلاء وخاصة اللون الأخضر، والمواد الحافظة للخشب، صناعة البطاريات وبعض أنواع الزجاج، ويستخدم في صناعة بعض الأسلحة الكيماوية؛ بسبب سميته العالية، كما يستخدم في دباغة الجلود وصناعة الأسمدة العضوية إضافة إلى صناعة مواد الأسفلت والقطران وغيرها.
الزرنيخ من المواد السامة ولكن يحتاج الجسم إلى قدر بسيط منها، قد نحصل عليها في الماء والهواء وبعض الأطعمة كالدواجن والأرز والخبز ومنتجات الألبان، وتزيد نسبة الزرنيخ خاصة في المأكولات البحرية كالأسماك والقشريات البحرية؛ لأنها تمتص الزرنيخ من مياه البحر، وتبقى هذه النسب الطبيعية آمنة غير مؤثرة على صحة الإنسان أو الكائنات الحية، ويختلف الحال عند عبث الإنسان وافساده في هذا الكون، كإلقاء مخلفات مصانع الأسمدة والمصانع الكيماوية في مياه البحر؛ ما يؤدي إلى زيادة نسبة تلوث المياه بالزرنيخ غير العضوي الذي تمتصه الأسماك؛ فيشكل خطرا على الصحة العامة.