اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الثلاثاء في بروكسل لمناقشة قضايا حساسة على رأسها الحرب في أوكرانيا، وموقف التكتل من التصعيد المستمر في قطاع غزة. في صلب النقاش، تبرز قضية العلاقة مع إسرائيل، وسط اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، وضغوط سياسية داخلية وخارجية على الاتحاد لاتخاذ موقف أكثر صرامة.
منذ أشهر، يتعرض قطاع غزة لحرب خلفت دمارًا واسعًا ومآسٍ إنسانية عميقة. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 197 ألف فلسطيني سقطوا بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب آلاف المفقودين ومئات آلاف النازحين. في المقابل، تصر إسرائيل على أنها تخوض حربًا ضد حركة حماس في إطار الدفاع عن النفس، وهو الموقف الذي يحظى بدعم أمريكي معلن.
shutterstock
ما الذي يمنع الاتحاد الأوروبي من التحرك؟
في هذا السياق المعقد، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في موقف حرج. من جهة، هناك التزام قانوني وأخلاقي في إطار اتفاق الشراكة مع إسرائيل الذي ينص في مادته الثانية على وجوب احترام حقوق الإنسان.
ومن جهة أخرى، هناك انقسامات سياسية داخلية عميقة بين الدول الأعضاء بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل، خصوصًا في ظل علاقات استراتيجية وتاريخية متباينة بين الدول الأوروبية وإسرائيل.
مفوضة الشؤون الخارجية، كايا كالاس، عرضت قائمة تضم عشرة إجراءات محتملة، من بينها تعليق الاتفاق، وفرض قيود دبلوماسية وتجارية، ووقف السفر دون تأشيرة، وحتى فرض حظر على الأسلحة.
ومع ذلك، من المرجح ألا تُعتمد أي من هذه الخطوات، بسبب غياب الإجماع الأوروبي المطلوب حسب دستور الاتحاد، والخشية من التصعيد السياسي.
بعض الدول، مثل إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا، تميل إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا، وتدعو إلى تفعيل العقوبات، بينما تقف دول أخرى مثل ألمانيا والنمسا وهنغاريا على الطرف النقيض، وترى في هذه الإجراءات تهديدًا للعلاقات الأوروبية – الإسرائيلية ومساسًا باستقرار سياسي معقد في الشرق الأوسط.
بين التصريحات والمآسي: هل يملك الاتحاد الأوروبي الشجاعة للتحرك؟
يبدو أن الاتحاد الأوروبي اختار حتى الآن نهج الضغط الناعم، عبر مطالبة إسرائيل بتحسين إدخال المساعدات الإنسانية، وفتح معابر إضافية، وهو ما تحقق جزئيًا بحسب تصريحات كالاس. لكن هذا النهج يثير تساؤلات حول فعاليته، خصوصًا في ظل استمرار الأزمة الإنسانية في غزة.
في غزة، الوضع الإنساني كارثي، باعتراف كالاس ذاتها. أكثر من مليوني إنسان يواجهون الجوع والمرض والنزوح تحت حصار وقصف مستمر. ومع ذلك، يكتفي وزراء الاتحاد بتقدير "إشارات إيجابية" من إسرائيل بخصوص دخول بعض الشاحنات. وكأن هذا الحد الأدنى من الفتات يمكن أن يغسل أيادي أوروبا من دماء الأطفال والنساء.
shutterstock
على الاتحاد الأوروبي أن يفهم أن مصداقيته على المحك إن لم يتحرك الآن، وإن لم يثبت أن حقوق الإنسان ليست شعارات انتقائية تُرفع في وجه الأعداء وتُسقط أمام الحلفاء، فإنه يخاطر بأن يتحول إلى كيان بلا بوصلة أخلاقية.
لكن مجرد طرح العقوبات للنقاش اليوم هو أمر غير مسبوق – وربما بداية لمسار مختلف. صحيح أن التكتل الأوروبي ما زال في حالة شلل سياسي.
لكن الكرة الآن في ملعبه. هل سيستمر في تردده المزمن؟ أم إذا سيفرض عقوبات على إسرائيل؟