أقرت جهات أمنية إسرائيلية، في معطيات وُصفت بالحساسة، بأن إسرائيل لم تنجح منذ انسحابها الأحادي من قطاع غزة عام 2005 في زرع أو تشغيل أي عميل استخباري مؤثر أو ذي وزن داخل قيادة حركة حماس، سواء في جناحها العسكري أو في مستواها السياسي.
وكشف تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها الإلكتروني واينت، اليوم السبت، أن هذا الفشل يشكل أحد المفاتيح المركزية لفهم الإخفاق الاستخباري الكبير الذي سبق هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
إسرائيل لم تمتلك مصادر بشرية ذات قيمة داخل حماس
ووفق التقرير، تعترف أجهزة الأمن الإسرائيلية، بما فيها جهاز الأمن العام "الشاباك"، والوحدة 504 المختصة بالتجسس البشري في شعبة الاستخبارات العسكرية، إضافة إلى جهاز الموساد، بأنها لم تمتلك على مدار نحو عشرين عامًا مصادر بشرية ذات قيمة حقيقية داخل هرم قيادة حماس.
ويأتي هذا الاعتراف في وقت تُفاخر فيه إسرائيل بقدرات استخبارية واسعة نجحت في اختراق ساحات بعيدة جغرافيًا، تمتد لآلاف الكيلومترات خارج المنطقة.
ولمتابعة كل ما يخص "عرب 48" يُمكنك متابعة قناتنا الإخبارية على تلجرام
كيف فشلت إسرائيل في فهم ما يحدث في غزة
ويطرح التقرير سؤالًا جوهريًا هزّ أوساط المنظومة الأمنية الإسرائيلية بعد الهجوم: كيف فشلت إسرائيل في فهم ما يجري على بعد نحو مئة كيلومتر فقط جنوب تل أبيب، داخل قطاع خضع لسيطرتها المباشرة سنوات طويلة، بينما استطاعت تشغيل مصادر فعّالة في دول وأنظمة معقّدة وبعيدة؟.
وبحسب ما ورد، فإن أحد الأسئلة التي طُرحت داخليًا كان: “كيف لا يوجد مئات العملاء في غزة قادرون على إرسال إشارة تحذير بسيطة، عند تحرّك قادة ميدانيين لحماس قبيل الفجر؟”، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية في القطاع، ووجود شرائح ناقمة على حكم الحركة، إلا أن التقرير يخلص إلى أن هذا الافتراض لم يكن له سند واقعي.
ويشير التقرير إلى أنّ الشاباك كان يشغّل بالفعل عددًا من العملاء داخل قطاع غزة، لكنهم كانوا في مستويات متدنية للغاية، وأن شبه لا أحد منهم قدّم معلومة ذات قيمة” قبيل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهو ما عُد إخفاقًا استخباريًا بحد ذاته، غير أن المعطى الأخطر، والذي وُصف بأنه أكثر إزعاجًا ولم يُنشر سابقًا، يتمثل في غياب أي مصدر جوهري داخل قيادة حماس منذ عام 2005.
تحولات بنوية أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من غزة
ويربط التقرير هذا الإخفاق بتحوّلات بنيوية أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من غزة، حيث تآكلت تدريجيًا قنوات الاحتكاك بين إسرائيل والقطاع.
فتوقف دخول العمال، وانعدمت تقريبًا المسارات الاقتصادية والسياحية والعلاقات الخارجية، وهي قنوات تُعدّ تقليديًا مداخل أساسية لتجنيد العملاء وبناء الشبكات البشرية.
إغلاق غزة المشدد جعل من شبه المستحيل تشغيل ما يُعرف بعملاء دولة الهدف
كما أشار إلى أن إغلاق غزة المشدد جعل من شبه المستحيل تشغيل ما يُعرف بعملاء دولة الهدف، الذين يلتقون عادة بمشغليهم في دول ثالثة، وهو خيار غير متاح في حالة قطاع محاصر ومراقَب.
ويتوقف التقرير عند عملية خانيونس الخاصة الفاشلة عام 2018، التي قُتل خلالها ضابط إسرائيلي رفيع، معتبرًا أن حماس استوعبت بعدها الكثير من الأساليب الاستخبارية الإسرائيلية.
ويضيف أن إسرائيل لم تُقدر في حينه حجم ما فهمته الحركة من تلك العملية، إلا بأثر رجعي.
كما يتناول التقرير انتقادات داخلية وُجّهت إلى رئيسي الشاباك السابقين، رونين بار ونداف أرغمان، بزعم عدم منحهما أولوية كافية للاستخبارات البشرية، بحكم خلفياتهما العملياتية.
غير أن المعطيات، بحسب التقرير، لا تُظهر تقليصًا فعليًا للموارد المخصصة لهذا المجال، بل تكشف أن المشكلة كانت أعمق كل ما جُرب لإعادة بناء شبكة بشرية مؤثرة في غزة لم ينجح.
ويخلص التقرير إلى أن الرقابة السياسية والأمنية العليا، بما فيها لجان الكنيست السرية ومجلس الأمن القومي، وصولًا إلى رئيس الحكومة بصفته المسؤول المباشر عن الشاباك، كان يفترض أن تدرك الحقيقة الواضحة منذ سنوات: غياب مصادر بشرية ذات قيمة داخل غزة، إلا أن حالة الانسجام غير المنتج بين الأجهزة المختلفة، بدل المساءلة الصارمة، أسهمت في تخدير المنظومة وأفضت إلى أحد أخطر الإخفاقات الاستخبارية في تاريخ إسرائيل.
اقرأ أيضا
لقاء نتنياهو وترامب.. محطة قد تعيد رسم خريطة الانتخابات الإسرائيلية