صحة
shutterstock - Kitreel

دواء التخدير: كيف نفقد الوعي تحت تأثيره؟

فقدان الوعي هو حالة غامضة ومعقدة حيرت العلماء والأطباء لعدة قرون.


حيث يعتبر التخدير الطبي أحد الأدوات الرئيسية التي تعتمد على هذا المفهوم لتحقيق فوائد طبية هائلة، سواء أثناء العمليات الجراحية أو في بعض الإجراءات الطبية الأخرى.


وفي عالم التخدير، يلعب كل قرار دوراً حاسماً في سلامة المرضى ونجاح الإجراءات الطبية، حيث يأتي الابتكار كعامل حاسم.


تخيل أن لديك القدرة على التلاعب في أدمغة المرضى بدقة فائقة لتحديد المستوى الأمثل للتخدير، وتجنب المخاطر المرتبطة بالإفراط أو النقص في التخدير.


هذا هو التحدي الذي يواجهه الباحثون اليوم، حيث يتجهون نحو فهم أعمق لكيفية تأثير أدوية التخدير على الدماغ، وتحديد الأسباب الدقيقة لفقدان الوعي.


دواء التخدير: كيف نفقد الوعي تحت تأثيره؟


وتتعدد الأدوية التي يستخدمها أطباء التخدير لإفقاد المرضى وعيهم، ولكن يظل السؤال المحوري الذي يشغل الباحثين: كيف تؤثر هذه الأدوية على الدماغ لتسبب فقدان الوعي؟


وفي هذا الصدد، قام علماء الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بدراسة معمقة لأحد الأدوية الشائعة في التخدير، وهو البروبوفول.


ومن خلال استخدام تقنية جديدة لتحليل نشاط الخلايا العصبية، اكتشف الباحثون أن البروبوفول يتسبب في فقدان الوعي من خلال تعطيل التوازن الطبيعي بين الاستقرار والاستثارة في الدماغ.


ويعمل الدواء على جعل نشاط الدماغ غير مستقر بشكل متزايد، مما يؤدي في النهاية إلى فقدان الوعي.


وفي تصريح لإيرل كي ميلر، أستاذ علم الأعصاب في بيكوور وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة التي نُشرت في مجلة نيورون بتاريخ 15 يوليو/تموز، قال: "يجب أن يعمل الدماغ على حافة دقيقة بين الاستثارة والفوضى.


وينبغي أن يكون مستثاراً بما يكفي لتؤثر خلاياه العصبية في بعضها البعض، ولكن إذا زادت الاستثارة بشكل مفرط، يدخل الدماغ في حالة من الفوضى.


ويبدو أن البروبوفول يعطل الآليات التي تحافظ على الدماغ ضمن هذا النطاق الضيق".


وتُقدم نتائج هذه الدراسة الجديدة إمكانيات واعدة للباحثين لتطوير أدوات أفضل لمراقبة المرضى أثناء خضوعهم للتخدير العام.


الاستثارة مقابل الاستقرار: ما هو السبب وراء فقدان الوعي


هل السبب في فقدان الوعي يعود إلى الاستثارة المفرطة أم الاستقرار المفرط؟ يرتبط دواء البروبوفول بمستقبلات جابا في الدماغ، مما يؤدي إلى تثبيط الخلايا العصبية التي تحتوي على هذه المستقبلات.


وفي حين أن أدوية التخدير الأخرى تستهدف أنواعاً مختلفة من المستقبلات، لا يزال من غير الواضح كيف يسبب كل منها فقدان الوعي بشكل كامل.


حيث افترض الباحثون أن البروبوفول - وربما أدوية التخدير الأخرى - يتداخل مع حالة الدماغ المعروفة بـ "الاستقرار الديناميكي".


وفي هذه الحالة، تستجيب الخلايا العصبية بشكل كافٍ للمدخلات الجديدة، ولكن يمكن للدماغ بسرعة استعادة توازنه ومنعها من الوصول إلى حالة استثارة مفرطة.


وتشير الدراسات السابقة إلى نتائج متباينة حول تأثير أدوية التخدير على هذا التوازن، فبعض الدراسات أفادت بأن الدماغ يصبح أكثر استقراراً مما يؤدي إلى فقدان الوعي.


بينما وجدت دراسات أخرى أن الدماغ يصبح مفرط الاستثارة، مما يؤدي إلى حالة فوضوية تسهم في فقدان الوعي.


تحديات قياس الاستقرار الديناميكي في الدماغ أثناء التخدير


واحدة من الصعوبات الرئيسية في تفسير هذه النتائج المتضاربة هي قياس الاستقرار الديناميكي بدقة في الدماغ.


يساعد قياس هذا الاستقرار في تحديد ما إذا كان فقدان الوعي ناتجاً عن استقرار مفرط أو استقرار غير كافٍ.


وفي هذه الدراسة الجديدة، قام الباحثون بتحليل التسجيلات الكهربائية من أدمغة حيوانات تم إعطاؤها البروبوفول على مدار ساعة، حيث فقدت الوعي تدريجياً.


حيث وجد الباحثون أن النشاط العصبي في الدماغ كان يستجيب للمدخلات الحسية مثل الأصوات، ولكنه استغرق وقتاً أطول للعودة إلى مستوى النشاط الأساسي بعد بدء جرعة البروبوفول.


وأصبح الدماغ أكثر استثارة بشكل مفرط، مما أصبح أكثر وضوحاً حتى فقدت الحيوانات الوعي.


تشير هذه النتائج إلى أن تثبيط نشاط الخلايا العصبية بواسطة البروبوفول يؤدي إلى عدم استقرار متزايد، مما يساهم في فقدان الدماغ للوعي، وفقاً للباحثين.


تحسين التحكم في التخدير


للتحقق من إمكانية تكرار تأثيرات البروبوفول في نموذج حسابي، قام الباحثون بإنشاء شبكة عصبية بسيطة.


وعندما قاموا بزيادة التثبيط في بعض العقد بالشبكة، كما يحدث في الدماغ عند تناول البروبوفول، أصبح النشاط في الشبكة غير مستقر، وهو ما يتشابه مع النشاط غير المستقر الذي لوحظ في أدمغة الحيوانات التي تم تخديرها بالبروبوفول.


يقول آدم إيسن، خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والباحث ما بعد الدكتوراه في المعهد وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة: "لقد نظرنا إلى نموذج دائرة عصبية بسيطة، وعندما زاد التثبيط فيها، لاحظنا عدم استقرار.


لذا، نقترح أن زيادة التثبيط قد تؤدي إلى عدم الاستقرار، وهذا مرتبط بفقدان الوعي.


ويشتبه الباحثون في أن أدوية التخدير الأخرى التي تستهدف أنواعاً مختلفة من الخلايا العصبية والمستقبلات قد تساهم في تحقيق تأثير مماثل عبر آليات مختلفة، وهو احتمال قيد الدراسة حالياً.


إذا ثبتت صحة هذه الفرضية، فقد تساهم في جهود تطوير طرق أكثر دقة للتحكم في مستوى التخدير.


ويعمل ميلر، مع إيمري براون، أستاذ الهندسة الطبية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، على أنظمة تقيس ديناميكيات الدماغ ثم تضبط جرعات الأدوية بشكل مباشر وفقاً لذلك.


تطوير طرق دقيقة للتحكم في مستوى التخدير


يقول ميلر: "إذا تمكنا من تحديد آليات مشتركة تعمل عبر أدوية التخدير المختلفة، يمكننا جعل جميع الأدوية أكثر أماناً عبر تعديل بعض العوامل، بدلاً من تطوير بروتوكولات أمان لكل نوع من التخدير على حدة".


وأضاف: "هدفنا هو نظام موحد يناسب جميع الأدوية المستخدمة في غرفة العمليات."


ويخطط الباحثون أيضاً لتطبيق تقنيتهم لقياس الاستقرار الديناميكي على حالات دماغية أخرى، بما في ذلك الاضطرابات النفسية العصبية.


تقول إيلا فيتي، أستاذة علوم الدماغ والعلوم الإدراكية ومديرة مركز كي ليزا يانغ للتكامل الحسابي لعلوم الأعصاب وأحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة: "هذه الطريقة قوية للغاية".


وأتمت: "أعتقد أنه سيكون من المثير تطبيقها على حالات دماغية مختلفة، وأنواع متعددة من التخدير، وأيضاً على الاضطرابات النفسية العصبية مثل الاكتئاب والفصام."


طالع أيضًا

العلاجات الحديثة للذبحة الصدرية: هل يمكن الشفاء تماماً؟

يتم الاستخدام المواد وفقًا للمادة 27 أ من قانون حقوق التأليف والنشر 2007، وإن كنت تعتقد أنه تم انتهاك حقك، بصفتك مالكًا لهذه الحقوق في المواد التي تظهر على الموقع، فيمكنك التواصل معنا عبر البريد الإلكتروني على العنوان التالي: info@ashams.com والطلب بالتوقف عن استخدام المواد، مع ذكر اسمك الكامل ورقم هاتفك وإرفاق تصوير للشاشة ورابط للصفحة ذات الصلة على موقع الشمس. وشكرًا!

0

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي "الشمس" وانما تعبر عن رأي اصحابها.