لقب "الفستق الفارغ" كان من الألقاب المهينة التي تُطلق على أي طفل أو فتى يخرج للعب مع أصدقائه، لكنه يظل غير ملموس ولا تأثير له في مجريات اللعب. يتنقل في أرجاء المكان، لكن لا أحد يهتم بوجوده أو ينتظر مساهمته. وفي بعض الأحيان، قد يتحسن وضعه عندما يرتقي إلى "دكة الاحتياط"، فيدخل بديلًا لفريقه، ما قد يمنحه فرصة مؤقتة لإثبات وجوده. وإذا أصيب أحد اللاعبين أو حالفه الحظ، فقد يصبح لاعبًا أساسيًا لفترة قصيرة قبل أن يتلاشى مجددًا.
هذا هو حال المواطن العربي في إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالقرارات المصيرية في الدولة. فرغم أنهم يشكلون نحو 20% من السكان، إلا أن تأثيرهم على صناعة القرار السياسي يبقى هامشيًا، وكأنهم مجرد "فستق فارغ" في المعادلة السياسية أو على دكة الاحتياط. وفي حالات نادرة، قد يُنظر إليهم على أنهم "بيضة القبان"، كما حدث في تجربة الجسم المانع في حكومة رابين الثانيه في العام ١٩٩٢ مع الجبهة والحزب الديموقراطي العربي أو دعم حكومة بنيت ولابيد وما سمي بحكومة التغيير، في العام ٢٠٢١ مع القائمة العربية الموحدة ولكن هذه المحطات تبقى استثناءً وليست القاعدة.
التهميش في الملفات السياسية الكبرى
إقالة رئيس الشاباك مثالًا
من أبرز الأمثلة على هذا التهميش وبالظروف الآنية ملف إقالة رونين بار، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك). رغم أن هذه القضية تُعتبر أمنيةً بامتياز وتمس جميع المواطنين في إسرائيل، فإن العرب فيها يبقون مستبعدين تمامًا عن النقاشات المتعلقة بها. لا يُنظر إليهم كأطراف معنية، ولا يُتاح لهم أي دور في اتخاذ القرار أو حتى التأثير على مجريات الأحداث. هذه الديناميكية تتكرر في ملفات أمنية أخرى، مثل سياسات الحكومة تجاه الأمن الداخلي وسلك الشرطة رغم العنف المستشري في المجتمع العربي
نعم جهاز الامن هو جهاز مراقبة واستخبارات وطالما كان معاديا للعرب ولكن اذا تم تسيس الجهاز بشكل صارخ وفي ظل حالة العربدة من اليمن المتطرف فعن اي هامش ديموقراطي نتحدث عندها ؟ ولكن هل للاحزاب العربية الموقف وهل يمكن لموقف الجهاز تأثيرا على مسألة حيوية مثل مسألة شطب الاحزاب في الانتخابات القريبه؟
التعديلات القضائية: العرب خارج اللعبة
عندما طُرحت التعديلات القضائية في إسرائيل، كانت محورًا لنقاش سياسي واجتماعي واسع، وخرجت مظاهرات ضخمة اعتراضًا عليها. ومع ذلك، كان العرب في إسرائيل خارج اللعبة تمامًا، ليس فقط بسبب ضعف التمثيل السياسي، بل أيضًا لأن الأحزاب العربية لم تستطع التأثير على هذه القضية بشكل مباشر. ورغم أن التعديلات تؤثر على المواطنين العرب بشكل غير مباشر، فإن الخطاب السياسي والإعلامي ركز على تأثيرها على المجتمع اليهودي فقط.
حرب غزة: تأثير مباشر دون مشاركة في القرار
تُعد الحرب في غزة من القضايا التي تبرز الفجوة بين المجتمع العربي في إسرائيل ودوائر صنع القرار. فمع كل تصعيد عسكري، يتأثر المواطنون العرب بشكل مباشر، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي. ومع ذلك، لا يُمنحون أي دور في تحديد مواقف الحكومة تجاه الحرب أو التهدئة. وكأن هذه القرارات تُتخذ بمعزل عنهم، على الرغم من أن تداعياتها تمسهم بشدة.
هذا الإقصاء المستمر يعمّق شعور العرب بعدم الانتماء إلى الدولة، ويزيد من العزوف السياسي، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات، حيث يشعر الكثيرون بأن تصويتهم لن يُحدث فرقًا حقيقيًا.
حركة الاحتجاج في إسرائيل: لماذا لم يشارك العرب؟
شهدت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة موجة احتجاجات واسعة ضد حكومة نتنياهو والتعديلات القضائية. ولكن رغم أهمية هذه القضايا، لم يكن للمجتمع العربي دور مؤثر في هذه الاحتجاجات.
هناك أسباب عدة لهذا الغياب، أبرزها أن العرب لا يرون المحكمة العليا كجهة تحمي حقوقهم، بل يعتبرونها جزءًا من منظومة التمييز ضدهم. كما أن الصراع الداخلي بين اليمين واليسار اليهودي لا يعكس بالضرورة أولوياتهم السياسية والاجتماعية.
النواب العرب في الكنيست: دور محدود وتأثير ضعيف
من الناحية النظرية، يُفترض أن يكون للنواب العرب في الكنيست دور محوري في الدفاع عن حقوق المجتمع العربي والتأثير على السياسات العامة. لكن في الواقع، يواجهون تحديات كبيرة تحدّ من قدرتهم على التأثير، منها:
التهميش السياسي: حيث لا يتم إشراكهم في معظم القرارات المصيرية.
الانقسام الداخلي: فبينما يسعى بعض النواب للتعاون مع الأحزاب الصهيونية لتحقيق مكاسب سياسية، يركز آخرون على القضايا الداخلية للعرب في إسرائيل.
التحديات المستقبلية وإمكانية التغيير
ورغم كل هذه التحديات، لا يزال هناك أمل في تغيير الواقع السياسي للمواطنين العرب في إسرائيل. ولكن هذا التغيير يتطلب:
تعزيز المشاركة السياسية، من خلال زيادة نسبة التصويت في الانتخابات لاننا لا نملك بدائل عملية اخرى وزيادة التمثيل تبقى المساحة الأهم والاقوى بالنسبة للمواطنين العرب.
ضخ دماء جديدة في الأحزاب العربية، لكسر النمط التقليدي وإيجاد استراتيجيات أكثر فاعلية في التأثير السياسي حتى لا تصبح الاحزاب نواد مغلقة ومنغلقة على نفسها تدفع الى عزوف الشباب عن المشاركة السياسية.
طرح برامج رؤية واضحة وجامعة خاصة في القضايا الاستراتيجية كما حصل بعد احداث اكتوبر 2000 ,وأعادة صياغة اوراق التصور بعد عشرين عاما من طرحها
هذه الافكار ليست كافيه وبحاجة ماسة الى صقلها وبلورتها ولكن هل من مبادرة حقيقة لترجمتها على ارض الواقع وخاصة التمثيل السياسي ؟
هذه مسؤولية الاحزاب
هذه مسؤولية الاحزاب والمجتمع المدني وكل من يعتبر نفسه صاحب دور ورسالة وإلا، فإن السيناريو سيبقى كما هو: بين دكة الاحتياط والفستق الفارغ، دون أي تأثير حقيقي على مستقبل علاقتنا بالدولة.