رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما تزال الأوضاع الإنسانية والأمنية في تدهور مستمر، وسط تصاعد الغارات الإسرائيلية وتضييق الحصار وعرقلة إدخال المساعدات، ما أثار تحذيرات متزايدة من منظمات إنسانية ودولية من كارثة وشيكة تهدد حياة المدنيين.
وشهدت مناطق متفرقة من القطاع خلال الساعات الأخيرة قصفاً مدفعياً وغارات استهدفت منازل وعمارات سكنية، بينما نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات نسف لمبانٍ في خان يونس جنوب القطاع، وأطلق النار شرق جباليا شمالاً.
الزوارق الحربية تطلق النار في بحر غزة
كما فتحت الزوارق الحربية النار بشكل مكثف في بحر غزة، واستهدفت المدفعية بلدات شمال بيت لاهيا.
وأكدت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أن استمرار الحصار الإسرائيلي أدى إلى تكدس كميات كبيرة من المساعدات داخل المستودعات في معبر كرم أبو سالم، دون السماح بإدخالها إلى المدنيين.
وحذرت الوكالة من تفاقم الأوضاع مع اقتراب فصل الشتاء، في ظل النقص الحاد في مستلزمات التدفئة والمأوى.
وأشار المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن الجيش لم يلتزم ببنود الاتفاق سوى جزئياً، إذ لم تتجاوز نسبة الشاحنات المسموح بدخولها منذ توقيع الهدنة سوى 24% من الكميات المتفق عليها.
ارتقاء مواطن في الشجاعية
أفاد الدفاع المدني الفلسطيني بإرتقاء مواطن إثر استهداف طائرة مسيّرة إسرائيلية في حي الشجاعية شرق غزة، مشيراً إلى أن طواقمه واجهت صعوبات كبيرة أثناء انتشال الجثمان نتيجة التحليق المكثف للطائرات.
وفي وقت لاحق، أعلن الدفاع المدني انتشال جثماني ضحيتين من تحت أنقاض منزل عائلة الحداد في حي تل الهوا غرب المدينة، بعد ساعات من البحث في ظروف ميدانية قاسية.
وأكدت المديرية أن فرقها نفذت خلال شهر أكتوبر الماضي 865 مهمة إنقاذ وإطفاء وإسعاف، بينها 71 مهمة لإخماد الحرائق و291 عملية إنقاذ و503 مهمات إسعاف، رغم النقص الحاد في المعدات والوقود.
استمرار منع الجيش خروج أكثر من 16 ألف مريض من القطاع
في السياق الصحي، حذّرت شبكة المنظمات الأهلية من استمرار منع السلطات الإسرائيلية خروج أكثر من 16 ألف مريض من القطاع لتلقي العلاج خارج غزة، مشيرة إلى أن الطرق الرئيسية ما تزال مغلقة وأن المساعدات الطبية غير كافية لتغطية الاحتياجات المتزايدة.
من جانبه، أكد مدير مستشفى الشفاء، الدكتور محمد أبو سلمية، أن القطاع الصحي لم يشهد أي تحسن منذ بدء الهدنة، مع ارتفاع مقلق في معدلات وفيات الأطفال والأمهات.
ولمتابعة كل ما يخص "عرب 48" يُمكنك متابعة قناتنا الإخبارية على تلجرام
وفيات حديثي الولادة ارتفعت من 9 إلى 50 لكل ألف مولود
وقال إن وفيات حديثي الولادة ارتفعت من 9 إلى 50 لكل ألف مولود، بينما قفزت وفيات الأمهات من 27 إلى 145 لكل مئة ألف حالة ولادة، بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لإنقاذ ما تبقى من المنظومة الصحية.
وفي تقرير منفصل، حذر مركز غزة لحقوق الإنسان من القتل البطيء الذي يتعرض له مرضى السرطان والفشل الكلوي بسبب الحصار، مبيناً أن نحو 12,500 مريض بالسرطان محرومون من العلاج، بينهم نساء وأطفال، وأن آلاف الحالات لم تُشخّص بعد بسبب توقف الفحوصات الطبية.
ونفت السلطات في غزة اتهامات القيادة المركزية الأميركية التي تحدثت عن نهب حماس للمساعدات الإنسانية، ووصفتها بأنها حملة تضليل تهدف لتشويه الواقع الميداني.
وأكدت أن الجيش الإسرائيلي هو المسؤول المباشر عن الأزمة، من خلال منع إدخال الوقود والمساعدات الغذائية والطبية، وفرض قيود معقدة على عمليات التوزيع والإغاثة.
وفي الوقت ذاته، واصلت منظمات الإغاثة المحلية تحذيراتها من نفاد المواد الأساسية، فيما طالبت بفتح عاجل لكافة المعابر والسماح بدخول القوافل الإنسانية دون قيود.
جهود ميدانية مشتركة وانتشال جثث المحتجزين
على الصعيد الميداني، تستعد فرق من الصليب الأحمر الدولي بالتنسيق مع كتائب القسام لدخول حي الشجاعية للبحث عن جثث محتجزين إسرائيليين ومواقع ضحايا آخرين، بعد تبادل معلومات ميدانية تتيح تنفيذ عمليات انتشال منظمة تحت إشراف طبي وإنساني.
وأكدت مصادر مطلعة أن العملية ستتم وفق بروتوكولات دقيقة تضمن سلامة الفرق الميدانية وتوثيق الحالات تمهيداً لتسليم الجثامين وفق الأعراف الدولية.
أوضاع الأسرى وتنديد دولي
خلال الملتقى الدولي لنصرة غزة والأسرى الفلسطينيين المنعقد في مدريد، قال مدير عام نادي الأسير الفلسطيني أمجد النجار إن أوضاع الأسرى كارثية وغير مسبوقة، متهماً وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بقيادة حرب إبادة ضد الأسرى عبر سياسات انتقامية وتعذيب ممنهج.
وأضاف النجار أن الانتهاكات داخل السجون تصاعدت في الأشهر الأخيرة، مع تقليص الزيارات وحرمان الأسرى من العلاج والطعام، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي يتعامل مع الأسرى كوسيلة ضغط سياسي وانتقامي ضد الشعب الفلسطيني.
أونروا والتعليم في مراكز الإيواء
من جانبها، أكدت مديرة المكتب الإعلامي لوكالة الأونروا في غزة أن الوكالة تواصل جهودها لإعادة العملية التعليمية في مراكز الإيواء المنتشرة في القطاع، رغم محدودية الإمكانيات.
وأوضحت أن أكثر من 8,000 معلم ومعلمة يعملون على توفير تعليم بديل للأطفال النازحين، ضمن برامج دعم نفسي وتعليمي للحفاظ على استقرارهم النفسي وحقهم في التعلم.
وشددت على أن التعليم يمثل نافذة الأمل لأطفال غزة الذين يعيشون تحت القصف والحرمان، مشيرة إلى أن الأونروا ماضية في هذا المسار رغم الدمار الكبير الذي لحق بالمدارس والبنية التحتية.
فظائع الجيش وتشويه الجثامين
في تطور صادم، كشف مدير مستشفى التحرير في مجمع ناصر الطبي، الدكتور أحمد الفرا، عن تفاصيل مروعة تتعلق بجثامين الضحايا التي يسلمها الجيش الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني.
وأوضح أن بعض الجثامين تظهر عليها علامات تشويه متعمد وسرقة أعضاء، وأن سلطات الجيش الإسرائيلي تمتنع عن الإفصاح عن هويات أصحابها رغم معرفتها الدقيقة بهم، في انتهاك واضح للأعراف الدولية.
كارثة تلوح في الأفق
وبينما تستمر إسرائيل في فرض القيود والحصار، تتصاعد المخاوف من انهيار شامل للأوضاع الإنسانية مع اقتراب فصل الشتاء.
ففي ظل استمرار القصف، ومنع العلاج، وتدهور الخدمات الأساسية، يعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في غزة تحت وطأة معاناة متزايدة، وسط عجز المجتمع الدولي عن فرض التزامات واضحة على الجيش الإسرائيلي لوقف الانتهاكات وضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
ويجمع المراقبون على أن استمرار إسرائيل في عرقلة المساعدات واستهداف المدنيين يُنذر بانفجار جديد، وأن المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لإنقاذ غزة من مأساة متكررة قد تتحول إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
اقرأ أيضا
بعدما أثار الجدل..نجل نتنياهو لن يتسلم المنصب الجديد في المنظمة الصهيونية