أسئلة دينية
shutterstock - Peshkova

ما حكم هجر الزوج لزوجته؟

في عالم مليء بالعلاقات الزوجية والتحديات التي قد تواجهها، يبرز موضوع هجر الزوج لزوجته كأحد القضايا الشائكة التي تثير الفضول والجدل في الأوساط الدينية والاجتماعية.


إنها ليست مجرد مسألة من مسائل الشريعة، بل هي واقع يعيشه الكثيرون بأبعاده المتعددة.


هجر الزوج، سواء في الكلام أو في الفراش، يعد خطوة قد تكون الأخيرة في سلسلة محاولات إصلاح العلاقة الزوجية، أو رداً على سلوك الزوجة المتمرد.


وتتباين الآراء بين الفقهاء حول جواز وشروط هجر الزوج، ما يجعلها قضية تحتاج إلى تفصيل واضح وتفاعلي مع النصوص الدينية والتطبيقات العملية.


ما حكم هجر الزوج لزوجته؟


الحكم الشرعي في هجر الزوج لزوجته يتمثل في أنه يُحرم إذا كان بدون سبب مشروع، وهذا يأتي استنادًا إلى القاعدة العامة في الإسلام التي تمنع هجر أحد المسلمين لأخيه بدون سبب، بغض النظر عن صفته أو علاقتهما.


ويأتي ذلك استنادًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام".


أدلة جواز هجر الزوجة


فيما يتعلق بجواز هجر الزوجة، هناك أدلة من السنة النبوية تشير إلى ذلك، حيث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتزل نساءه لمدة شهر كما رواه جابر بن عبد الله.


ومن الأدلة الأخرى التي تدل على جواز الهجر، ما يأتي من المنطق، حيث إن الهجر له تأثير كبير على النساء المتأثرات به، حيث أن المرأة بفطرتها لا تتحمل بُعد زوجها عنها.


ولكن يجب أن نلاحظ أن الأصل في العلاقة الزوجية هو المعاشرة بالمعروف والإحسان، وفقا لقول الله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف"، وقوله تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة".


وبالتالي، يعتبر الهجر استثناء من هذا الأصل، ويستخدم اضطراراً في حالات وجود أسباب ودواع مشروعة لذلك.


الأسباب التي تبيح هجر الزوجة


تتفق المذاهب الفقهية من الجمهور والظاهرية على أن السبب الأساسي المبيح لهجر الزوج لزوجته هو نُشوزها.


ويُفهم النُشوز بأنه العصيان والتمرد على الزوج، حيث تكون المرأة ناشزة إذا ارتفعت عن طاعة زوجها، وتركت أوامره، وأظهرت كراهية له. لقوله -تعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ).


ونظرًا لأن إباحة الهجر تتعلق بنُشوز الزوجة، فإذا انتهى النُشوز ورجعت الزوجة إلى طاعتها ورشدها، فلا يجوز للزوج استمرار في هجرها، لأن السبب المبيح للهجر قد زال.


ويكون هجر الزوج لزوجته جائزًا عند التأكد من وجود النُشوز من قِبَل الزوجة، أو عند خوفه من حدوث ذلك إذا لم يقم بالهجر.


ضوابط هجر الزوج لزوجته


رغم أن الشريعة تباح هجر الزوج لزوجته عندما تكون هناك أسباب شرعية مبيحة، مثل نشوز المرأة، إلا أن الزوج مطالب بعلاج النشوز بالتدرج كما بينه الله في القرآن الكريم.


وإذا لم يتبع هذا التدرج فإن الهجر لا يكون مباحاً، وهذا التدرج مأخوذ من قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا)، ويتضمن توضيح الخطوات التدريجية في علاج النشوز كما سيأتي:


1- الوعظ والنصح


في حال ظهور علامات النشوز من الزوجة، مثل عدم استجابتها لدعوة الزوج للفراش، أو رفضها التفاعل الجنسي معه، أو تكبرها وعبوسها الدائم في وجهه، ينبغي على الزوج أن يبدأ بالوعظ والإرشاد لزوجته، وتليين قلبها، وتذكيرها بفضائل العشرة الطيبة بينهما.


كما يجب عليه تذكيرها بواجباتها وما فرضه الله عليها تجاهه، وتخويفها من عقاب الله إذا تقصرت في حقوق زوجها، وإذا لم يكن الوعظ فعالاً، ينتقل الزوج إلى المرحلة الثانية.


2- هجر الفراش


الهجر في الفراش يعني أن يقتصر هجر الزوج لزوجته على الفراش فقط، ولا يجوز له أن يتعدى ذلك إلى باقي أجزاء المنزل، مثل هجرها أمام الأطفال أو أمام الناس، لحفظ كرامتها وعدم إذلالها.


هذا يعد من أصعب الأمور على الزوجة ويمكن أن يؤثر سلباً على قوتها وأنوثتها وجمالها، دون أن يؤثر ذلك على زوجها بشكل يذكر.


3- الضرب غير المبرح


في حال عدم جدوى الهجر كوسيلة للتأديب، فالزوج الحق في اللجوء إلى ضرب غير مبرح، ويجب أن يكون الضرب في هذه الحالة خفيفاً وغير مؤذٍ، ويجب تجنب ضرب الوجه أو مناطق الجمال.

والهدف من الضرب في هذه الحالة هو إيصال فكرة تقصير الزوجة ومعاقبتها على ذلك.


ويمكن أن يتم الضرب باليد على كتفها مثلاً، أو باستخدام سواك أو بطرف ثوبه وما شابه ذلك.


ويمكن أيضاً للزوج أن يلجأ إلى التحكيم بينهما، حيث يشارك طرفٌ من جهة الزوج وطرفٌ من جهة الزوجة في محاولة لحل نشوز الزوجة.

هذا ما يعرف بالتحكيم بين الزوجين، ومهمتهما هي الإصلاح بقدر استطاعتهما، وقد تكفل الله -تعالى- للحكماء بالهداية والتوفيق للإصلاح إن عزموا عليه.


وفي النهاية، إذا لم تكن هذه المحاولات فعالة في إصلاح الزوجة، فللزوج الحق في رفع قضية زوجته الناشزة إلى القضاء.


ما هي أقصى مدة للهجر؟


فيما يتعلق بمدة هجر الزوج لزوجته في الفراش، هناك تعدد في آراء العلماء:


الرأي الأول: يقول بأن للزوج الحق في هجر زوجته للمدة التي يراها مناسبة حتى تعود زوجته عن نشوزها.


هذا مذهب الجمهور من الحنفية، الشافعية، والحنابلة، ويستندون في ذلك إلى أن الآية التي تتحدث عن الهجر جاءت مطلقة دون تحديد زمني محدد.


الرأي الثاني: يعتبر أن مدة الهجر هي شهر، وللزوج أن يزيدها حتى أربعة أشهر فقط.


هذا مذهب المالكية، ويستندون إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤلّ لنسائه لمدة شهر، وأن الشرع حدد للإيلاء مدة أربعة أشهر، ومن الأولى تقييد الهجر بأربعة أشهر مثل الإيلاء.


بشكل عام، الاستمرار بالهجر لأكثر من أربعة أشهر يُعتبر ضارًا على المرأة وليس المقصود من الهجر ولا مراده، ويجب على الزوج أن يكون حكيمًا ومعتدلاً في استخدام هذه الإجراءات، تجنباً للأذى والإحراج لزوجته.


ما هي مدة الهجر بترك الكلام؟


فيما يتعلق بمدة هجر الزوج لزوجته في الكلام، هناك اختلاف في آراء الفقهاء:


الرأي الأول: يقول بأنه لا يجوز زيادة الهجر في الكلام عن ثلاثة أيام، حتى وإن استمر نشوز الزوجة.


يستند الجمهور إلى حديث ينص على (ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ).


الرأي الثاني: يعتبر بجواز الهجر في الكلام لأكثر من ثلاثة أيام إذا كانت الغاية من ذلك تأديب الزوجة وإعادتها عن النشوز.


يستند بعض الشافعية إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر المتخلفين عن غزوة تبوك لأكثر من ثلاثة أيام كدليل على جواز الهجر في الكلام لهذه المدة.


بشكل عام، يجب على الزوج استخدام الهجر بترك الكلام بحكمة ومعتدل، وبناءً على الظروف والنية في إصلاح العلاقة وتجنب إيذاء الزوجة.


طالع أيضًا

ما حكم الربا في الإسلام؟

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.