إعلان الحرب على غزة، وحالة الطوارئ في إسرائيل، كان بمثابة ضربة قاسية للإقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني بالأساس من أزمات كبيرة بسبب الإنقسام الداخلي الذي تعاني منه الدولة، وقد بلغت خسائرها منذ إعلان حالة الحرب والطوارئ معدلات غير مسبوقة..
تراجع الشيكل الإسرائيلي في بداية التعاملات الأسبوعية، اليوم الاثنين، أمام الدولار، إلى أدنى مستوى منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2014، بفعل الحرب على قطاع غزة.
وتترقب الأسواق في إسرائيل اليوم اجتماع لجنة السياسة النقدية في "بنك إسرائيل" لاتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة على الشيكل، في ظل الحرب وتبعاتها الاقتصادية والنقدية، وسط توقعات بخفض على أسعار الفائدة.
بعد 17 يوم من السابع تشرين الأول، وتحدّثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن "أكبر كارثة اقتصاديّة في تاريخ إسرائيل"، محمّلة حكومة بنيامين نتنياهو المسؤوليّة المباشرة عن الخسائر التي تتعرّض لها الدولة، وقالت في تقرير لها:
"كما تجاهلت الحكومة الإشارات والتحذيرات في المجال الأمني، تواصل تجاهل الإشارات الحمراء في القطاع الاقتصادي".
وأشار التقرير إلى أنّ العملة الإسرائيلية (الشيكل) استمرّت في فقدان قوّتها أمام الدولار الأميركي، مسجّلة انخفاضاً إلى أدنى مستوى لها منذ العام 2012 بلغت نسبته 5%، ووصل سعر الصرف الشيكل أمام الدولار إلى 4.08 السبت الماضي.
وأصيب الشيكل بهذا التدهور السريع رغم أنّ المصرف المركزي الإسرائيلي يعمل في السوق المفتوحة بشكل فوري، وفي سوق المقايضة بشكل مكثف. وقد ضخّ، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، 45 مليار دولار لحماية العملة، ومع ذلك بلغت خسائر الشيكل نحو 7 مليارات دولار.
مؤشر بورصة تل أبيب
وتشير تقديرات محللين في بورصة تل أبيب وكبار الاقتصاديين في بنوك إسرائيلية إلى إعلان "بنك إسرائيل" انخفاض بنسبة 8% على أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، ليستقر عند 4.5%.
وفي حال صدقت توقعات المحللين، فإنه سيكون أول خفض على أسعار الفائدة في إسرائيل منذ إبريل/نيسان 2020، أي في أول أشهر جائحة كورونا.
وتبلغ أسعار الفائدة حالياً في إسرائيل 4.75% وهو أعلى مستوى منذ يناير/كانون الثاني 2007، بحسب بيانات بنك إسرائيل.
تعطل إنتاج الطاقة
أعلنت شركة "شيفرون" بعد يومين من "طوفان الأقصى" أنها أغلقت حقل تمار للغاز الطبيعي، وهو أحد أهم مصادر الغاز المستخدم لتوليد الكهرباء والتصدير في إسرائيل.
وأدى الإبقاء على هذا الحقل مغلقاً حتى اليوم، خوفاً من استهدافه، إلى توقّف صادرات الغاز الإسرائيلية نحو مصر والأردن وزيادة الضغط على سوق الغاز الأوروبي.
وأشارت صحيفة "ذي ماركر" إلى أنّ استمرار الحرب على غزة سيعرّض استثمارات الغاز الطبيعي في إسرائيل للخطر، إذ يمكن أن توجّه ضربة قويّة إلى الطوحات الإسرائيلية بأن تصبح مركزاً لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى.
وإرتفع سعر النفط، إلى نحو 94 دولار للبرميل ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً تحدّثت فيه عن مخاوف بين تجار النفط والاقتصاديين من أنّ الأسواق قد تتجاوز مستوى 100 دولار للبرميل.
شلل قطاع السياحة والطيران
فرَّ عدد كبير من السيّاح الأجانب إلى خارج إسرائيل، خوفًا من الرشقات الصاروخية، فيما ألغي عدد كبير من حجوزات الرحلات السياحية إلى تل أبيب.
وبعد قصف مطار بن غوريون في "تل أبيب" بالصواريخ، علّقت جميع شركات الطيران العالميّة رحلاتها إليه بالتزامن مع خروج مطاري رامون وحيفا عن الخدمة.
وأصدرت شركات التأمين على الطيران ضد مخاطر الحرب إخطارًا بإلغاء الغطاء التأميني للشركات التي تتخذ من إسرائيل المؤقت مقراً مع بدء سريان بعض الإلغاءات بالفعل، ما اضطر الحكومة الإسرائيلية إلى دفع 6 مليارات دولار للتعويض عن ذلك، وبلغت خسائر قطاع الطيران حتى الآن نحو 1.6 مليار دولار، بمعدّل 100 مليون دولار يومياً.
وبلغت عائات السياحة في إسرائيل أكثر من 3.4 مليارات دولار عام 2022. وبات يتكبّد خسائر بنحو 98 مليون دولار يومياً منذ بدء الحرب.
وبحسب "القناة 12" الإسرائيلية، أوصت جمعية أصحاب المطاعم بطرد العاملين أو منحهم إجازة مرضية، بعد تيقّنها من أنّ الحكومة لن تستطيع تعويض القطاع عن الخسائر الكبيرة التي يتعرّض لها، وخصوصاً بعد تراجع العمل في قطاعي الترفيه (73%) والمطاعم (65%).
خزينة الدولة
استدعى الجيش الإسرائيلي 340 ألفًا من جنود الإحتياط خلال الأيام الماضية، وهو ما يمثل نسبة 18% من فئة الشباب الإسرائيلي.
والأمر الذي سيكلف خزينة الدولة مليارات الدولارات، إضافةً الى تعطل العديد من القطاعات الصناعية والتجارية بسبب النقص في الأيدي العاملة.
قطاع التكنولوجيا
أدّت الصواريخ التي تطلق على منطقة غوش دان، وهي مصدر الاقتصاد وصناعة التكنولوجيا في إسرائيل، إلى شلل كبير في هذا القطاع الذي خسر أكثر من ملياري دولار حتى الآن.
وكشف الإخفاق التكنولوجي الإسرائيلي في أنظمة المراقبة والتجسس نقطة ضعف لدى شركات "الهاي تيك" لديه. ونتيجة ذلك، من المتوقّع أن تنخفض مبيعاته الخارجيّة في مجال تقنية المعلومات والتجسس بعدما كان شبه منفرد في السوق العالميّة.
وفي هذا السياق أيضاً، تحدّثت "نيويورك تايمز" عن إلغاء شركة "إنفيديا" قمّة الذكاء الاصطناعي التي كان مقرّراً عقدها في "تل أبيب". وتمتلك معظم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبيرة مكاتب إنتاج أو أبحاث وتطوير مهمة في "إسرائيل"، بما في ذلك "مايكروسوفت" و"غوغل" (ألفابيت) و"آبل" و"أوراكل".
وأصبح مصير المنشأة التي كانت شركة "إنتل" تنوي بناءها بتكلفة 25 مليار دولار، والمخصصة لتصنيع الرقائق الإلكترونية، في مهب الريح، وخصوصاً أنّ موقعها يبعد 30 دقيقة فقط من السياج الفاصل مع قطاع غزة.
قطاع الأعمال والتجارة
كشف موقع "ذي ماركر" ، المختصّ بالاقتصاد، أنّ إسرائيل "في حالة ركود، والتجارة صفر حالياً"، ويقول إنّ "الكثيرين يحاولون إبقاء رؤوسهم فوق الماء، ويخشون المستقبل، ولا يعلمون من سيعوّضهم ومتى".
وبحسب صحيفة "معاريف"، فإنّ السوق الإسرائيلي خسر منذ بداية الحرب 4,6 مليار مليار شيكل، أي أكثر من مليار و200 مليون دولار أميركي، بسبب تغيّب الموظفين عن عملهم.
وتراجع العمل في مصانع الألبسة (80%)، والأدوات الكهربائيّة والإلكترونيات (47%)، والألعاب (64%)، وأعلنت شركة "نستله" السويسرية إغلاق مصنعها كإجراء احترازي، إضافةً إلى إغلاق مجموعة شركات "إنديتكس" الإسبانية العالمية 84 متجراً تابعاً لها أيضاً.
ومن جهتها أخبرت سلسلة متاجر "إتش آند إم" السويدية -التي تمتلك 20 متجرا في إسرائيل- عملاءها أنه "بسبب الوضع الراهن، قد يكون هناك تأخير في مواعيد التسليم"، بالنسبة لعمليات الشراء عبر الإنترنت.