هاني المصري
على الرغم من موافقة حركة حماس الخطيّة على ما جاء في الرسالة التي حملها حنا ناصر من الرئيس محمود عباس، مع ما تضمنته من متطلبات، لم يصدر المرسوم الرئاسي، الذي من المفترض أن يحدد موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بالتتابع بفارق زمني قصير.
يمكن أن يكون السبب في التأخير إعداد قانون بمرسوم يتضمن تعديلات على المواد التي اتفقت الفصائل عليها في الحوار مع حنا ناصر، وتتعارض مع القوانين السارية، وخصوصًا فيما يخص النص على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتتابع بدلًا من التزامن، لأن عدم تعديلها يُمكّن أي شخص أو جهة من تقديم اعتراض يطعن في قانونية الانتخابات.
التأخير له علاقة بالمساعي للحصول على ضوء أخضر إسرائيلي لإجراء الانتخابات في القدس
وبالتأكيد، فإن التأخير له علاقة بالمساعي للحصول على ضوء أخضر إسرائيلي لإجراء الانتخابات في القدس، مع أن بعض المقالات والتقارير المنشورة في الصحف الإسرائيلية ادّعت أن السلطة الفلسطينية طلبت من إسرائيل رفض إجرائها في القدس لكي يستخدم كذريعة لعدم إجراء الانتخابات، لأن حركة فتح غير جاهزة، فضلًا عن أن شعبية الرئيس عباس منخفضة كما تشير الاستطلاعات، وهذا يمكن أن يفسر لماذ أصرّ الرئيس على عدم تزامن الانتخابات الرئاسية والتشريعية ليكون لديه هامش للحركة إذا ما جاءت نتائج التشريعية مخيبة للآمال.
إذا كان التحليل الذي يشير بأن طرفي الانقسام لا يريدان الانتخابات صحيحًا، وهو كذلك، يمكن تفسير ما يجري بأنهما يعلنان الموافقة على إجرائها، لكي لا يتحملان المسؤولية عن عدم إجرائها، على أمل من كل طرف على أن الطرف الآخر سيفشلها، لذا يحاول كل طرف أن يرمي الكرة للطرف الآخر. وهذا التكتيك المتبادل قد يجعلهما ينزلقان إلى انتخابات لا يرغبان في إجرائها.
أكبر دليل على ما سبق أن البيئة الداخلية السائدة ليست ملائمة للانتخابات، فلا يزال التحريض والشيطنة المتبادلة والاعتقالات والاستدعاءات، ولا تزال العقوبات ووقف الرواتب - حتى لغالبية أعضاء المجلس التشريعي السابقين - ومختلف أشكال تعميق الانقسام تسير على قدم وساق، بما فيها التفاهمات بين حركة حماس والاحتلال، الجاري تطبيقها بتسارع هذه الأيام، بما يعمق الانقسام ولا يبشر بأننا عشية إجراء الانتخابات. ولعل حجم ونوع الجدل عن إقامة المستشفى الميداني الأميركي ومصير مسيرات العودة مجرد نماذج صارخة على ما سبق.
إجراء انتخابات تحت الاحتلال وفي ظل الانقسام إما أنها لن تُجرى لسبب داخلي أو أنها ستُجرى دون توفر الحرية والنزاهة
أكدنا كما أكد غيرنا، ونؤكد من جديد أن إجراء انتخابات تحت الاحتلال وفي ظل الانقسام، أي مع وجود سلطتين تحكمان الناس، وأجواء القمع وانتهاكات حقوق الإنسان والتحريض المتبادل، إما أنها لن تُجرى، ويمكن إيجاد سبب داخلي لعدم إجرائها، مثل عدم الاتفاق على محكمة الانتخابات، والمحكمة الدستورية، وإجراءات الإشراف على الانتخابات في قطاع غزة، وعلى الاتفاق بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل، أو خارجية مثل رفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس.
أو أنها ستُجرى من دون توفر الحد الأدنى من الحرية والنزاهة وضمان احترام نتائجها، وبالتالي يمكن أن تكون أمام احتمالات أو سيناريوهات عدة أحلاها مر، منها أن تتعرض الانتخابات للتزوير؛ أو عدم الاعتراف بنتائجها، أو الاعتراف شكلًا بالنتائح ورفض ذلك مضمونًا؛ أو الاعتراف بها من دون حدوث تغيير على واقع الانقسام، مما يعني شرعنة الانقسام من خلال تشكيل حكومة طربوش توحد الضفة الغربية وقطاع غزة شكلًا أو من دونها.
في هذا السياق، يجب ألا نتجاهل أن هناك محاولات تجري لضمان عدم حصول مفاجآت في الانتخابات، أبرزها الاتفاق على خوض الانتخابات بقائمة واحدة (فتحاوية حمساوية يضم إليها من يرغب من الفصائل وبعض المستقلين)، على أن تترك نسبة 20-30% من المقاعد للقوائم التي تريد خوض الانتخابات بشكل منفصل .والذي يستغرب احتمالية التوصل إلى تشكيل القائمة الموحدة عليه أن يعرف أنها طرحت منذ العام 2012، وعاد وطرحها أمير قطر في العام 2016، ووجدت الترحيب بحماس من الرئيس عباس، وبفتور من حركة حماس.
وهذه الفكرة مطروحة الآن كما لاحظنا في التصريح المتكرر بخصوصها من عزام الأحمد، وفي رد خليل الحية على سؤال موجه إليه خلال برنامج على قناة الميادين منذ أيام، بأن الفكرة غير مرفوضة من "حماس"، وبحاجة إلى الاتفاق على البرنامج السياسي ومتطلبات أخرى.
ووفق معلوماتي، طرحت هذه الفكرة كذلك على هامش زيارات حنا ناصر المكوكية إلى غزة، وفي اتصالات بين شخصيات قيادية من "فتح" وأخرى من "حماس" ومحسوبة عليها.
إذا كان تشكيل قائمة مشتركة مطروحًا لماذا لا يطرح إنهاء الانقسام كمدخل لإجراء الانتخابات
إذا كان تشكيل قائمة مشتركة مطروحًا، وهو كذلك، مع الاعتراف بأن هذا الأمر بالغ الصعوبة، فلماذا لا يطرح إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات أولًا كمدخل لإجراء الانتخابات، وعندها سيكون ضمن الاتفاق الوطني تشكيل حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن نتائج الانتخابات، حيث تختلف درجة ونسبة التمثيل وفق نتائج صناديق الاقتراع. أم يراد من القائمة المشتركة مثلما يراد من الانتخابات المحاصصة والاحتفاظ بالسيطرة، وإعادة إنتاج الواقع كما هو من دون تغييرات دراماتيكية، بحيث يبقى الانقسام بعد الانتخابات، ويحتفظ كل طرف بما لديه بغطاء موحد أو من دونه.
ومن الطبيعي أن يترافق الاتفاق على القائمة المشتركة الاتفاق على مرشح توافقي للانتخابات الرئاسية، على الأغلب سيكون الرئيس محمود عباس إذا أبدى الرغبة في الترشح للانتخابات.
توجد مساوئ عديدة للاتفاق على قائمة مشتركة واحدة، أهمها أنها من الممكن أن تكون قائمة تزكية بحيث لا نشهد انتخابات تنافسية حقيقية ومشاركة واسعة من الناخبين، الذين لن يجدوا اختيارات متنوعة يتم الاختيار فيما بينها، مع عدم إسقاط احتمال – وإن لم يكن مرجحًا - أن ينقلب السحر على الساحر، وتُشكّل قوائم من المستقلين والغاضبين من حركتي فتح وحماس، ومن الفصائل التي لن تشارك في القائمة المشتركة، وتحصل على نتائج تغيّر المعادلة القائمة كليًا.
إن إجراء الانتخابات تحت الاحتلال وفي ظل الانقسام وأجواء الإقصاء والتحريض المتبادل أقل ما يمكن أن يقال عنها قفزة في المجهول، ومن يريد الانتخابات فعلًا بوصفها شكلًا من أشكال ممارسة الحرية عليه أن يعطي الأولوية لإنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات، بما يكفل إجراء الانتخابات، وتوفير متطلبات أن تكون حرة ونزيهة وتحترم نتائجها، وأن تكون أداة في سياق كفاح الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.
لا تزال هناك فرصة لإنجاز وفاق وطني يجعل إجراء الانتخابات جزءًا من رزمة وطنية شاملة، تتضمن الاتفاق على برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة، وعلى أسس الشراكة السياسية، بما يضمن جعلها خطوة في اتجاه تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني وآماله.