في السنوات الأخيرة، ومع ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي اصبح المجتمع العربي في اسرائيل "مستهلكا" اساسيا لهذه المنصات والتي اصبحت بدورها الساحة الرئيسية للتعبير عن الرأي والاحتجاج ومع ذلك، يطرح هذا الواقع تساؤلًا جوهريًا: هل تحوّل الاحتجاج إلى مجرد "بوست" غاضب أو "ستوري" عابر، دون أي تأثير فعلي على الأرض ؟ والأهم على متخذي القرار محليا وقطريًا.
فعلى سبيل المثال ، ملف العنف والجريمه هو ملف مدني بأمتياز ، و"الصدام" فيه مع مؤسسات الدولة يرتبط بقضية جوهرية وهي الأمن الشخصي للمواطن ، وبرزت مؤخرا محاولات اطلاق صرخات محلية شعبية كما كان في قرية المزرعة بعد قتل الدكتور عبدالله قاسم وكذلك في طمرة بفعل سلسلة حوادث عنف وقتل واطلاق نار ولكن سرعان ما تلاشى رد الفعل بعد ٢٤ ساعة وكأن الاحتجاج الشعبي بات مرهونا بمدى الانكشاف على هذا الاحتجاج في شبكات التواصل ومع تلاشيه يندثر الاحتجاج ايضا فيجد المواطن العربي نفسه في حالة من عدم القدرة على التأثير.
من الاحتجاج الميداني إلى الاحتجاج الرقمي
التاريخ النضالي للمجتمع العربي في إسرائيل مليء بالمظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية التي لعبت دورًا مهمًا في مواجهة السياسات التمييزية والظلم الاجتماعي. لكن في السنوات الأخيرة، شهدنا تراجعًا في الزخم الميداني مقابل تصاعد النشاط الرقمي، حيث باتت القضايا تُناقش على فيسبوك، إنستغرام، وتويتر، بينما الشارع يبقى هادئًا نسبيًا.
مزايا وقيود الاحتجاج الرقمي
لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي منحت الأفراد صوتًا أقوى وساعدت في نشر القضايا بسرعة فائقة، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين التفاعل الرقمي والعمل الحقيقي. يمكن أن يكون "الهاشتاغ" قويًا، لكنه لا يترجم دائمًا إلى تغيير ملموس، خاصة عندما لا يتبعه ضغط فعلي على الأرض يمكن ان يحرج او يشكل رافعة ضغط على الحكومة بوزارتها او حتى على السلطة المحلية واذا اردتم مثالا حيا على ذلك فلنتذكر قضية جمع القمامة والنفايات ، في الناصرة او الجديدة المكر او عرابة وغيرها ، كانت شبكات التواصل "مشتعلة" ولكن في الشارع والميدان لم تخرج حتى مسيرة او وقفة وان اشتعل شيء فكانت مجمعات القمامة والحاويات لتبعث بدخانها السام الى المواطنين المحتجين رقميا بانفسهم.
لماذا تراجع الاحتجاج الميداني؟
القمع الأمني: التخوف من ردود فعل الشرطة والاعتقالات جعل الكثيرين يفضلون الاحتجاج من خلف الشاشات وخاصة في العامين الاخيرين اداركا ان الشرطة تنظر الى المواطن العريي نظرة عداء وليس نظرة مواطن يصرخ من المه ويطالب بالتغيير
الإحباط وفقدان الثقة: مع غياب التأثير الفعلي لكثير من الاحتجاجات، أصبح البعض يرى أن لا فائدة من النزول إلى الشارع والاحتجاج
الراحة والسهولة: نشر "بوست" أو "ستوري" أسهل بكثير من المشاركة في مظاهرة، مما يجعل الاحتجاج الرقمي أكثر جذبًا واقل جهدا وتكلفة
التغيّر في أنماط المشاركة: الجيل الجديد يعتمد على التكنولوجيا أكثر، ويجد أن التأثير عبر الإنترنت قد يكون أكثر شمولية.
عدم قدرة الاحزاب والحركات السياسية على حشد المواطنين وتفعيلهم وهي أشارة لازمة القيادة التي يعيشها المجتمع منذ سنوات.
الاحتجاج بين العالم الافتراضي والواقع
الاحتجاج الرقمي ليس سلبيًا بحد ذاته، لكنه يصبح غير فعال إذا لم يكن هناك امتداد له على أرض الواقع. التغيير لا يحدث بمجرد مشاركة منشور، بل يحتاج إلى تنظيم، ضغط جماهيري، وخطوات عملية تؤدي إلى نتائج ملموسة.
نحو احتجاج أكثر تأثيرًا
الدمج بين العالمين: يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون أداة لتعزيز الاحتجاج الميداني وليس بديلاً عنه.
التوعية والتنظيم: يجب استخدام المنصات الرقمية لنشر الوعي والتحفيز على النزول إلى الشارع.
التنسيق بين الفاعلين: الجمع بين النشطاء الرقميين والناشطين الميدانيين قد يخلق حركة أكثر تأثيرًا.
وسائل التواصل الاجتماعي سلاح قوي، لكنها ليست كافية لوحدها لإحداث التغيير. إذا بقي الاحتجاج العربي في إسرائيل محصورًا بين "البوست" و"الستوري"، فلن يتجاوز كونه تعبيرًا عن الغضب دون نتائج فعلية. التحدي اليوم هو في إعادة ربط الحراك الرقمي بالفعل الميداني، لأن التغيير الحقيقي لا يصنعه المنشور، بل يصنعه الفعل.