في الأوّل من حزيران/ يونيو منذ العام 1950، يحتفل المجتمع الدولي في فعاليات اليوم العالمي للطفولة ورفع الوعي بحقوق الطفل وضرورة حمايته من جميع أشكال العنف والتمييز والحرمان من الحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. ويا لها من مفارقة مؤلمة وقاسية، فقد يبدو كل ما ذكر نكتة سخيفة او مزحة ثقيلة إن أردنا الحديث عن أطفال قطاع غزة المحاصر.
ففي غزة لا يعود الأطفال من المدرسة، لأن المدارس دُمّرت. ولا ينامون في أسِرّتهم، لأن البيت صار رُكامًا، ولا يبكون كثيرًا، لأنهم تعلّموا أن البكاء لا يُرجع أمًّا قُتلت، ولا دفئ حضن الجدة ولا أبًا دُفن تحت الأنقاض. وفي غزة، لا يحتفل الأطفال بعيد ميلادهم، لأنهم لا يعرفون إن كانوا سيكملون عامًا آخر. وفي غزة، لا يكبر الأطفال، بل يُختصر عمرهم بلحظة صاروخ، أو تحت سقف بيت انهار فجأة.
shutterstock
تشير المعطيات الاخيرة لوزارة الصحة في قطاع غزة إلى أن عدد الأطفال الذين ارتقوا نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بلغ 16,503 أطفال. أكثر من 16 ألف طفل في غزة، فقدوا حياتهم في حرب لا يفهمونها، ولم يختاروها، ولم يكن لهم فيها ذنب سوى أنهم وُلدوا هناك... على أرضٍ تُقصف وتستباح ويتدفن فيها كل المواثيق والقوانين الدولية، كلّ صباح.
أما منظمة "أنقذوا الأطفال"، تقول إن أكثر من 17,000 طفل أُصيبوا بإعاقات دائمة، أو فقدوا أطرافهم بسبب القصف، ناهيك عن أن آلاف الأطفال يعانون من صدمة نفسية حادة، وكثيرون فقدوا أحد والديهم أو كليهما. في غزة هناك أطفال لا يعرفون ماذا يعني "بيت"، ولا "مدرسة"، ولا "مستقبل"، وواحد من كل ثلاثة أطفال في غزة اليوم يُعاني من سوء تغذية حاد، بحسب تقارير نفس المنظمة.
في جريمة تُسلب فيها الطفولة، وتُخنق فيها الحياة، هناك أطفالٌ انتُشلوا أحياء من تحت الركام، ليجدوا أن الأهل، الأخوة، والأحلام، كلّها تحت التراب. أطفالٌ بلا مدارس، بلا دواء، بلا طعام... وبلا أمل.
كصحافيين نحن لا ننقل أخبارًا فقط، نحن نُوثق جريمة تحدث كل يوم، على مرأى العالم وبتقنية عالية الجودة، وما يحدث لأطفال غزة هو مجزرة ووصمة عار ابدية على جبين الإنسانية. هؤلاء الأطفال لا يُقتلون فقط، بل يُسلبون الحياة بمعناها الكامل: من البيت، والتعليم، والصحة، وحتى اللعب.
هل لا يزال العالم يحتاج إلى المزيد من الأطفال الشهداء ومبتوري الأطراف ليفهم أن ما يحدث هناك ليس حربًا؟ فالقضية ليست أرقامًا فقط، بل جيل كامل يُدمَّر أمام أعين العالم.
ويا عالم، في غزة لا يحتاج الأطفال إلى الألعاب، بل إلى الحماية.
ولا يحتاجون إلى القصص الخيالية... بل إلى واقع لا يقتلهم.
وهذا الواقع بيد العالم كله.